الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأستاذ مرغليوث
الأستاذ مرغليوث إنكليزي ناطق بالضاد. . . فإنه مستشرق تضلع من العربية وملك عنانها. ولا بدع فإنه وقف عليها ذكاء خارقاً وعزيمة ماضية. فهو اليوم ملم بعلومها وآدابها إلماماً قلما تسنى لغيره من المستشرقين.
وهو يقيم في أكسفورد مدينة العلم وهي على نحو 60 ميلاً من لندرا، سكانها طلبة، ومخازنها مكاتب، وشوارعها حدائق. أهم مبانيها وأقدمها ثلاثة وعشرون هي صروح العلم منذ القرن الرابع عشر، إذ هي
المباني المتفرقة هنا وهناك التي تتألف منها جامعة أكسفورد الشهيرة. وأستاذنا أستاذ العربية في هذه الجامعة.
زرته في بيته وخاطبته بالإنكليزية فرد علي بالعربية، وهو يتكلمها بكل طلاقة ويجيد الأسلوب العامي (الشامي والمصري) لأنه زار القطرين غير مرة ومكث فيهما مدة طويل. وهو معروف لدى جمهور من أدباء القطرين وعلمائهما وله منهم صفوة أخوان يجلهم ويجلونه.
وهو رجل على علو قدره وسمو مكانته في عالم الأدب متواضع لين الجانب، يمدحه عارفوه، وتعظمه أفعاله. وقد ذكره لي زميله أرنولد وقال: إنه فرد نادر الذكاء فقد كان يفوز بقصب السبق على أقرانه مدة تلمذته بطولها، وإنه لذو مقدرة غريبة في درس اللغات وإتقانها. فلتفتخر العربية بأن مثل ذكائه ومقدرته موقوفان عليها دون سائر اللغات الشرقية.
أما ما يجيئه الآن من خدمة هذه اللغة المظلومة فهو طبع كتاب معجم الأدباء لياقوت الرومي. فإن لديه النسخة الخطية الوحيدة من هذا الكتاب. وقد أراني الجزء الذي تم طبعه فرأيته حافلاً بالشروح والتفاسير التي تشهد له بسعة الإطلاع وطول الباع في علوم اللغة وآدابها.
وقد ظهر له مؤخراً كتاب جليل في الإسلام كنت قد طالعته قبل التشرف بمقابلته، فحدثتني نفسي بنقله إلى العربية لما وجدت في فصوله من الإحصاءات والحقائق التاريخية والأبحاث الفلسفية والسياسية مما يهم
الإطلاع عليه كل متصدر للبحث والكتابة في الشؤون العربية والإسلامية على الإطلاق. وهو سفر مختصر بحث فيه عن ماضي الإسلام وحاضره من أوجه الدين والأمة والدولة جميعاً بحثاً دقيقاً متحاشياً فيه ذكر كل ما يحرج الإحساسات، ومقتصراً على إيراد الحقائق وإرداف النتائج بأسبابها.
وقد طلبت إليه أن يتحف الزهور برسمه الكري وبنفثة من يراعه العربي، فتفضل بقبول متمناي وبعث إلي إلى لندن بالرسم وقد وقع اسمع عليه بيده، وبالجملة التالية وقد كتبها بقلمه البليغ.
وديع البستاني
مذهب المستشرقين
ذكر صاحب الفخري في أخبار أمير المؤمنين عبد الملك أن مذهب المستعربين اخترع في عصره وهو يريد بهم رجالاً من الجانب اتخذوا اللغة العربية لغة وتزيوا بآداب العرب. قياساً على تلك الكلمة وضع في أيامنا اسم المستشرقين تسمية لمن ينتمي إلى علوم الشرق من أهل الغرب لا كالذين يشير إليهم المتنبي بقوله:
وقد يتزيا بالهوى غير أهله
…
ويستصحب الإنسان من لا يلائمه
فإن فيهم أناساً لا يطعن في أهليتهم، وإنما تركوا جادة طريقة أصحابهم لأسباب نريد أن نبينها لمن ذهبت عنه أو خفيت عليه. فأول داعية دعت قوماً من علماء الإفرنج إلى اكتساب العلوم الشرقية هي الديانة. فإن التوراة أساس أسس عليه الدين المسيحي ولغتها الأصلية عبرانية تختص باليهود الذين مع حفظهم لكتابهم المقدس وتعبدهم بفروضه
لم يهتدوا إلى تبويب وتدوين قواعدها وقوانينها إلا بعد توطئة نوابغ نحويي الإسلام للطريق. وبعد ما ألف سيبويه كتابه وجمع أبو عبيد غريبه ورتب الراغب مفرداته حملت بعض أساتذة اليهود الغيرة على الاقتداء بهم. وقد سهل ذلك عليهم ما بين اللغتين من التقارب والتشابه فلما استهل عند الإفرنج قمر المعارف صار لاهوتيوهم يأخذون من علماء اليهود تفسير التوراة. وبتقفية الآثار تدرجوا إلى الموارد العربية فأصبح كل من يرغب في الوقوف على حقائق معاني التوراة طالباً للعربية لا يستغني عن طرف منها. فالسبب الأصلي في تأسيس أستاذيات اللغة العربية عند الإفرنج هو ديني صرف أضيف إليه ما كان اشتهر من حذق أطباء العرب وحكمائهم ومنجميهم وأنه لم يزل عندهم متون أئمة اليونان القدماء وشروحها وكان طلبة الطب عندنا قبل 250 سنة يضطرون إلى حضور دروس مدرس العربية. ثم عندما بلغت حرية الأفكار ما بلغت وأنتجت علوم جديدة تنقر عن الإنسان من حيث هو إنسان وتبحث عن مصادر السياسات والأديان وتاريخ الممالك
والبلدان واختلاف الأنواع باختلاف الزمان والمكان لم يخف على المتبحرين في هذه العلوم اتساع الممالك الإسلامية وعظم ما تشتمل عليه من الموارد اللازمة لأشغالهم من آثار متواثرة وعوائد غير محل بها ومذاهب متشعبة وطرائق متفاوتة فازدادوا رغبة في الحصول على الآلات التي تمكنهم من الاكتشاف عن خفايا التاريخ وهؤلاء لابد لهم من الاستشراق.
- مرغليوث