الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 18
- بتاريخ: 1 - 11 - 1911
الأعلام العربية
في اللغات الأجنبية
بالنظر إلى انشغال العالم السياسي بحوادث طرابلس الغرب ومراكش كثر في جرائدنا ورود أسماء العلم عن تلك الأصقاع العربية. ولما كانت الجرائد تستقي معظم أخبارها من الصحف الإفرنجية رأينا أكثر هذه الأسماء مشوهاً في الترجمة تشويهاً يكاد ينزلها منزلة الأعجمي من الألفاظ. فأحببنا أن ننبه إلى هذا الخطأ طالبين إلى كل من يهمهم هذا الأمر أن يعملوا على ملاقاته:
منذ أربع سنوات تقريباً أرسل الأستاذ نلينو إلى الجمعية الجغرافية الخديوية مقالاً بحث فيه عن أسماء العالم الإسلامي الجغرافية وما يطرأ عليها من الغلاط والتحوير في النقل من لغة إلى لغة. وليس الأستاذ نلينو بمجهول لدى المصريين، فإنه من علماء المشرقيات المعروفين، وبعد ما كان مدرس اللغة العربية في كلية بالرمة (جزيرة صقلية) اختارته الجامعة المصرية منذ سنتين ليدرس في القاهرة تاريخ العلوم عند قدماء
العرب. ولقد جاءت رسالته في الموضوع الذي ذكرناه طافحة بالملاحظات الجديرة بالاعتبار.
* * *
مهما كابر المكابرون لا ينكر أن الغربي الآن قد نال الأسبقية على الشرقي في ميدان الحضارة والعلوم. وقد أصبحنا في حاجةٍ إلى الرجوع إلى أبحاث علماء الغرب حتى في الأمور التي تتعلق بنا أشد العلاقة. فبتنا ندرس تاريخ أمتنا وجغرافية بلادنا في كتبهم ومؤلفاتهم. فأحدث ذلك عندنا تبلبلاً واضطراباً في ضبط الأعلام العربية وإرجاعها إلى أصلها. وهذا هو الأمر الذي قام الأستاذ نلّينو يدعو إلى تلافيه أعني آفة التحوير بل التشويه الذي يدخل على الأعلام الشرقية. فإن كتاب الإفرنج وعلماءهم قلما يحسنون نقل هذه الكلمات بلفظها الصحيح إلى لغاتهم. ولذلك، على ما نرى، سببان: الأول أن آذانهم لم تتعود سماع بعض مقاطع ومخارج لغاتنا فيسيئون كتابة ما يسمعون من أسماء الأعلام. والثاني - وربما كان هذا هو السبب الأساسي - إن اللغات الأجنبية تخلو من بعض حروف اللغات الشرقية ولاسيما الحروف الحلقية كالحاء والخاء والعين والقاف، فيستعيضون عنها بحروف تماثلها على قدر الإمكان، وكثيراً ما يخلط هؤلاء الكتاب بين
التاء والطاء، والدال والضاد، والسين والصاد، والقاف والكاف إلخ وذلك للسبب نفسه، أي خلو لغاتهم من حروف فارقة بين هذه المخارج، فتجيء كتاباتهم أحياناً بعيدة عن أصلها، غريبة في وضعها، وكثيراً ما يلبسونها بالنقل حلة
جديدة، فيتعذر على قارئها أو مترجمها إعادتها إلى أصلها. من ذلك أنهم يكتبون صلاح الدين سلادن، وفخر الدين فهردان، وابن رشد أفرويس، وابن سينا افيسن، ووهران أران، وعين ماضي أين مدها، إلى غيرها ما هنالك من هذا القبيل مما يطول بنا إيراده.
* * *
يأخذ الغربيون قطننا وحريرنا فيصبغونه وينسجونه ويعيدونه إلينا، فهل نستغرب إذا أخذوا كلماتنا فنحتوها وصقلوها وأعادوها إلينا مصبوغة بصبغة لهجاتهم؟
على أن هؤلاء الكتبة لا يلامون في كل الأحوال على هذا التحريف لما قدمنا من الأسباب. ولكن اللوم علينا، نحن معشر الشرقيين، فإننا عندما نقرأ مثل هذه الأسماء الشرقية أو نضطر إلى نقلها إلى العربية نأخذها عن الإفرنجية ونكتبها بحروف تماثل حروف صورتها الغربية كأنها غريبة عنا. فتبقى في حلتها الأجنبية كأنها من الكلمات الموضوعة في أكاديمية اللغة في باريس أو لندره أو برلين. ولا نذكر من هذا القبيل على سبيل الفكاهة إلا ذاك الذي ترجم سلادن (صلاح الدين) بلفظة سلادينوس (؟) ألا رحم الله السلطان الأيوبي وكفاه شر المعربين.
أما الآن - وقد أخذ علماء الغرب يقبلون أيما إقبال على درس العربية والفارسية والسريانية وسائر اللغات الشرقية من ميتة وحية - فإنهم تنبهوا للأمر، لأنه تعذر عليهم مراراً تطبيق أسماء الأعلام على أصلها عندما رأوها في ذلك الأصل بعدما ألفوا شكلها الأجنبي. فأخذوا
ينقبون ويبحثون ويطالعون في كتب قدماء العرب ليعيدوا إلى هذه الأسماء صورتها الحقيقية.
هذا بعض ما خطر على البال عندما تصفحنا مقالة الأستاذ نلينو. وكان حضرته قد كتب قبل اليوم ما مفاده:
طبع في بولاق سنة 1893 كتاب اسمه تاريخ العرب وآدابهم لجامعيه فانديك وفيليبيدس، صدره الكاتبان بمقدمة جغرافية عن جزيرة العرب ترى فيها أكثر الأسماء مشوهاً أي
تشويه لنقلهما هذه الكلمات عن لغات أجنبية دون مراعاة أصلها فيجعلون مثلاً (ص 6) جزيرة خوريان كوريان، وبلد الكويت قويط، وجبل العارض الجبل العريض، والقصيم القسيم. . . . .
هذا وقد توفق الأستاذ نلينو إلى تنقيح أسماء مختلفة فأعادها غىل أصلها وأكثرها من أسماء الأمكنة في مراكش والجزائر، وهي مغلوطة الكتابة حتى على الرسوم الجغرافية المعول عليا، وها نحن نورد أهمها للفائدة:
تل أمرنا والصحيح تل العمارنة، قبيلة دوي منيه والصحيح ذوي منيع. وسهل تافراته والصحيح سهل تافراطا، وقد ورد ذكره في ابن خلدون وسائر مؤرخي بلاد المغرب.
وقد ذكر العرب في كتبهم قبائل إيت سغروشن وأيت شخمان. فصارت في كتاباتنا الحديثة إيت شروشن وإيت سغمان. وقبيلة غياثة صارت رياطة.
ونحن نعتقد أن سبب هذا التحوير الأخير أن بعض الإفرنسيين
كما هو معروف يلفظ الراء كالغين، كذلك قل عن وادي تدغه فقد حوروها فصارت وادي طدرة.
أما وادي ذرا فصوابها وادي درعة ومدينة ششوان صوابها الشاون.
ولا مجال الآن إيراد كل الأسماء الجغرافية التي اعادها الأستاذ نلينو إلى أصلها كما وردت في كتب العرب فلا تبقى تحت رحمة المترجمين يشوهونها عندما ينقلونها عن الإفرنج بعد ما يكون هؤلاء قد حرّفوها في نقلها إلى لغتهم.
ولابد في هذا المقام من ذكر اسم عالم آخر هو من أبناء الشرق قد أدى مثل هذه الخدمة أعني به الأمير شكيب أرسلان اللبناني المعروف لدى قراء الزهور فإنه في رواية آخر بني سراج التي نقلها إلى العربية عن الكاتب الفرنسوي شاتوبريان بحث أدق بحث عن الأعلام الأندلسية الشائعة في إسبانيا حتى توفق إلى تطبيقها على أصلها.
ولما عني الأمير بتأليف تاريخ الجزائر وحياة الأمير عبد القادر وكان جل اعتماده على كتب إفرنجية استعان بالسيد محمد مرتضى الحسني لضبط أسماء الأعلام. وقد أشار الأستاذ نلينو في مقالته إلى آراء الأمير الأرسلاني واعترف بدقتها.
* * *
أما وقد رأينا الآن الداء فما يكون الدواء؟. . . إن الحاجة تدعو إلى وضع معجم لأسماء
الأعلام يكفينا شر آفة التشويه في النقل - ولكنا معرض لها - وأن يعول علماء المشرقيات على علامات خصوصية
يصطلحون عليها لكتابة ما ينقصهم من الحروف الشرقية.
ونختم هذه الملاحظة الإجمالية بما أشار إليه الأستاذ نلينو عن ضبط تلك الأسماء قال:
لا يتم ذلك إلا في بلاد الشرق، وأنا اعتقد أن نقطة الشرق المعينة للقيام بذلك هي مصر. ففي مصر تلك الجمعية الجغرافية التي خدمت العلم الخدم الجلي. . . وفي مصر نقطة تجلب إليها المسلمين من كل صقع، أعني بها الجامع الأزهر، وفيه الطلاب الذين يؤمونه من كل صوب فيمكن الاستعانة بهم على أخذ التعليمات اللازمة. وأخيراً نعرف في مصر جماعة من نخبة علماء المسلمين هم على تمام الاستعداد لتحقيق هذا المشروع إذ أنه في وسعهم، فضلاً عن معلوماتهم الشخصية، أن يستفتوا إخوانهم في سائر الأمصار الشرقية، الأمر الذي يتعذر على علماء أوروبا. وفي هذا العمل فائدة كبرى للغربيين، لأنه يضع حداً لهذا التشويه الذي جعل الدروس الشرقية وعرة المسالك، وللشرقيين لأنه يحفظ لهم إرثاُ لغوياً ثميناً باتت تتهدده أيدي النساخ والمترجمين.
ولسنا نزيد شيئاً على هذه الأقوال المملوءة حكمة، بل نضم صوتنا إلى صوت هذا المستشرق طالبين من القادرين على ملاقاة هذا الخلل ألا يتأخروا عن ملاقاته.
ولا يسعنا في الختام إلا تهنئة رئيس وأعضاء جمعيتنا الجغرافية الخديوية بما نالوه من التفات علماء أوروبا، وشكرهم على ما يبذلونه من الاجتهاد في سبيل تعزيز العلم في أصقاعنا.