الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأشربة الكحولية إذا كانت تولد بعض الحرارة في جسم متناولها، فهي لا تلبث أن تحدث رد فعل فتنخفض حرارة الجسم درجة أو درجتين عما كانت عليه قبل تناول المشروب. وقد لوحظ ذلك خصوصاً في بلاد روسيا حيث يكثر الفعلة أيام الشتاء من تناول المشروبات. فإن كثيرين منهم يموتون بدراً حين خروجهم من حانات الشرب.
هذه ملاحظات إجمالية يجدر التذكير بها في هذه الأيام.
وصف غرق
وهو فصل من رواية يترجمها بعضهم وينشئها السيد مصطفى لطفي أفندي المنفلوطي الكاتب المشهور.
من سوزان إلى ماجدولين
كنا على وشك أن نزورك يا ماجدولين أنا وأبوي فحدث حادث حال بيننا وبين ذلك. فقد دعانا أحد الأصدقاء منذ أيام إلى زيارته في
بلدته، وهي على بعد ثلاثة فراسخ منا ولا تبعد عنك إلا قليلاً، فذهبنا إليه صبيحة يوم وقضينا فيم نزله برهة، حتى إذا زلقت الشمس عن كبد السماء خرج القوم إلى الخلاء للتنزه في غاباته ومزدرعاته. وأنت تعليم فيما تعلمين من أمري أنني فتاة لا أحب الغابات والمزدرعات، ولا الأدغال والأجمات، ولا أطرب لخرير الماء ودوي الريح وهزيم الرعد، ولا اغتبط بحرارة الشمس ووعث الطريق وخشونة الأرض واقتحام الصخور والتعثر بين أغوار الفلوات وأنجادها، ولا أستطيع أن أجد في نفسي تلك اللذة التي يجدها الشعراء المتخيلون في جمال الطبيعة وروائها، ومحاسن الأحراش وبهجتها. ولكنني لم أر بداً من الكون معهم والإصحاب لهم فمشيت صامتة ومشوا يتحدثون بجمال الحياة القروية وعيش العزلة بين سكون الطبيعة وهدوءها وجمال الكائنات وجلالها. والله يعلم أن أحداً منهم لا يعلم من نفسه أنه صادق فيما يقول أو من يتمنى لنفسه ذلك الشقاء الذي يحسد عليه الأشقياء. فكان مثلهم في ذلك كمثل أولئك الكاتبين الذين يكتبون الفصول الطوال في مدح الفلاح والتنويه بذكره والثناء على يده البيضاء في خدمة المجتمع الإنساني، حتى إذا مر ذلك المسكين بأحدهم وأراد أن يمد يده لمصافحته تراجع وكفكف يده ضناً بها أن تلوثها بأقذارها تلك اليد السوداء.
ومازلنا كذلك حتى بلغنا شاطئ النهر فراعنا أنا رأينا هنالك جمعاً عظيماً من الناس يتدفع فوق الشاطئ الآخر تدفع الموج المتراكب ويشير إلى الماء بأصابعه وينادي: الغريق الغريق! والنجدة النجدة!
فالتفتنا حيث أشاروا فإذا رجل بين معترك الأمواج يصارع الموت والموت يصرعه، ويغالب القضاء والقضاء يغلبه. يبدو تارة فيمد يده للناس فلا يجد يداً تمتد إليه، ويختفي أخرى حتى تنبسط فوق صفحة النهر فنحسبه من الهالكين.
ومازال يطفو ويرسب، ويثب ويقع، حتى كلَّ ساعداه وابيضت عيناه واستحال أديمه، ولم يبق بين أعيننا منه إلا رأس تضطرب ويد تختلج فبكى الباكون، وأعول المعولون،
وتواثبت الأحشاء، وتزايلت الأعضاء، ومشى اليأس في الرجاء مشي الظلال في الأضواء، ونظر الناس بعضهم إلى بعض كأنما يتساءلون عن رجل رحيم، أو شهم كريم.
وأنهم لكذلك وقد زاغت أبصارهم إلى رؤوسهم، وتمشت قلوبهم من صدروهم. وإذا رجل يدفع الجمع بمنكبيه ويمر بين الناس مر السهم إلى الرمية، حتى اندفع إلى النهر وسبح إلى المكان الذي هبط فيه الغريق وراءه، وما هي إلا نظرة والتفاتة أن انفرج الماء عنهما فإذا هما صاعدان يمسك كل منهما بذراع صاحبه، فكبر الناس إعجاباً بهمة الرجل الكريم، وفرحاً بنجاة الغريق المسكين.
ولكنا ما كدنا نستفيق من هذا المنظر المحزن حتى راعنا منظر آخر أجل منه وقعاً وأعظم هولاً، فقد رأينا الغريق كأنما جن جنونه فظن أن مخلصه يريد به شراً وأنه ما أمسك بذراعه إلا وهو يريد أن يهوي به إلى قعر الماء فيعيده سيرته الأولى. فضربه بجمع يده في صدره ضربة قاتلة ثم أنشب أظافره في عنقه ولفه بساقيه لفة خلنا أن عظامه
تئن لها أنيناً فاستيأس الرجل وعلم أنه لابد هالك وأن مقص الفناء قد كاد يأتي على آخر خيط من خيوط أجله، فرفع يديه إلى السماء وهتف باسم أحسب أنه يشبه اسمك يا ماجدولين.
ثم ما لبث أن هوى الماء بهما وجرى مجراه فوقهما، فخفقت القلوب وجفت الصدور وخفتت الأصوات وتعلقت الأنفاس وشخصت الأبصار وامتدت العناق ومرت على ذلك ساعة لا تضطرب فيها موجة ولا تهب نسمة، فنظرت إلى أبي حائرة وقلت: أيتعذب الغرقى كثيراً في مصارعة الموت؟ قال: نعم يا بنية، ولقد يبلع الأمر بأحدهم أن يدور بيده في قاع البحر عله يجد الصخرة يضرب بها رأسه ضربة قاضية يستريح بها من الآلام والأوجاع. . . فركعت فوق الرمل ومددت إلى السماء يدي وقلت: اللهم إنك أعدل من أن تجازي الإحسان بالسوء أو الخير بالشر فلقد أبلى هذا الرجل في سبيلك بلاً حسناً وبذل في مرضاتك ما ضن به الناس جميعاً، وها قد ضاقت عليه المذاهب وتقطعت به السبل وأعوزه المعين والنصير فامدد إليه يدك البيضاء التي طالما أنرت بها ظلمات البائسين، وأنر له ظلمته التي يعالجها، إنك أرحم الراحمين وأعدل الحاكمين.
ثم استغرقت في صلاتي فلم أعد أشعر بشيء مما حولي حتى سمعت ضجة على الشاطئ فاستفقت فإذ النهر يتثاءب عن الرجل وإذا الرجل صاعد وحده إلى سطح الماء فتنفس
طويلاً فصاح به الناس: انج بنفسك فقد أبليت. . . فهبط مرة أخرى وعاد بالغريق يجره وراءه ومازال