الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معاملة الأسواق غشاً وخداعاً وسرقة وخبثاً وكذباً؟
لست أدري أمخطئة أنا أم محقة؟ لكن هذه الاكتشافات التي تهم الجمهور معرفتها، لا أظنها تؤثر في أرواح الأفراد كما تعمل فيها صور الفكر القديم وظواهره الفنية. إن هؤلاء الأفراد يؤثرون على بلادة الترفه الميكانيكي شرف العمل الروحي. فهم يظلون مدى حياتهم عبيداً لأحلام الجمال اللطيفة، وذوي الأمزجة السريعة التأثر حيث تختلط الحدة بالدعة، والضحك بالغضب، والسكوت بالسرور، والتأملات بالخيالات الجميلة.
مي
في جنائن الغرب
حلابة جميلة
هي فتاة الريف البعيدة عن عالم الجمال الاصطناعي، نظرة من عينيها البراقتين تغير وجه الناظر إليها، هي تعرف أن نظرة الجميل خطيب صامت ينطق بمدح الفضيلة إلا أنها لا تبالي به، فضائلها تؤثر السكينة على الضوضاء، كأنها تجهل ما هي عليه من الجمال، وما أودع فيها الرحمن من كمال.
بطانة ثوبها - أي جسمها - أجمل كثيراً من ظاهرها. لأنها وإن كانت لا تلبس البز والأرجوان فهي مزدانة بالطهر والعفاف - أنعم به من حلة جميلة حاكتها يد الصانع العظيم لا يد الإنسان اللئيم.
هي لا تفسد جمالها ولا تبلي ثوب صحتها بالنوم الكثير. لأنها تلقنت عن أمها الطبيعة أن عدم الاعتدال في النوم هو صدأ النفس، والنفس إذا علق بها الصدأ أفناها كما يفني الحديد. فلذا هي تبكر في الصباح بكور الطائر ولا تأوي إلى سريرها إلا إذا حان وقت النوم.
اللبن الذي تحلبه بخفة ورشاقة يزداد بياضاً ليضاهي ثوب عفافها، ويزداد نقاوة ليضارع نقاوة قلبها مقر الإخلاص ومسكن الحب وقدس أقداس الجمال.
سنابل الحنطة الذهبية تخر ساجدة وتقبل قدميها عندما تقطفها كأنها تسلم نفسها طوعاً واختياراً لليد التي قلعتها من تربة الأرض التي كانت تغذيها. أنفاسها مسك وما أدراك ما المسك.
نضبت يداها من ماء الشباب لكثرة العمل المطلوب منها ولكن قلبها قد أذابته نيران الشفقة على الإنسانية المتخبطة في حمأة البؤس، وتقرحت أجفانها من كثرة بكائها على الموت الأدبي المتسلط على بني الإنسان الذين أفسدت عواطفهم المطامع الكاذبة والشهوات الشريرة.
قلب فتاة الريف كالزهرة النقية التي فتحت أكمامها وسقط ندى الربيع على أوراقها، فراحت تميل مع النسيم. تزاول أعمالها بهمة دونها الهمم، ومع ذلك تراها آمنة مطمئنة، كأن الطهارة والإخلاص والحب ثلاثة أقاليم جمعت في واحد. قلبها أنقى من الثلج في بياضه ويسمو إلى المجد عن السفاسف. وهنا مصدر تأثيرها. . . نظرة منها كافية لتذيب أفئدة
الأسود الضارية وتسكن الوحوش الكاسرة حين غضبها وتوقف
الأجرام السماوية في حركتها ودورانها.
ومتى أقدم الشتاء بلياليه الطويلة وبرده القارص جلست تدير دولاب غزلها ونطق لسانها بكل لحن شجي يزيل عن النفس الحزينة ما ترزح تحته من شقاء وبؤس.
كل ما تمتد إليه يدها من العمل تعمله وهي قريرة العين، مسرورة الخاطر. هي لا تعمل لا خيراً لأنها جبلت على حب عمل الخير والمعروف. وهي تعرف أن العمل الشريف هو المهذب الحقيقي لبني الإنسان، وإن الكسل يتلف الإنسان نفساً وجسداً فتعلم يقيناً أن تسعة أعشار رذائل العالم ومصائبه ناجمة عن كل عمل يأتيه الإنسان ويتأفف منه الشرف.
في آخر السنة تفيض يداها بما ملكت من كدها واجتهادها على المحتاجين. وفي ملابسها لا تختار إلا ثياب الحشمة والأدب.
إذا اعتراها داء كان طبيبها هواء حديقتها البليل ودواءها من جني النحلة الحكيمة.
هي لا تخشى نازلة تداهمها إذا خرجت دون رفيق لأنها لا تقصد أذية أحد بل تريد أن ترد الشر خيراً الصاع صاعين. والحق هي ليس منفردة إنما تصحبها حاشية كبيرة من ترانيم مطربة وأناشيد منعشة.
هذه هي حياتها. ولا أمنية لها إلا أن تموت في زمن الربيع فتوضع الأزهار والرياحين فوق نعشها.
(عن السر توماس أوفبري)
ببادى غالى - الخرجوم