الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكهربائي بواسطة طيارة مكهربة ينال المطلوب فنجحت اختباراته بعض النجاح ولكن طيارته المكهربة كانت تعود مراراً بصفقة خاسرة فلا تليها نقطة ماء.
وأصاب مثل هذا النجاح الجزئي المهندس ألن في الهند لكن بطريقةٍ أخرى، فإنه كان يرسل في الفضاء أسهماً مملوءة من الأثير، فكانت عند انفجارها تحدث برودة في الهواء من شأنها أن تحول الغيوم إلى مياه تنهمر على الأرض.
هذا معظم ما رأينا ذكره في هذا الصدد سائلين أن يكون مطر هذا العام مطر خير وإقبال على الفلاح العزيز عماد الثروة والفلاح فيتسنى لنا أن نقول عن بلادنا ما قاله الشاعر فرجيل عن بلاده بلاد غنية بالرجال والغلال.
محاكم الأحداث
لا يمضي يوم إلا ويأتينا غيره بأخبار وحوادث لم نسمعها من قبل. فمن يوم إلى يوم، ومن شهر إلى شهر، ومن سنة إلى سنة، تظهر اختراعات وإصلاحات لم نكن نحلم بها ولم تخطر لنا على بال. . . .
ومن الإصلاحات الحديثة العهد نهضة إصلاح شؤون الأحداث كما يسمونها فقد سمعنا ولا نزال نسمع كل يوم بالنظامات الجديدة والشرائع الحديثة التي تسنها الحكومات الراقية حباً بتخفيض ويلات الأحداث ومصائبهم ولاسيما العاملين منهم بأشغال مختلفة
كالمعادن والمعامل وما شاكل. فقامت بإصلاحات نعجز عن تعدادها الآن لضيق المقام. ومما نظرت فيه الحكومات أخيراً هو محاكمة الأحداث غير البالغين. فقد كانوا فيما مضى يعاملون كالرجال تماماً، إذ كانوا يحاكمون بموجب قانون واحد يشمل الكل على السواء.
فكنت ترى الأحداث مسوقين إلى السجن ليقضوا فيه أياماً وأسابيع وشهوراً كأكبر المجرمين.
ولم يكن السجن نصيبهم فقط بل كانوا يساقون إلى النطع فيعدمون كالآخرين. والتاريخ بدلنا بأجلى بيان على الأيام التي كانت رؤوس المجرمين تطير فيها عن أجساهم لجرائم لا نعدها اليوم ذنوباً تستوجب عقوبة الإعدام. فكنت ترى في إنكلترا مثلاً في القرن الماضي رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً معلقين على أخشاب إرهاباً للجانين وتسكيناً للحوادث والجرائم.
ولا نحتاج للإسهاب في موضوع القصاص والعقاب فما غرضنا الآن شرح فلسفة العقاب والثواب، بل جل ما نقصده هو إظهار عدم موافقة الحكم على الصغير كالكبير بمقتضى شريعة واحدة أو قانون واحد. وإليك حادثة حقيقية حدثت في أوائل القرن الماضي في بلاد الإنكليز مأخوذة عن كتاب (حوادث المحاكم ومجرياتها في إنكلترا) فمن القوانين التي سنت عام 1830 قانون الإعدام لأي سرقة كانت خصوصاً سرقة المخازن، صغيراً كان السارق أو كبيراً. فالحادثة التي نحن بصددها تروي أن فتاة لا تتجاوز السابعة عشرة من عمرها قبض عليها في أحد مخازن الأقمشة الكتانية وهي تحاول السرقة وإذ كانت تخبئ القماش تحت ثوبها
لمحت صاحب المخزن فتركت القماش وهربت. فاتبعها الرجل بالبوليس فساقها إلى السجن تواً دون أن يسمع شكواها، وأحضرت أخيراً أمام المحكمة الجنائية فكان ما دافعت به عن نفسها قولها أنها ابنة رجل متوسط الحال وأنها كانت تعيش برخاء، ولم
تعرف الشقاء ولا الجوع إلا بعد تغيب أبيها عنها لأنه كان قد مضى عليه مدة طويلة ولم يرجع إلى البيت. ولما لم يكن إلا والدها سنداً لها ولأخوتها الصغار عضهم الجوع وقرصهم البرد لطول غيبته عنهم. فأخذت هي تجول في أسواق المدينة علها تجد شيئاً تسد به رمق إخوتها ورمقها، فأعياها التعب والكلال ولم تر نفسها إلا داخل المخزن فدفعها ما كانت عليه من الجهد إلى أخذ بعض الأقمشة لتبيعها وتتقوت بثمنها. فحدث لها ما تقدم.
ولما كان غرض المحكمة بتجريمها ومعاقبتها إرهاباً وعبرة، رأى القضاة أن يشددوا في القصاص فعلقوها على خشبة في ساحة المدينة كأكبر المجرمين.
أهذا هو العدل وهل كان حكمهم عادلاً؟
إذا نظرنا إلى القانون المسنون في ذلك الحين نرى انه كان حقاً ولكن هل يعد القانون الذي يقضي قضاء كهذا قانوناً عادلاً؟ أو هل كان إعداد تلك الابنة إرهاباً للمجرمين والسارقين. كل العمر الحق بل قد جاء في الكتاب الذي أخذنا عنه هذه الحادثة أن تعدد السرقات لم ينقص بل ظل آخذاً بالازدياد. والعقاب لا نفع منه إلا إذا كان غرضه مساعدة الفرد الواحد وإصلاحه ففي إصلاح الفرد صلاح الأمة وفي تهذيب الشعب إصلاح الرؤساء والحكام.
كلنا يعلم أن بذور الشر والجريمة سهل زرعها في الصغير. ومتى شب عليها تمكنت منه فقادته إلى شر الهلاك وكانت عاقبة أمره الدمار. ومن النادر أن ترى مجرماً لم تتمكن فيه عاداته وأعماله منذ الصغر. فإذا لم ينقد الفتى في ما بين الرابعة عشرة والعشرين من عمره إلى الشرور والجرائم لا خوف عليه من التهور فيها بعد ذلك. فالعمر المذكور هو الذي تنمو فيه أخلاق الفتى والفتاة، وتتكون فيهما العواطف والانفعالات فيكونان شديدي التأثر من الانفعالات الداخلية والمؤثرات الخارجية على السواء. فإن كانت هذه الانفعالات والمؤثرات رديئة فاسدة تمكنت في الولد فيشب عليها ويصبح شريراً فاسداً، والعكس بالعكس.
وهذا معنى قولهم العلم في الصغر كالنقش في الحجر.
ثلاثة عوامل تؤثر في الولد في صغره فتقوده إما إلى النعيم وإما إلى الجحيم:
أولها أوهمها في غرس المبادئ وإنمائها هو البيت وأعني به كل ما هو داخل البيت وخارجه من العوامل والفواعل التي تؤثر في الولد في حداثته كتصرف الأب والأم والأخوة
والأخوات وطرق المعاملة بينهم إلى غير مما لا نحتاج لذكره الآن.
والعامل الثاني هو المدرسة فكل ما يجري بالمدرسة من تصرف المعلمين ومعاملتهم لتلاميذهم وسلوك التلاميذ مع بعضهم البعض وسياسة المدرسة نفسها كل هذه أو بعضها معاً تؤثر في الولد أشد التأثير فلهذا يختار في المدارس الراقية أفضل المعلمين صفات وآداباً وعلماً وتسن القوانين والنظامات التي تؤول إلى خير الولد علماً وأدباً.
والعامل الثالث هو الدين ويراد به مجموع التعاليم والفوائد الدينية التي يأخذها الإنسان لنفسه دستوراً فيعيش سالكاً بموجبه.
فالدين من أشد المؤثرات على الأفعال وهو الضابط لكثير من الشرور والقبائح والمانع لضروب من المفسدات والجرائم.
فإن عجز البيت عن إتمام واجباته فقد أعظم العوامل في تربية الولد فتقع إذ ذاك المسؤولية على أولياء الأمور وقد يعجز هؤلاء في أغلب الأحيان عن القيام بأعباء ما يلقى إليهم من إتمام واجبات آباء أهملوا شأن أولادهم. وقد رأينا أن الحكومة في الماضي كانت تعامل أولاداً كهؤلاء معاملة البالغين تماماً متغاضية عن البون الشاسع بين الفريقين. ولكنها قد أفاقت من غفلتها وسرى إليها حب السعي والإقدام والقيام بالواجب فسعت في هذه الأيام لتخفيف ويلات الأحداث غير البالغين فأصدرت لذلك في أكثر الممالك المتمدنة القوانين والنظامات بمنع تشغيل الحدث كالرجل لاسيما في المعامل والمعادن. فقامت عليها قيامة أصحاب المعامل والمعادن فأصلتهم حرباً عواناً دارت عليهم بها الدائرة. ولما رأت أن هذا لا يعد إصلاحاً تاماً عاودت الكرة فكانت هذه أشد من الأولى لأنها عرفت أصل الفساد ومنبع الشرور فأعدت لذلك سبيلاً إذ أنشأت محاكم خصوصية للنظر في شؤون الأحداث وطرق إصلاحهم فكان ذلك من أجل ما فعلته لإصلاح الأحداث.
هذه هي المحاكم التي نحن بصددها الآن وسنأتي على تفصيلها وبيان أحوالها في العدد الثاني إن شاء الله.
توفيق جريديني