الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى طريق الحق، وما لبث أياماً قلائل إلا وخضعت له القبائل ودانت له أغلب البلدان. ومازالت الإمارة في امتداد واتساع حتى أصبحت دولة آل سعود في درجة لو وفق أمراؤها الذين تسلموا قيادة زمامها في آخر أيامها إلى ثروة ومد نظر في السياسة لغدت اليوم من أعظم الدول الإسلامية قوة وسطوة ورهبة
ولامتدت أمرتهم إلى بلاد شاسعة، إلا أنه دهمها ما لم يدر في خلد أصحابها فإنها لما شددت في بعض أمورها كثر أعداؤها فاحتالوا على الفتك بها فأوقع بعض الأمراء ما يلقي النفور بين آل سعود وبين الحكومة العثمانية وللحال اتقدت تلك النار الحامية نار الحروب والمضاغنات والزحفات المتكررة فأضرت بالطرفين.
ولابد من ذكر تلك الأسباب التي حملت القوم الواحد على القوم الآخر في فرصة أخرى والله ولي التوفيق. وهم نعم الرفيق.
في جنائن الغرب
حديث القلوب
للكاتب الاجتماعي لامينه
1
أعيروا السمع وقولا لنا من أين يأتي ذاك الدوي المصم الغريب
الذي يسمع في الجوانب كافة؟
ضعوا الأيدي على الأرض وقولوا لنا لماذا هي تضطرب وقد اكتنفها الظلام.
هناك شيء مجهول يتحرك في جوف المسكونة فهناك والحالة هذه عمل من أعمال القدرة.
أفي الوجود خليقة لا تنتظر الساعة؟ أفي الأجسام قلب لا يخفق لها؟
ارتفع يا ابن الإنسان إلى الأعالي وقل لنا ماذا ترى؟
أرى في الأفق سحابة ممتقعة اللون يحيط بها شعاع أحمر كأنه لهيب.
وأرى أمواج البحر تتلاطم، وقمم الرواسي تتزعزع، والروابي تتمايل، فتنهال على الوديان فتغير مجاري الأنهر.
أرى الآن أن الثوابت كلها تتحرك، وأن الوجود يتخذ لنفسه شكلاً جديداً.
- وماذا ترى أيضاً يا ابن الإنسان؟
أرى الغبار يتصاعد فينعقد سحباً في الفضاء البعيد، فتنتشر في الأرجاء وهي تختلط وتتصادم مارة فوق المدن فتبدو كالسهول.
وأرى الشعوب تهب أفواجاً والملوك يضطربون فوق عروشهم. فهناك إذن حرب قائمة.
وأرى عرشاً بل عرشين قد تحطما وبددت الشعوب بقاياهما.
وأرى شعباً ينازل شعباً آخر غاطساً في الحديد. ضربات الأول ساحقة ولكن هو ذا قد سقط والدماء تسيل من جسمه العاري فهو قد طعن طعنة قاتلة.
بل إنه جرح ليس إلا، فإنه لا يزال يبدي حراكاً وقد أقبلت عليه عذراء طرحت عليه ثوباً أبيض وهي تبتسم له ابتسام الإشفاق ثم أخرجته من ساحة القتال وقد اصطبغت يداها بالدماء.
وأرى شعباً آخر ينازل متواصلة مجدداً قواه التي يفقدها في الجهاد توصلاً إلى بغيته التي
ينشدها.
وأرى شعباً ثالثاُ قد وطأته أقدام ستة من الملوك قد شهروا خناجرهم وهم يغمدونها في نحره كلما أبدى الحراك.
وأرى ساحة شاسعة قد أقيم فيها بنيان شاهق توارى بين الستائر السوداء.
وأرى الشرق يضطرب ناظراً مذهولاً إلى انهيار آثاره الشاهقة وتحول معابده الصوانية إلى رماد، باحثاً في طيات الوجود عن عظمة زاهرة يستعيض بها عظمة زالت، ومجد جديد يقام على أطلال مجد قد اندثر.
وأرى حسناء في الغرب حادة العينين عالية الجبين وضاحة الوجه ممسكة مرقماً لا تحركه أناملها مسطرة كلمة حتى تهتف لها الشعوب وتحييها الناشئات وتمجدها الأفئدة.
وأرى في الشمال رجالاً يكتنفهم برد أبدي فاستعانوا عليه بحرارة الإيمان.
وأرى في الجنوب رؤوساً ذليلة تحت تأثير لعنة أجل ما هي، وهي رؤوس قد ثقلت بنير هائل أيضاً فطأطأها ذووها شديداً وأخذوا يجولون أرقاء، ولكن هو ذا روح قد حل في ربوعهم فأخذوا في تقويم هذه الرؤوس تدريجياً.
- وما الذي تراه أيضاً يا ابن الإنسان؟
أرى النور والظلمة يتزاحمان ويتدافعان.
وأرى الشر هارباً أمام الخير الذي أقبل محفوفاً بأعوانه واضعاً قدمه على العرش ليحكم وماداً يمناه إلى الصولجان ليثبت به البسيطة.
2
عدنا بالفكر إلى الزمن الغابر، وحلقنا في فضاء تلك القرون حيث كانت الأرض خصبة تدر الخيرات على بنيها وقد عاشوا سعداء فيها فكانوا كأخوة.
فرأينا الثعبان قد أخذ يزحف بينهم موجهاً عينيه النافذتين إلى الكثيرين فاستهواهم فاضطربت منهم النفوس، ودنا بعضهم من بعض فهمس الثعبان في آذانهم بضع كلمات أصغوا إليها لاهثين ثم أنهم قالوا إننا ملوك.
وللحال امتقعت الشمس واصطبغت الأرض بصبغة الحداد ثم سمعت ضوضاء شديدة عقبتها أنة طويلة تلتها رعدة استولت على النفوس.
فقل إذن إن الساعة كانت كساعة الطوفان. وساد الرعب على
الأكواخ - حيث لم يكن هناك قصور - واستسلم القاطنون بها إلى مفزعات الأوهام والوساوس وتولتهم رجفة.
واستل الذين قالوا إننا ملوك سيوفهم وهاجموا الأكواخ.
فوقعت فظائع جمة داخل تلك الحصون القصبية وجرت الدموع ممزوجة بالدماء.
وصاح الرجال وجلين لقد عاد القتل فانتشر. وكان هذا غاية دفاعهم فإن الخوف قد قتل فيهم النفوس وأوهن السواعد.
وتخلوا عن أنفسهم يائسين فثقلت أيديهم بالأغلال التي جعلت منهم ومن نسائهم وبنيهم مجموعاً زج خليطاً في كهف أعده هم أولئك الذين قالوا أننا ملوك، فبات بنو الإنسان وهم كذلك كحيوانات في مربط.
ومزقت العاصفة طيات السحب وبددتها وقصف الرعد شديداً وسمعنا صوتاً أشد يقول: لقد انتصر الثعبان ولكنه انتصار لا يطول.
ولم يصل إلى آذاننا بعد ذلك سوى خليط أصوات مبهمة رامزة إلى الضحك والزفير والسب.
ففهمنا أن الشر سائد فبكينا بكاء مراً تلاه انتعاش في النفس بدا لأمل تولد، ألا وهو أن ذاك الشر الواقع إنما هو مقدمة للخير المقبل.
لاح لنا هذا كله كما وقع في حينه ولاح لنا ذاك الخير، فقل إذن أن الإنسانية ستتحرر فتنطلق من عقالها ويهوي أولئك الذين قالوا إننا ملوك إلى الكهف نفسه فيجدون الثعبان يتلظى.
3
أبناء أب واحد أنتم، وأم واحدة قد أرضعتكم فلماذا لا يحب بعضكم بعضاً كأخوة ولماذا تسعون إلى التنازع كأعداء. . .؟
ملعون الإنسان الذي لا يحب أخاه. وأكثر من ملعون هو إن جعل من نفسه عدواً لأخيه. ولذا لعن الملوك والأمراء والعظماء فإنهم لم يحبوا إخوتهم. وعاملوهم كما لو كانوا لهم أعداء.
ليحب بعضكم بعضاً وأنتم لا تخشون الملوك والأمراء والعظماء. إنهم ليسوا بأقوى منكم
غير متوحيدن في المحبة الأخوية.
لا تقولوا إن ذاك من شعب ونحن من شعب آخر فإن الأرض وطن الجميع، فيجب أن يكون الجميع واحداً.
تفضي إصابة العضو بأذى إلى تألم الجسم كله، وأنتم هذا الجسم، فتحاشوا وقوع الأذى بالعضو ولا تدعوه يسقط تحت نير، فإن في ذلك سقوط المجموع، ولا تكونوا كذاك القطيع الذي ينقض عليه الذئب فيفترس منه كبشاً حتى إذا عاوده الجوع عاود الافتراس. نعم لا تكونوا كذلك ميلاً منكم إلى الظن بأن افتراس الكبش الأول يعود عليكم بما كان له من النصيب في المرعى، فإنه لظن يؤدي بصاحبه إلى ان يكون الفريسة السائغة لذاك الوحش الذي يروي ظمأه بالدماء ويسد سبغه باللحم.
4
إن صادفتم رجلاً يقاد إلى الإعدام أو السجن، فلا تتسرعوا في