الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإلى أين في الفضاء مصيرها؟
ضموا إلى شفاهكم الأقلام وإلى قلوبكم الطروس! دعوها تنطق يأساً باسم قلعة بعلبك، ثم حطموها وإن كانت غالية، ومزقوها وإن كانت شطراً من الأرواح!
الزمان يتابع سيره ويل التربة تدوسها قدمه! هناك تتراكم الزلازل وتفيض البحار، هناك يشعر الإنسان بأنه عبد لحظات الأقدار، وأن عينيه لا ترفان من الكون غير سواد الليل واسوداد النهار. . .
مي
رسائل غرام
بين نساء شهيرات ورجال عظام
الرسالة الخامسة
من دورثي أوسبرن إلى السر وليم تمبل
(السر وليم تمبل من أشهر رجال السياسة الإنجليز نبغ في أواخر القرن السابع عشر وتقلب في عدة مناصب سامية. وكان في صباه قد علق بحب فتاة تدعى دورثي أوسبرن وهي من أسرة شريفة. وبعد أن قاسى الحبيبان الشدائد من أهلها تزوجا واعتزل السر وليم إلى موضع يعرف بحدائق شين ومور بضواحي لندن حيث قضى بقية حياته مع زوجته. وقد طبعت رسائلهما منذ ثماني سنوات في إنكلترا فكان لها وقع عظيم. والرسالة الآتية مأخوذة منها).
في رسالتك الأخيرة عبارة أضحكتني وأدهشتني معاً. قلت إنك لم تكتب إلي في الأسبوع الفائت لأنه لم يكن لديك أخبار تستحق الاهتمام.
فهل فاتك أن الخبر الوحيد الذي يهمني هو أن تقول لي أنك لا تزال تحبني؟ أليس مثل هذا القول أطرب الأقوال إليك وأوقعها في مسامعك؟ وما الذي يهمنا من سقوط العروش واندثار الممالك ما دمنا ثملين بخمرة الحب متمتعين بأحلام الغرام؟
تسألني هل أحب السكنى في الشرق. وقد قلت لك مراراً أن العالم كله أضيق من أن يسعني إذا لم يكن لي موضع في قلبك. فطالما أنا مقيمة فيه فلا يهمني أين أسند رأسي، سواءٌ في صحارى أفريقيا أو مجاهل سيبيريا أو أحراج الهند. وما دمنا معاً فالعالم كله فردوس زاهر وأيام الحياة كلها ربيع مستمر.
لعلك نسيت وقفتنا الأخيرة في مثل هذا اليوم من السنة الماضية وكنت قد علمت يومئذ بان أهلك يمانعون في قراننا فقلت لك أن حبنا إما أن يكون عقاباً على سيئة اقترفناها أو جزاءً لحسنة أتيناها. أما سيئاتي فكثيرة وأما الحسنات فلا أعرف لنفسي واحدة منها.
تلومني لأنني لا أنفك ملازمة لغرفتي. أو ليست سعادتي العظمى أن أعتزل عن الجميع وأخلو بنفسي لكي أتمتع بمناجاتك ولو عن بعد وأعلل نفسي بأحلام الغرام. وإذا كانت هذه سعادتي فلماذا تحاول أن تنزعها مني وتطلب إلي أن أفعل ما يشغلني عن مناجاتك أيها
الحبيب؟
إنني أتمنى أن أراك سعيداً يا وليم سواء قدر لي أن أكون زوجتك أو لم يقدر. لأن سعادتي مستمدة منك كما يستمد القمر نوره من نور الشمس. فإذا كنت أنت سعيداً كنت أنا أيضاً سعيدة. لذلك أنا
أحبك أيها الملاك الحارس. أحبك أيها المعبود الكريم. بل إن حبي لك هو العبادة بعينها لأنني لا أشعر بفرح إلا وأنت ينبوعه ولا أعرف سعادة إلا وأنت مصدرها. وكلما تمثلت نفسي منحنية على صدرك أنتفض كأن مجرى كهربائياً يتخلل أحشائي فتسرع نبضات قلبي وأكاد أركع أمام خيالك كما يركع العابد أمام معبوده. ولا أخال السماء حسبها لي ذلة أن أركع أمام أحد ملائكتها. وما كان الله ليخلقك كاملاً لولا أنه غفور يتجاوز عن فتاة مثلي تنساه قليلاً لكي تعبدك.
لست أخشى العثرات التي في سبيلنا يا وليم مادام قلبك مخلصاً لي ولا أعلم قوة بشرية تستطيع التفريق بيننا إذا كنا مخلصين في الحب. أما أنا فإنني أشعر بعزم يثبت أمام الأنواء، ولا تؤثر فيه العواصف وكلما نظرت إلى صورتك أشعر بقوة كالقوة التي يستمدها البوذي من صمنه المقدس.
هو ذا الأيام طويلة مملة. وكلما غابت الشمس أتنفس الصعداء وأقول ها قد انطوت صفحة أخرى من سفر هذا الفراق فلننتظر ما يأتي به الغد. ولكن الغد ممل طويل كاليوم والحياة كلها فراغ لا يملأه إلا انت. وجمال الطبيعة إنما يزيد في ثورة عواطفي لأنني أشتاق أن أراك يا وليم. أشتاق أن أراك لنتمتع كلانا بربيع الحياة. أشتاق أن أراك لأرى ماذا فعل الزمان بفؤادي الذي ائتمنتك عليه. فإن كان الله قد قدر لنا العذاب في الحب فما أعذبه في النفس وما أحلاه في الفؤاد - الفؤاد الرازح تحت ثقل الهموم.
يقولون إن الزمان هو الطبيب الشافي من داء الحب. ولقد مر على حبنا ثلاثة أعوام نما في خلالها وتأصل. وأهلك يزعمون أن طول الفراق ينسيك غرامك القديم. ولقد فاتهم أن من الحب ما يزيده الفراق قوة، وأن الزمان أن ألقى بيننا حجاباً فإلى أجل محدود لا يتجاوز القبر. وأما بعد القبر.
رحم الله أيامنا في رشموند كم دفنا فيها أماني غرام! إذا أفسح الله في أجلي فسأحج إلى تلك الصفصافة التي كنا نجلس تحتها عند الإمساء. ترى إلى أين تمتد بنا فسحة الفراق؟ أإلى
القبر؟ لا بأس - بشرط أن تفتح الأبدية أحضانها وتضمنا معاً. هناك حيث ينقطع كل صوت وتبطل كل حركة. هناك حيث لا تسمع إلا حفيف الأجنحة وهمس الملائكة هناك حيث لا سعادة إلا سعادة الحب ولا نشيد إلا نشيد الحب ولا خلود إلا لمن يعرف الحب.
هب أنهم منعوني عن أن أكون زوجة لك في هذه الحياة. فهل ينالنا أذاهم وراء القبر وهل تنتقل المظالم التي تجري تحت الشمس إلى ظلمة الأبدية فتزيد في كثافتها وتقضي على آمالنا؟ كلا يا وليم إن الآلهة أرحم من أن تقسى إلى هذا الحد. فإذا أخفقت آمالنا في هذه الحياة فأمامنا مجال الأبدية اللانهائية لها حيث نخلع أثوابنا الفانية ونحلق في فضائها الرحيب فنشاهد من علونا الشاهق ما يجري على هذه الأرض من الشرور الفظيعة. وأي شر أفظع من أن يقف الإنسان بين نفسين متحابين ليس لهما ذنب سوى أن الله أوجد في قلبيهما ميلاً متبادلاً وهو