الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أتستغربين أمر المطالبات بحقوق الانتخاب ومنك الزباء والخنساء وفيك القائلة: النار ولا العار، والحتف ولا الإقامة على الخسف.
في مجلس نواب أسوج سيدة تنوب عن جم غفير وعدد كثير من بني بجدتها وهي تعمل مع الرجل جنباً إلى جنب وسرعان ما يجري على أثرها آرام التايمز وغزلان السين.
فإلى الأمام يا ابنة قحطان، وإلى العلا يا ابنة عثمان، حلّقي في سماء هذا الوجود وانعمي نظرك في جناية يدك يتبدَّ لعينيك البون بين الفتاتين كما يتبدى الصبح لذي عينين، أرسلي من كنانة لحظيك سهماً يبقر بطن الجهل، واحملي عليه بما أوتيت من قوة الأسود وعظمة الآلهة حملة ترقص لها عجائز وائل وحينئذٍ قولي:
وإني وإن كنت الأخيرة عصرها
…
سآتي بما لم تأتِ قبلي الأوائل
بيت جالا (فلسطين)
إسكندر الخوري البيتجالي
حول تمدن المرأة العصرية
تابعت بمزيد الشغف المناقشة التي دارت على صفحات هذه المجلة الزاهرة بين هدى وأدما ونزول حسون إلى ميدان الجمل. وسرني كثيراً طرق هذا الموضوع العمراني الجليل لما فيه من الفائدة العائدة على الجنسين ولو كابر الرجال وادّعوا أنهم بغنى عن الإصلاح لإدراكهم آخر درجات الكمال. أكبرتُ الشجاعة الأدبية التي أبدتها هدى في نقد
أخواتها، وأعجبتني الحمية التي أظهرتها أدما في الانتصار لهنَّ، وقلت إن كلاهما ترمي إلى الإصلاح وإن اختلفت الطريق. وسرّني في بداية الأمر إقدام حسون وإن كانت ساءتني فيما بعد مغالطاته وانتقاله من العموميات إلى الخصوصيات. وإنّ في سكوت هدى وإحجامها عن الردّ لأكبر دليل على موافقتها لي فيما أقول.
يطول بي المجال لو أردت تفنيد مزاعم حسون. وأنا أسلّم معهُ أن في النظريات الصرفة بعض الصعوبة فليسمح لي أيضاً أن أكتفي بإيراد حكايتي مع زوجي - كما أورد لنا حكايته مع زوجته، وهو - كما يقول - بحثٌ واقعي، لا يحتاج إلى فلسفة، وليقل لي إذا لم تكن حكايتي هي حكاية معظم الفتيات مع الفتيان يا طير والأمثال تُضرب للبيب الأمثلِ. . . .
لما كنت فتاة عزباء - وقد مضى على ذلك زمن ليس باليسير - كنت أحسبني لا أتزوج أبداً لأسباب يطول ذكرها - أهمها خوفي من شبان العصر وما آلت إليه حالهم وأميالهم.
زارنا في أحد الأيام شابٌ فأعجب والدي ما ظهر عليه من الرزانة والرصانة. وأكثر الترداد إلى بيتنا وهو دائماً بمظهر الكمال والسكينة. فكان إذا دعوناه إلى الطعام وقدمنا له كأساً من المقبلاتً التي تؤخذ قبل الأكل، تمنع وأظهر كرهه لكل ما يشتم منه رائحة المسكر. وإذا قضى عندنا سهرته وعرضنا عليه أن يشاركنا في إحدى تلك اللعبات البسيطة التي تتداولها العائلات وليس فيها ما يؤاخذ عليه، رفض لميله مبدئياً عن
كل ما يشبه الميسر والمقامرة. وهذا وأهلي يزيدون إعجاباً به، وانتهى الأمر بأن فاتحهم بميله إلى فتاتهم ورغبته في الاقتران بها. فأجابوه بطيبة خاطر وأكد أنه لا يريد شيئاً من دوطتي (أو مهري) بل إن هذا المال يبقى لي ولمن نرزق من الأولاد. وكان نصيبٌ، وكان اقتران وكان شهر عسلٍ وانقضى، ويا ليته ما ابتدا. . . .
أعددت الطعام في إحدى الليالي وبت منتظرة قدوم شريك الحياة الساعة والساعتين، إلى أن سمعت كرَّة عربةٍ فأسرعتُ إلى فتح الباب وقابلت الزوج بالابتسامة المعتادة، فقابلني بوجهٍ
عبوس، فقلت: أشغلتَ بالي أيها العزيز بتأخيرك غير المعتاد.
فأجاب ببرودة:
- لا لزوم إلى انشغال البال، فإن هذا التأخير من عاداتي حيث أكون في الكلوب مع أصحابي. . .
ولم ألبث أن رأيت العادة راسخة. لأنني كنتُ أقضي معظم الليل وحيدة وهو بين السركل والكلوب والنادي، ولا يعرف باب البيت إلا عند بزوغ الفجر. وكان في بداية الأمر يدّعي أنه مضطرٌ إلى ارتياد هذه المحلات لمقابلة أناس ذوي شأن تهمه مقابلتهم. ثم لم يعد يرى ما يدعو إلى التستر فكان يجاهر بانشغاله عني بالبوكر والبريدج والبكارا.
- ولكنك، وأنت خطيبي، كنت تكره حتى اللعبات العائلية فما حملك الآن. . .؟
- أنا اكره ما أريد وأحب ما أريد، فليس هذا من شأنك.
فسكت وقيدت الأولى. . . .
هذا وهو يتمادى في هذه العيشة الطائشة ولا يترك طاولة اللعب إلا لطاولة الشرب فيجيئني وقد تخدر دماغه، وتشنجت أعصابه من الوسكي المعززة بالكونياك المدعوم بالابسنت.
- عهدتك تكره كل ما يشتم منه رائحة المسكر فما. . .
- أكره وأحب على ذوقي. وأنت تعرفين طريق بيت أبيك. . .
فسكت وفي القلب غصة، وفي العين دمعة وقلت: قيدنا الثانية.
لا أحب إطالة الحديث لأن هذه الذكرى تؤلمني.
أخذ يعرض عني تماماً لميه عن بساطة الزوجة إلى تبرُّج الغانيات، أنهكه السهر، وهدّ قواه الكحول، فأهمل شغله وصار يقضي نهاره بالراحة وليله بالملذات، فمدّ يده إلى دوطتي ثم إلى مصاغي، فذهب كل شيء على طاولتي اللعب والشرب، وأنا صابرة خشية العار والفضيحة.
قصتي هي قصة معظم الزوجات حتى أصبح الإسهاب فيها من باب الابتذال فأكتفي بما تقدم.
حكاية بحكاية يا حسون فعساك أن تعرض بعد الآن عن سرد الحكايات، وإلا خرجت من هذا الموضوع منتوف الريش مهشم الجناح. . . غرّد ما شئت وزقزق ما أردت، فقد تحسنُ
التغريد والزقزقة، ولكن دع عنك محاولة درس قلب النساء، فقلب النساء لا يعرفه إلا من كوَّنه وهو وحده يعلم ما يقاسي هذا القلب من الظلم والعذاب.
- سلمى
2
وجاءنا أيضاً ردُّ من سيدة فاضلة جمعت بين أنفة البدويات ولطف الحضريات إذ قضت شطراً من صباها في قبائل العرب الرحَّل بين الجياد والرماح، ثم انتقلت إلى منازل الحضر تزّين مجتمعاتهم بظرفها وأدبها. فأكرم بسيدة تهزُّ في آن واحد السيف والقلم وكلاهما في يدها ماضٍ قاطع. وإليك ما كتبته:
قرأتُ مقالة حسون أفندي للدرجة في الجزء الثاني من الزهور رداً على مقالة الآنسة أدما فعنَّ لي أن أكتب كلمة في الموضوع وإن كنت أفضل حمل المغزل على حمل اليراع.
لا أنكر ما في مقالة حسون من خفة الروح، ويعجبني ما يحتاط به لنفسه قبل طرق موضوعه من المقدمات والملاحظات. وجرياً على ذلك أطلب إليه أن لا تأخذه الحدة مما سأقول لأني أميل إلى بعض الخشونة الطبيعية مني إلى الرقة المصطنعة والمجاملات المصطلح عليها. وعليه فأؤكد له أنه لا يرى أبرّ مني في نصحه ولا أخلص في ردعه.
حكايتك مع زوجتك مدهشة لعمر الحق. وأنا أشك كثيراً في أنك متزوجٌ حقيقة، لأنه لو كان كذلك لما وصف المرأة بما وصفتها به إذ جردتها عن كل ما يسمى قلباً. ولكن أسلم معك جدلاً أن حكايتك واقعية وأنها حقيقية كما رويت ووصفت. فأقول حينئذ أن هذا لا يفيد موضوعك شيئاً ولا يكسبك برهاناً يعوّل عليه. لأننا نكاد لا نجد امرأة واحدة في الألف تشابه امرأتك هذه الغريبة الأطوار. ثم أننا نرى من جهة ثانية أن كل الذنب عليك لأنه كان بإمكانك مدة
خطبتك لها أن تتحقق من أميالها وأخلاقها. ذكرت إعراضها عن العربية لغة قومك وكان يسعك أن تعرف ذلك قبل الزواج من حديثك لها ومكاتبتك إياها. آخذتها بشغفها بالأزياء، وهذا أمرٌ كان من السهل أيضاً الاطلاع عليه من ملابس خطيبتك وطريقة تزييها. أوردت تمنينها لك بالمولود، وهذا يدل على سخافةٍ في عقلها كان بوسعك أن تعرفها من جلسة واحدة فضلاً عن معاشرتك لها - كما تقول - وأنت خطيبها. وهكذا قل عن سائر ما أوردت من المآخذ والمغامز. فلا لوم إذن إلا على نفسك. وهب إن عين الحب عمياء وأنك
غفلت عن أمورٍ كان يجب أن لا تغفل عنها، فإن أمثال من وصفت من النساء كثيرٌ بين الرجال. فإذا كانت المرأة عادةً تخصم 30 في المئة من عمرها فكم يخصم الرجل الذي يخضب شعره لتسويد شبيبته؟
قبيح بكم معشر الرجال أن تحملوا هكذا حملة على النساء. والمرأة أول ما وقع عليه نظركم في هذا العالم وهي التي أرضعتكم وسهرت عليكم الليالي الطوال وهزت مهدكم وصانتكم بحنانها وبلّغتكم ما بلغتم من الرقي. وأنتم تسومونها عذاباً وأختاً وزوجة.
وعلى كل فإن امرأتك يا حسون درّة ثمينة وكل ما عددته لها من الذنوب لا يذكر، لأنك شهَّرت بها وهتكت حرمتها وهي لا تزال بك مغتبطة وعنك راضية.
سردت لنا حكايتك معها ولو أتيح لها أن تقص لنا حكايتها معك لسمعنا مثل شكواك وأكثر - على ما أظن - وأنا أعتذر بما ألفته من