الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أزهار وأشواك
كل عام وأنتم بخير
بهذه العبارة، أو بعبارة أخرى تشبهها معنى وإن خالفتها مبنى، يتقابل الأصدقاء والأقارب في هذه الشهر شهر المواسم والأعياد من رأس السنة الهجرية فعيد الميلاد فرأس السنة الغربية فالشرقية. وبكلمات التبريك وتمنيات الهناء والتوفيق تصافح كل من تجمعك به صلة رحم أو رابطة صداقة أو علاقة عمل. . . تبريكات وتمنيات كثيراً ما لا تشترك القلوب مع الشفاه في التلفظ بها؛ على انها من المصطلحات التي جرى عليها بنو الإنسان في معيشتهم الاجتماعية. ومهما يكن قد أفقدها الابتذال من رونقها الأصلي ومعناها الوضعي، فإنها لا تزال تدل على عاطفة جميلة، وهي تناسي الضغائن والأحقاد التي تولدها المنازعات اليومية بين الناس فيم عترك تنازع البقاء. وكلما زاد هذا التنازع شدة، زاد شعور بني البشر بالحاجة إلى أيام تتبدد فيها من جوهم غيوم المشاحنات وتشرق شمس البشر والسلام. . . أقف عند هذا الحد لأني لا أريد أن أعكر على قرائي صفاءهم بمطرة من الفلسفة الاجتماعية. ولكني أقول لهم من صميم الفؤاد لا من الشفاه فقط: كل عام وأنتم بخير شاكراً الذين أرسلوا تهانيهم إلى صديقهم حاصد على حسن التفاتهم، سائلاً للجميع خير ما يسأل في هذه الأعياد للأصدقاء المخلصين، وكلنا في حاجةٍ إلى أشياء
كثيرة، لأن العام المنصرم قد حرمنا من كثير مما كنا نتمناه، حتى بات كل من تلقاه يشكو عامه. . . طوينا صفحة السنة الماضية وعرفنا رصيد حسناتها وسيئاتها. أما نعم ونقم السنة الجديدة فلا تزال في عالم الغيب.
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله
…
ولكنني عن علم ما في غد عمي
جلاد مصر
بانقضاء السنة انقضت حياة رجل ولا كالرجال، وانصرم حبل أيام من صرّم الكثير من الآجل، بشد الحبال. . . مات العشماوي الجلاد باشمحرك الآلة الشانقة أو محتكر صنف الإعدام رسمياً في وادي النيل. توفي فتنفس المجرمون الصعداء، وهبت أشباح الذين شيعهم إلى عالم الفناء ترحب بقدومه. . . حمل على الآلة الحدباء إلى القبر، بعد أن ظل السنين الطوال يحمل آلة الإعدام من بلد إلى بلد، حيث يدعوه حكم القضاء، فكان:
يمشي وعزرائيل من خلفه
…
مشمر الأردان للقبض
وقد اختلف الرواة في وصف أخلاقه، فمنهم من يمثل العشماوي قاسياً فظاً غليظاً ينفذ مأموريته دون أن تمس قلبه عاطفة شفقة، ومنهم من يقول غير ذلك. أما أنا فلم أتشرف - والحمد لله - بمعرفته ولا حاولت أن أصير من زبائنه، حتى أكون راوية صدق. . . كانت الحكومة تنقد العشماوي راتباً شهرياً مقرراً، قدره أربعة جنيهات، وكان يتقاضى عن كل مشنوق يشرفه بوضع الكرافاته في عنقه خمسة جنيهات أخرى.
فإذا عرفت أنه قضى 15 سنة في هذه المهنة وأنه شنق 576 مجرماً تعرف أن المبلغ الذي حصله من شد الحبال حول الأعناق لا ينقص عن 3. 600 جنيه أي بمعدل 20 جنيهاً في الشهر. . . تجارة رابحة والله، ولكني أفضل على ذلك الذهب الوهاج المكتسب من شق المهج بضعة دراهم اكسبها من شق القصبة بعد جهاد النفس.
حاصد