الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في حدائق العرب
الحرب
الحرب رحى ثفالها الصبر، وقطبها المكر، ومدارها الاجتهاد، ونفاقها الأناة، وزمامها الحذر. ولكل شيء من هذه ثمرة: فثمرة الصبر التأييد، وثمرة المكر الظفر، وثمرة الاجتهاد التوفيق، وثمرة الأناة اليمن، وثمرة الحذر السلامة. ولكل مقام مقال، ولكل زمان رجال، والحرب بين الناس سجال، والرأي فيها أبلغ من القتال.
قال عمر بن الخطاب لعمرو بن معدي كرب: صف لنا الحرب قال: مرة المذاق إذا كشفت عن ساق، من صبر فيها عرف، ومن نكل عنها تلف، ثم أنشأ يقول:
الحرب أول ما تكون فتية
…
تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا حميت وشب ضرامها
…
عادت عجوزاً غير ذات حليل
شمطاء جزت رأسها وتنكرت
…
مكروهة للشم والتقبيل
وقال عنترة الفوارس: أول الحرب شكوى، وأوسطها نجوى، وآخرها بلوى.
وقال نصر بن سيار، صاحب خراسان، يصف مبتدأ الحرب:
أرى خلل الرماد وميض نار
…
ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعودين تذكى
…
وإن الحرب أولها كلام
والعرب تقول: الحرب غشوم، لأنها تنال غير الجاني
ومن أقوالهم: الشجاعة وقاية، والجبن مقتلة.
وقال هشام بن عبد الملك لأخيه مسلمة: هل دخلك ذعر قط لحرب أو عدو؟ - قال: ما سلمت من ذعر نبهني إلى حيلة، ولم يغشني ذعر سلبني رأيي. - قال هشام: هذه والله البسالة.
وكان يزيد بن المهلب يتمثل كثيراً في الحرب بقول حصين بن الحمام:
تأخرت استبقي الحياة فلم أجد
…
لنفسي حياة مثل أن أتقدما
وقال المهلب لبيته: عليكم بالمكيدة في الحرب، فإنها أبلغ من النجدة.
وسئل أهل التمرين بالحرب: أي المكايد فيها أحزم؟ - قال: إذكاء العيون، وإفشاء الغلبة، واستطلاع الأخبار، وإظهار السرور، وأمانة الفرق، والاحتراس من المكايد الباطنة من
غير استقصار لمستنصح ولا استناد لمستفش، وإشغال الناس عما هم فيه من الحرب بغيره.
وكان قتيبة بن مسلم يقول لأصحابه: إذا غزوتم فأطيلوا الأظفار وقصوا الشعر، والحظوا الناس شزراً وكلموهم رمزاً واطعنوهم وخزاً.
وكان أبو مسلم يقول لوقاده: أشعروا قلوبكم الجرأة، فإنها من أسباب الظفر. وأكثروا ذكر الضغائن فإنها تعبث على الإقدام، والزموا الطاعة فإنها حصن المحارب.
وكانوا يتمادحون بالموت قطعاً، ويتهاجون بالموت على الفراش، ويقولون فيه: مات فلان حتف أنفه. ولما بلغ عبد الله بن الزبير مقتل أخيه قال: إن يقتل فقد قتل أبوه وأخوه وعمه، إنا والله لا نموت حتفاً ولكن قطعاً بأطراف الرماح وموتاً تحت ظلال السيوف، ومن ذلك قول السموأل: وما مات منا سيد حتف أنفه.