الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظرة إشراف عام
على ديار نجد
وكان أول أهل نجد ورؤسائهم: آل علي ثم انتقلت إلى طلاق فبندر فمحمد الرشيد فعبد العزيز ثم إلى ابنه متعب ثم إلى خال متعب سلطان ثم إلى سعود أخي سلطان ثم إلى سعود بن عبد العزيز خي متعب. ولهؤلاء في ذلك قصة تاريخية عجيبة طويلة لا يسع المقام ذكرها.
ولما دالت إمارة آل السعود وافق آخرها نمو إمارة محمد الرشيد فانتقلت أكثر الكتب إلى حائل. وأنت تعلم أن لا صناعة ولا تجارة لأهل حائل إلا الغزو لا غير. ومع ذلك فتراهم قد سبقوا غيرهم في العلوم العصرية وذلك لاختلاف كبرائهم إلى الأستانة ومصر والحجاز أيام السلطان عبد الحميد المخلوع فأصبح البعض منهم يعرف اللسان التركي والفارسي.
وترى في بلادهم اليوم الكتب العربية القديمة النادرة الثمينة التي لا ترى لها وجوداً في سائر البلاد العربية وأغلبها غير مطبوع. وتؤانس جماعة منهم تطالع الصحف السيارة والمجلات الموقوتة. وأهل هذه الديار متنورون أكثر من غيرهم من أهل تلك الأقطار في العلوم العصرية وأوسع اطلاعاً في الأمور السياسية. ولهم ميل شديد إلى الحكومة العثمانية، وهذا الميل أشد ظهوراً فيهم ممن سواهم. لكن الحكومة لا تزال في ريب من أمر العرب وإحجام عنهم. وعلى ما أرى: إنها تود أن تكون في
غنى عن نصرتهم. ولعلها تخاف من أنهم إذا تمدنوا قلبوا لها ظهر المجن وعادوا إلى مجدهم السابق. وهذا كله من التخيلات السياسية ومن الأوهام التي لم تدر في خلد العرب.
ولما أتيت بغداد ورأيت الحالة الحاضرة أبديت ما أوجبته علي الوطنية العثمانية والعربية للطرفين المتقابلين المتصلين بجامعة الدين وشرحت ذلك بسلسلة مقالات بسطتها في جريدتي الرياض وبينت للعرب ما ينجم من الفوائد الجمة إذا انضموا إلى أبناء آل عثمان وصاروا يداً واحدة على الأعداء. ولقد أثر كلامي هذا في أبناء وطني تأثيراً عظيماً كان ذا نتيجة تذكر لكن ذهب هذا كله أدراج الرياح لما رأوا أن الدولة العثمانية لا تعيرهم أذناً مصغية ولا أحلاماً واعية. فلعل الزمان يحسن النيات في أبناء عثمان فيجني هؤلاء في بضع سنين ما لم يجنوه بحذرهم مدة سنوات متطاولة.
هذا فضلاً عما شرحت للحكومة مما يجب أن تتخذه من الاحتياطات اللازمة لمنع دخول الأسلحة إلى بلاد العرب. وذكرت لها الوسائط الحسنى للبلوغ إلى تمدن صادق وأرسلته إلى أحد مبعوثي العراق. وبعد أن قرئ في المجلس حول إلى النظارة. ولا أدري بعد هذا ما جرى بع. ولعله ضاع أو احترق مع جملة الأوراق التي ذهبت في إحدى حرائق الأستانة في هذه الأيام الأخيرة.
أما ميلهم إلى العلوم الأدبية كالشعر والنحو وعلوم الآلة والسياسة والاجتماع فمما تظهر منافعه عن قريب إذا ما تحسنت الأحوال وتوفرت وسائط النقل والانتقال بعد أمد غير بعيد بمنه تعالى وكرمه.
3 -
القصيم - البحث في علوم وآداب أهالي القصيم يتناول البلدتين المذكورتين اللتين تتقوم منهما فأهل هذه البلاد ليسوا كأهل الديار الأخرى. فلقد دخلوا بتجارتهم البلاد الكثرة من الأصقاع المتمدنة كالهند ومصر والشام ولندن ومدن أمريكا. وتجد بعضهم قد توطن تلك الربوع كما احتل بلاد العراق كبيرها وصغيرها. ولقد تقدموا في التجارة أحسن من غيرهم بكثيرة. وكذلك قل في العلوم على مختلف أنواعها وتشعب أفنانها. كل ذلك في البلاد المختلفة المذكورة كما في ديار قطرهم الواسع. فإنك لا تسير إلى بلدٍ إلا وتجد فيه منهم نفراً يتعاطى الأمور التجارية غير مغفل العلوم المعروفة في تلك البلدة. ولهذا إذا تيسر لك فدخلت بلادهم ترى فيهم هذا يكلمك بالتركية، وذاك يطارحك الكلام بالفارسية، وتسمع واحداً يذاكرك بالهندية، ويقبل إليك آخر بالإيطالية، ويقترب منك صديق محب يخاطبك بالفرنسوية إلى غير هذه اللغات من أردوية وتامولية وإنكليزية.
أما التاريخ فهم يعتنون به أشد الاعتناء. وكذلك يزاولون علوم الاجتماع والسياسة مزاولة تفوق معالجة سواهم لها. وهنا نختصر القول زائدين على ما تقدم ذكره عن الإمارتين الأوليين بخصوص العلوم والمعارف انه لا يوجد في تلك الربوع مدارس أو مكاتب على ما نشاهده في البلاد الأخرى المتمدنة من ابتدائية ورشدية وكلية وجامعة. أما مدارسهم فهي مدارس خاصة بهم تشمل جميع المطالب وتجمع في ردهاتها كل طالب على السواء. فالتلميذ يأخذ أي كتاب كان أو أي كتاب أراد قراءته ثم يحضر
المدرسة ويقرأه على المعلم الموجود فيها بدون أن ينتظم في سلك حلقة لتلقي العلم معاً من الأستاذ في وقت محدود كما
هو الأمر الجاري في المكاتب العصرية المنتظمة.
وبيوت أكثرهم ليست إلا مدارس وأندية علم، إذ ترى فيهم من ينضم إلى رفيق ثانٍ له او إلى ثالث أو أكثر حسبما يتفقون عليه فيجتمعون في بيت واحد منهم. أو أنهم يجتمعون في كل يوم في بيت غير البيت الأول بل في بيت الرفيق على التوالي فيتدارسون في الكتب التي وقعت بأيديهم وهكذا يفعلون حتى النهاية على ما كان جارياً في سالف الزمن في أنديتهم ومجالسهم ومجتمعاتهم.
6 -
أخلاق أهلها - أخلاقهم وهي أخلاق العرب الأقدمين العزيزي النفس المتوقدي الذهن الأذكياء الأباة أخلاق لم تغيرها الحوادث والزمان فهم اليوم أهل كرم وشجاعة ووفاء وسماحة وحماسة وسيرتهم توافق قوانينهم وتنطبق عليها أتم الانطباق ولا تحيد عن الكتاب والسنة فهم يجلونها أعظم الإجلال ولا يتعبرون سواهما. نعم يوجد بين القبائل من يجري على قوانين وسنن وشرائع راجعة إليهم وخاصة بهم يقومون لها ويقعدون لكن إذا جاؤوا المدن رجعوا إلى الشرع الشريف في أمورهم وشؤونهم الاجتماعية. هذا فضلاً عن أن لهذه السنن من المزايا والمحاسن ما تفيد كل الإفادة تلك الأقوام في هاتيك الربوع ولولا ضيق المقام لأتينا على ذكر بعض منها إظهاراً لمنافعها ولما أودعتها من الحكمة البعيدة المرمى والمبنى والمعنى.
7 -
تجارتهم - التجارة التي يتعاطاها أهل تلك الأرجاء هي الخيل والإبل وكلاهما من أحسن ما وجد من جنسيهما في الدنيا كلها جمعاء. ولعلنا نعقد يوماً فصلاً نذكر فيه ما يجب الوقوف عليه ف هذا البحث. والتمر وأنواعه كثيرة وأسماؤه في تلك الأسماء القديمة لم تتغير وهذا يفيدنا في تصحيح بعض الألفاظ الواردة في هذا المعنى. والسمن واسمه عندهم الدهن كما يسميه العراقيون. والصوف والوبر، ويذهبون بكل صنف من هذه الأصناف إلى حيث يكون رواجه. فيذهب بالخيل مثلاً إلى بلاد الهند. وأغلب أصائل هذه الأنجاء من نجد. وينقلون الإبل إلى مصر والشام. ويحملون التمر إلى الحجاز. ويبيعون الدهن أو السمن في البصرة والكويت والحجاز حسب الوقت الذي يوافق نقله أو يصادف تصريفه وإنفاقه في موطن دون الموطن الآخر الذي رخص فيه. وهذا هو سر أسفارهم المترامية وتغربهم عن أقطارهم العزيزة. ولهم في ذلك من الصبر والجلد ما لا تراه في أقوام آخرين.
فإنك ترى الواحد منهم يقيم نائياً على مسقط رأسه ثلاثين حولاً مثلاً ولا يتأفف من حالته البتة. وهم أهل سعي وكد وجد لا تعيقهم الأخطار الشديدة ولا الأهوال الهائلة عن الوصول إلى ما به منفعتهم. أفبعد هذا تتعجب من كون كثيرين منهم وصلوا إلى لندن وأمريكا والديار النائية. فلقد يقضي واحدهم الأيام الطوال والأعوام الكثار بدون أن يلتفت إلى وطنه.
8 -
زراعتهم - اغلب زراعتهم متوقفة على الحنطة والشعير والذرة (الأذرة أو الأدرة) والسمسم والدخن ويزرعون كل هذه الحبوب بقدر
حاجتهم إليها. وإذا حبست السماء ماءها عنهم اضطروا إلى جلب ما يحتاجون إليه من البلاد الأخرى كالكويت والبصرة والسماوة وغيرها. ولقد كانت الزراعة تتقدم عندهم تقدماً عظيماً لولا أمران أحدهما جور الحكام، والثاني قلة المياه. ولقد حاولوا مراراً استنباط المياه بالآلات المختلفة أو حفر الآبار الارتوازية فلم يتيسر لهم ذلك لصعوبة الطرق ووعورتها بحيث لا تستطيع العجلات السير فيها. وأما إذا قلت: فهناك جمال تضطلع بحملها. قلنا: تضطلع بحمل بعضها لا بكلها لأنه يوجد آلات ثقيلة غاية الثقل لا يحملها البعير الواحد بل ولا البعيران أو الثلاثة ومن ثم أصبح نقلها من البعيد التحقيق. ولولا ذلك لأصبحوا في غنى عن الديار الأخرى في كل أين وآن. بل لزادت حاصلاتهم على نفقتهم ولربحوا من التجارة بما فضل عندهم أموالاً طائلة تأتيهم من البلاد التي ينفقون اليوم فيها أموالهم للحصول على ما يحتاجون إليه.
9 -
الصناعة عندهم - ليس لهم من الصنائع إلا ما لغيرهم من مجاوريهم أهل الكويت والبصرى كالنجارة والحدادة والسكافة والخياطة وما ضاهى هذه المهن. ومهارتهم في صناعة الأسلحة غريبة فإنهم وإن كانوا أخلاء من جميع الوسائل الميسرة لهذه الغاية فإنك تراهم يصلحون ما يقع من أنواع الخلل ببنادق ماوزر ومرتيني. واغرب من هذا أنهم يفرغون المدافع إفراغاً محكماً ويحسنون التصرف بالمدافع الجديدة الطراز حتى أنك تخالهم أنهم تلقوا علم المدافع عن أصحابه المهرة. وإذا وقع في هذه الآلات خلل أصلحوه على أقوم وجه. ومع كل هذه البراعة والتفنن لا تشاهد
في أيديهم أدوات تامة العدد كما ترى في البلاد الراقية في المدنية. وعندي انه لو وجد في حوزتهم آلات تساعدهم على تحقيق أمنيتهم لبرزوا في الصناعات على من سواهم ولأتوا بكل عجاب. وأوقفك الآن على اغرب
من هذا كله: إنهم يتحررون المباحث العلمية الدقيقة ويتتبعون الاكتشافات الحديثة كالكهرباء والسلك الجوي وبعض الآلات البرقية وما ضاهى هذه الموضوعات الجديدة. وأعهد واحداً في القصيم يضيء محله بالنور الكهربائي الذي هو من صنع يديه وقد ركب الأجزاء التي يتولد منه بإعمال فكرته. وإذا كانوا لا يحققون دائماً ما يعقدون النية عليه فهو لأنهم في شغل شاغل عنه بما يقومون به من أمر المعيشة وتطلبها في الأقطار النائية.
10 -
ديانتهم - بقي علينا إيراد أمر الديانة ولاعتقاد عندهم. فقد أسلفت وقلت إنهم يعتمدون على الكتاب (القرآن) والسنة (وهي الصحيح عن رسوم الله صلى الله عليه وسلم) ولدي بحث جليل في هذا الموضوع وهو لا يخلو من فائدة لمن يريد تتبع الحقائق على وجهها الصادق الصحيح واستقراء ثوابت الأمور. ولعلي أعود إلى هذا المجال في فرصة أخرى.
11 -
هواء البلاد - لا تكاد تلفظ كلمة نجد إلا وتتصور هذه البلاد تحت عينيك ويهب عليك نسيمها ويتلاعب أمامك هواؤها الطيب الجاف لأن معنى نجد ما أشرف من الأرض وارتفع واستوى وصلب وغلظ. . . ولا يكون النجد إلا قفاً أو صلابة من الأرض في ارتفاع مثل
الجبل معترضاً بين يديك يرد طرفك عما وراءه. . . (عن التاج) - والهواء في منتهى الحرارة وقد تبلغ في الظل في بعض المواطن 52 درجة بالميزان المئوي. وعند الصباح يهب نسيم طيب لذيذ في الصيف وإذا تكبدت الشمس السماء انقطع الهواء في شهر تموز وآب وأيلول حتى يكاد الإنسان يموت اختناقاً إلا أنه لجفافه لا يؤثر كثيراً في الصحة. ويضطر من يسكن تلك الديار إلى اتخاذ المآكل الخفيفة الهضم والانقطاع عن المسكرات والامتناع عن الأطعمة المطبوخة باللحوم الثقيلة.
12 -
تأثير الهواء في السكان - أعلم أن اغلب الأمراض تتولد هناك من الكبد لشدة الحر. ومن مؤثرات الحر على أهل البلاد أن أغلبهم ضعاف نحاف سمر الألوان طوال القامة إلا أنهم أقوياء يحتملون الجوع والعطش والحر إلى درجة لا تكاد تراها في سواهم. وهم عصبيو البنية ذوو عزم شديد ومضاء بعيد إذا قصدوا شيئاً لا يرجعون عنه ولو كلفهم كرب الموت وإراقة الدماء وهم من بين جميع العرب سريعو تلقن العلوم والمعارف بل هم يتلقفونها تلقفاً لسرعة تناولهم إياها. وكذا قل عن الصنائع والفنون على اختلاف أنواعها وضروبها.
13 -
عدد السكان - ليس في بلد من بلاد العرب من يحصي عدد الأنفس. هذا فضلاً عن أن هذا العمل يعد عندهم مشؤوماً. إلا أن العارفين يقدرون أهل نجد بما ينيف على مليون نسمة.
14 -
نظرة وداع لبلاد نجد - يتضح لك مما أسلفنا ذكره أن بلاد نجد من أحسن بلاد جزيرة العرب تراباً وهواء. ولهذا قال ياقوت في
معجمه: لم يذكر الشعراء موضعاً أكثر مما ذكروا نجداً وتشوقوا إليها من الأعراب المتضمرة. من ذلك قول أعرابي:
حنيناً إلى أرض كأن ترابها
…
إذا أمطرت عود ومسك وعنبر
بلاد كأن الأقحوان بروضه
…
ونور الأقاحي وَشْيُ بُرْدٍ مُحَبَّرُ
أحن إلى أرض الحجاز وحاجتي
…
خيام بنجد دونها الطرف يقصر
وما نظري من نحو نجد بنافع
…
أجل لا ولكني إلى ذاك أنظر
أقي كل يوم نظرة ثم عبرة
…
لعينيك مجرى ماؤها يتحدر
متى يستريح القلب أما مجاوزٌ
…
بحرب وأما نازح يتذكر
وقال أعرابي آخر:
فيا حبذا نجد وطيب ترابه
…
إذا هضبته بالعشي هواضبه
وريح صبا نجد إذا ما تنسمت
…
ضحى أو سرت جنح الظلام جنائبه
بأجرع ممراع كأن رياحه
…
سحاب من الكافور والمسك شائبه
وأشهد لا أنساه ما عشت ساعة
…
وما انجاب ليل عن نهارٍ يعاقبه
ولا زال هذا القلب مسكن لوعة
…
بذكراه حتى يترك الماء شاربه
(بغداد)
ساتسنا
الإسباذ والكهونية - كتب إلينا مراسلنا البغدادي يقول: جاء في مقدمة الأستاذ الشرتوني (الزهور ص 62) تحمله (تابوت العهد) الإسباذ والكهونية والصحيح تحمله الأصيار أو الأسيار وهي جمع صِيْر أو سِير وهو أسقف اليهود أو حاخامهم الكبير. والكهونية صحيحها الكوهنية وهو جمع كوهن وهو الكاهن بلسان اليهود وقد ذكر هذه الرواية ابن خلدون فيم واضع كثيرة وهو لا يستعمل لفظة كاهن العربية. وبنو خمسان (ص 63) صحيحها بنو
حشمناي.