الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا نكون أعددنا للمستقبل رجالاً أقوياء جسماً ونفساً، فيكسبون أمتهم قوة مادية وقوة أدبية تدفعها إلى مقدمة الأمم الراقية.
قال ألفرد ده موسه، وهو ذلك الشاعر الطائر الصيت الذي رشف كأس الملذات حتى الثمالة: يا ويل من يدع الفساد يتملك فؤاده. فإن قلب الفتى أشبه بإناء عميق. فإذا كان أول ماء يسكب فيه فاسداً فإن كل مياه البحر لا تكفي لغسله لأن هذا الإناء بعيد القرار وشائبة الفساد في قعره.
فلنجتهد إذن ليكون أول ماء نسكبه في قلوب أطفالنا نقياً من كل دنس، مستخلصاً من أجمل زهور الفضائل.
إيماءة زائر
إلى بعض ما باورشليم من المآثر تابع
المسجد الأقصى نعم قلت إني لا أتعرض لوصف تلك الآثار، غير أن قلبي لا يسمح لي أن أذكر أورشليم وأعرض عن ذكر الحرم فإنه أبدع ما رأيت حتى اليوم وقد عثرت في تاريخ ابن خلدون على ما أظن أن السواد الأعظم من القراء لا يعرفونه وهذا نص قوله:
وأما بيت المقدس وهو المسجد الأقصى فكان أول أمره أيام الصابئة موضع الزهرة، وكانوا يقربون إليه الزيت فيما يقربونهُ يصبونهُ على الصخرة التي هناك. ثم دثر ذلك الهيكل وأتخذها بنو إسرائيل حين ملكوها قبلة لصلاتهم. وذلك أن
موسى صلوات الله عليه لما خرج ببني إسرائيل من مصر لتمليكهم بيت المقدس كما وعد الله أباهم إسرائيل وأباه إسحق من قبله وأقاموا بأرض التيه. أمره الله باتخاذ قبةٍ من خشب السنط عين بالوحي مقدارها وصفتها وهيا كلها وتماثيلها، وأن يكون فيها التابوت ومائدة بصحافها ومنارةً بقناديلها وأن يضع مذبحاً للقربان. وصف ذلك كلهُ في التوراة أكمل وصفٍ، فصنع القبة ووضع فيها تابوت العهد. وهو التابوت الذي فيه الألواح المصنوعة عوضاً عن الألواح المنزلة بالكلمات العشر لما تكسرت ووضع المذبح عندها. وعهد الله إلى موسى بأن يكون هرون صاحب القربان. ونصبوا تلك القبة بين خيامهم في التيه يصلون إليها ويتقربون في المذبح أمامها ويتعرضون للوحي عندها. ولما ملكوا الشام وبقيت تلك القبة قبلتهم ووضعوها على الصخرة ببيت المقدس وأراد داود عليه السلام بناء مسجده على الصخرة مكانها فلم يتم لهُ ذلك. وعهد به إلى ابنه سليمان فبناه لأربع سنين من ملكه ولخمسمائة سنة من وفاة موسى عليه السلام واتخذه عمده من الصفر وجعل به صرح الزجاج، وغشى أبوابهُ وحيطانهُ بالذهب، وصاغ هيا كلهُ وتماثيله وأوعيتهُ ومنارتهُ ومفتاحه من الذهب، وجعل في ظهره قبراً ليضع فيه تابوت العهد وهو التابوت الذي فيه الألواح وجاء به من صهيون بلد أبيه تحمله الأسباذ والكهونية (كذا في الأصل) حتى وضعه في القبر. ووُضعت القبة والأوعية والمذبح كل واحد حيث أعد له من المسجد وأقام كذلك مما شاء الله ثم خربهُ بختنصر بعد ثمانمائة سنة من بنائه وأحرق التوراة والعصا، وصاغ الهياكل ونثر الأحجار. ثم لما أعادهم ملوك الفرس بناه عزير نبي بني إسرائيل لعهده بإعانة بهمن ملك الفرس
الذي كانت الولاية لبني إسرائيل عليه من سبي بختنصر وحدَّ لهم في بنائه حدوداً دون بناء سليمان بن داود
عليهما السلام فلم يتجاوزوها. ثم تداولتهم ملوك يونان والفرس والروم واستفحل الملك لبني إسرائيل في هذه المدة ثم لبني خسمان (كذا في الأصل) من كهنّهم ثم لصهرهم هيرودوس ولبنيه من بعده وبني هيرودوس بيت المقدس على بناء سليمان عليه السلام وتأنق فيه حتى أكملهُ في ست سنين فلما جاء طيطش من ملوك الورم وغلبهم وملك أمرهم خرب بيت المقدس ومسجدها وأمر أن يزرع مكانهُ. ثم أخذ الروم بدين المسيح عليه السلام ودانوا بتعظيمه، ثم اختلف حال ملوك الروم في الأخذ بدين النصرانية تارةً وتركه أخرى. إلى أن جاء قسطنطين وتنصرت أمهُ هيلانه وارتحلت إلى بيت المقدس في طلب الخشبة على الأرض التي صلب عليها المسيح بزعمهم فأخبرها القساوسة بأنهُ رمي بخشبته على الأرض وأُلقي عليها القمامات والقاذورات فاستخرجت الخشبة وبنت مكان تلك القمامات كنيسة القمامة (كنيسة القيامة) كأنها على قبره بزعمهم. وخربت ما وجدت من عمارة البيت وأمرت بطرح الزبل والقمامات على الصخرة حتى غطاها وخفي مكانها جزاءً بزعمها لما فعلوه بقبر المسيح ثم بنوا بإزاء القمامة بيت لحم وهو البيت الذي ولد فيه عيسى عليه السلام. وبقي الأمر كذلك إلى أن جاء الإسلام وحضر عمر لفتح بيت المقدس وسأل عن الصخرة. فأري مكانها وقد علاها الزبل والتراب، فكثف عنها وبني عليها مسجداً على طريق البداوة وعظم من شأنه ما أذن الله من تعظيمه وما سبق من أم الكتاب في فضله حسبما ثبت.
ثم احتفل الوليد بن عبد الملك في تشييد مسجده على سنن مساجد الإسلام بما شاء الله من الاحتفال كما فعل في المسجد الحرام وفي مسجد البني صلى الله عليه وسلم بالمدينة وفي مسجد دمشق. وكانت العرب تسميه بلاط الوليد وألزم ملك الروم أن يبعث الفعلة والمال لبناء هذه المساجد وأن ينمقوها بالفسيفساء فاطاع لذلك وتم بناؤها على ما اقترحه ثم لما ضعف أمر الخلافة أعوام الخمسمائة من الهجرة في
آخرها وكانت في ملكة العبيديين خلفاء القاهرة من الشيعة واختل أمرهم، زحف الفرنجة إلى بيت المقدس فملكوه وملكوا معه عامة ثغور الشام وبنوا على الصخرة المقدسة منهُ كنيسة كانوا يعظمونها ويفتخرون ببنائها حتى إذا استقل صلاح الدين بن أيوب الكردي بملك مصر والشام ومحا أثر العبيديين وبدعهم
زحف إلى الشام وجاهد من كان به من الفرنجة حتى غلبهم على بيت المقدس وعلى ما كانوا ملكوه من ثغور الشام، وذلك لنحو ثمانين وخمسمائة من الهجرة، وهدم تلك الكنيسة وأظهر الصخرة وبنى المسجد على النحو الذي هو عليه لهذا العهد. انتهى.
هذا وأما الذي أردت الإيماء إليه من بعض ما بأورشليم وبيت لحم من الصدقات الجاريات والمآثر الباقيات فهو المدرسة الصلاحية في القدس الشريف ومدرسة اليتامى العلمية الصناعية في بيت لحم.
أما المدرسة الصلاحية المعروفة بمدرسة القديسة حنة فهي مدرسة كهنوتية كبيرة متقنة البناء مجانية معدة لمائة وخمسين طالباً، ومدة الطلب فيها عشر سنين، لكنها مخصصة بمن يترشح لخدمة الله من طائفة الروم الكاثوليكيين دون سواها. وكلما انتهى فوج تستقبل فوجاً آخر. والقائمون فيها على إنارة العقول بالتعليم وتهذيب الأخلاق بالترويض رجالٌ ممن برزوا في حلبة الفضل وممن أخذوا السبق في مضامير العلم. إلاًَّ وهم إجلاء من الرهبان البيض الذين كأنما بياض ثيابهم ينادي ببياض سرائرهم. وقد تخرج في هذه المدرسة العظيمة الشأن عدة من الكهنة الذين تعتز بهم المنابر وتستنير بأقوالهم المجامع والمحافل ويفوح من آثارهم شذا الفضائل فإذا نظرت يا رعاك الله إلى ما تجني من العوائد الكبيرة طائفة يقوم على إرشاد أبنائها رجال من أهل العلم والصلاح من أمثال
هؤلاء عظم في عينك قدر منشئ هذا المعهد العلمي الحري بأن يُدعي (بيت النور والفضل) وجلت في نفسك همتهُ ولاح لك ضوء حكمته. ولاسيما متى اعتبرت سداد رأيه بتوسيده أمر التعليم والتربية والإدارة في ذلك المعهد إلى أولئك الرهبان الذين أفصى همهم أن يوقدوا مصابيح العلم ويبذروا بذور الفضائل ويزيلوا من أمام المجتمع الإنساني دواعي الشقاء ويكشفوا حنادس الجهل وناديت بأعلى صوتك يا رحمة الله أسقي قبر الكرديناك لا فيجري الذي دخل سورية محسناً وودعها محسناً.
وأما مدرسة البنين ببيت لحم فهي بناية بل بنايات هائلة عالية كأنها خطيب فصيح متبوئ منبر الثناء على همة رجل الفضل الذي أخذت آثاره من النفع بأوفر حظ، وضربت له من مجد العاجلة والآجلة بسهام لا بسهم. فقد زرت هذا المعهد الرحب الذي أسكرت منشئه خمرة الهيام بتعليم الصغير، واستغرقته لذة الغرام بتربية اليتيم، فرأيت فيه زهاء المائة من
الفتيان يتعلمون عشر صنائع من الصنائع اللازمة للبلاد ورأيت من مصنوعاتهم ما يشهد لهم بالبراعة والحذق في الصناعة وقد عرفوا بذلك حتى صار المتأنقون من أهل اليسار من الأطراف القريبة والبعيدة يستصنعونهم ما يحتاجون إليه.
وهم يتعلمون مع تلك الصنائع العشر ثلاث لغات الفرنجية والطليانية والعربية، ويلقى في أذهانهم من بذور التعاليم والآداب المسيحية ما أجمع الكون على أنهُ منبثق أنوار المدينة.
ثم أن تلك المدرسة مجانية تبذل لذلك العدد العديد من اليتامى كل ما يعوزهم من طعام وكسوة وكتب وأدوات صنائع ولا تطلب من تلك النفقة الباهظة عوضاً إلا وجه الله الكريم. فأولئك اليتامى وكل من اتصل به خبر هذا الأثر الجليل يقولون: رحم الله (الأب انطون بلوني) الذي أعلى للجميل معالمه وحمى مكارمهُ فلقد كانت أيامه أيام المبار والمحامد وأزمان المكارم والمآثر.
ومن حسن نظر هذا الغيور في عواقب الأمور أنه لما طعن في السن ووصل إلى عصر يوم الحياة خشي على هذا الميتم الكبير وسائر المدارس التي أنشأها في الناصرة وفي بيت جمال وفي كرم الزان أن تغلق أبوابها وتنضب ينابيعها فسلمها إلى من لا يألون جهداً في المحافظة عليها بل إلى من لا يصرفهم عن إنمائها وتوسيعها غرضٌ من الأغراض فهم جماعة من الآباء الساليسيان متجردون لخدمة الله بتعليم الأحداث والسعي لتخفيف شقاء الحياة (بيروت)
سعيد الخوري الشرتوني.
السنة الأولى للزهور
في الإدارة مجموعة الزهور للسنة الأولى مجلدة تجليداً متقناً وثمنها خمسون قرشاً صاغاً. ويضاف إلى ذلك أجرة البريد للخارج.