الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمضى هائماً على وجهه والصد
…
ر يغلي بالحقد كالبركانِ
ساح في الأرض مستغيثاً ملو
…
ك الريح من كل صادق معوانِ
بين هيف وزعزع ودروجٍ
…
وسموم وعاصف مرنانِ
ثم وافى من بعد عامين في
…
جيش خضمّ يموج كالطوفانِ
يزرع الرعب في البلاد ويكسو
…
هوله الشيب هامة الشبانِ
خارباً في طريقه كل ما
…
مرَّ عليه من عامر البلدانِ
وصل البيت وهو يحسب أن
…
يذريه في الهواء مثل الدخانِ
إذ رأى في جوانب الدار مهداً
…
فيه طفلٌ يبكي بغير بيانِ
ولدى الطفل أمه وهي من
…
خوفٍ عليه شديدة الخفقانِ
فتلاشت قواه وانتصر الحب
…
عليه والحب ذو سلطانِ
فجثا قرب طفلها آخذاً عنها
…
يهزُّ السرير كالغلمانِ
بيروت
إلياس فياض
لاعب القمار ومدمن الخمر
لابد لكل حي على وجه المعمورة من فطرة غريزية وميل طبيعي يسوقه إلى تنفيذ مآربه وقضاء حويجاته. وما الإنسان إلا عبد خاضع وخادم مطيع لكل ما يجول بفكره من كبيرة وصغيرة. فلاعب القمار ومدمن الخمر ومستعمل التبغ ومتعاطي المنبهات والسارق والزاني كل منهم يكتسب هذه العادات الذميمة والأفعال الرذيلة التي تؤول به إلى مهاوي التهلكة من مصدرين. أولهما وراثي عن آبائه وأجداده.
وثانيهما تقليدي عن أصحابه ورفقائه.
فالوراثي هو ما يتلقاه من الوالدين اللذين اعتادا النزوع عن الفضيلة وعمدا إلى ارتكاب كل ما تأباه النفوس الطاهرة، فلا تعجب إذا رأيت الطفل يشب على أخلاق والده. فإذا كان الوالد سارقاً لقن ولده منذ نعومة أظفاره قواعد السرقة وشروطها. ويا له من درس مميت حياة الطفل الأدبية: وإن كان مدمن خمر علمهُ - على غير علم منه - طريق الحانة وارتياد محلات السكر وأوحى إليه فلسفة احتساء الكؤوس. وقد يطبق له العلم بالعمل فيمد له يده تحمل سماً زعافاً ويتناول الولد الكأس بإخلاص من يد أبيه ويتجرعها واثقاً بالمحبة الأبوية التي تريد الخير لأبنائها. ولا تسل يا صاح عما يصيب هذا الابن المسكين في مستقبل الأيام من الشقاء والحياة التعيسة التي أسست أركانها اليد الأبوية الأثيمة بل لا تسل عن تقهقر بلادٍ يربى أطفالها على هذا النمط.
أعرف سكيراً هشمه الدهر بنابه وأناخ عليه بكلكله حتى أنفق كل ما لديه من مال وعقار فيما هو عليه من العادات التي لا تسمن ولا تغني من جوع وأصبح يلتحف السماء ويفترش الغبراء. وإذا بزغت شمس الصباح جال على بيوت أهل المدينة قارعاً باباً بعد آخر متوسلاً. فإذا أتاح الله له شيئاً من القوت وبعضاً من الدراهم رجع إلى الخامورجي وأعطاه ما لديه من النقود في طلب كأس خمر يروي بها ظمأه الذي لا يروى. ثم يرجع إلى كوخه خارج المدينة فيجد زوجته البائسة التي كثيراً ما يغمى عليها من كثرة البكاء والنحيب على ما حل بها وبه من البؤس والشقاء.
والمصدر التقليدي هو ما تكتسبه هذه الفئة من المعاشرات الرديئة التي تجمع أفراداً لا آداب لهم ولا أخلاق غير الافتخار بمباراة أمثالهم في الرذائل وعمل ما تقشعر منه الأبدان. وهذه الفئة مؤلفة من الرعاع والأوباش وبينهم أولاد المثريين الذين ورثوا عن آبائهم مالاً طائلاً. أضاعوه - لنقص في تربيتهم وآدابهم - في أماكن اللهو والطرب. على أنه كثيراً
ما يكون المقلد لرفيقه أو المقتبس عن عشيره من عائلة شريفة المبدأ ومن أبوين شريفين يربيان أولادهما على الفضيلة والآداب القويمة التي لا تزعزعها يد الدهر.
وإذا أحصيت الآفات القتالة في المعترك الحيوي كان أولها لعب الميسر الذي يهدم أركان الفضيلة. ويجلب العار والمذلة ويبدل الأفراح أتراحاً ويمزج كأس الحياة بمرارة حنظلية فينغص عيش مرتاده ويستفرغ قواه المادية والأدبية. حينذاك يثوب إلى رشده ويندم على ما فرط منه حيث لا ينفع الندم هذا أن لم تدفعه شدة الضيق وأنفة النفس إلى الانتحار تخلصاً من هذا الشقاء المقيم.
ولعمري إذا كان المقامر حديثاً في مزاولة هذه المهنة وقضت عليه بد الزمان ونكبة الدهر بخسارة عاجلة وظهر طالعه المنحوس وهو يرى مواله تتسرب من جيبه إلي جيب سواه لا يكاد ينتهي من لعبه إلا وتتوالى عليه جيوش الذهول والأوهام فيضيع لبه ويفقد رشده ولا تمضي بضع دقائق إلا وهو مساق إلى حيث لا يدري وهو تارة يضحك وطوراً يبكي. وكثيراً ما تقوده هذه الحالة إلى السرايا الصفراء مأواه