الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسائل غرام
بين نساء شهيرات ورجال عظام
الرسالة الثانية
من الأميرة أميليا إلى الجنرال فتزروي
أرقت البارحة كثيراً فلم تغمض لي عين ولا استقر بي السرير. حاولت كثيراً أن أطبق أجفاني فكانت رسالتك الأخيرة تزيد في شجوني وتبعد عني النعاس. ولو أنك علمت ما سيكون من تأثيرها في ما خططت منها حرفاً واحداً.
ليتك اليوم قريب مني. . . ليتك إلى جانبي فكنت ترى ما أبقاه لي حبك من حشاشة ذائبة وكبدٍ لا تلبث أن يقضي عليها اليأس. فإن كان فؤادك قد دبَّ إليه شيء من الفتور فلماذا تجعلني أعلل نفسي بأحلام
ذهبية ولماذا تخادعني بغرام أشبه بسحابة صيف تلوح قليلاً ثم تنقشع؟ ألم أفتح لك قلبي وأفرغ لك ما فيه من حب وآمال؟ فلماذا تحاول أن تستر عني مكنونات فؤادك وتسدل عليها حجاباً يحول بيني وبينك؟
أراني معذبة من أجلك يا شارل. فإن كان هذا العذاب جزاء حبي لك فانعم به من جزاء. إنني أستعذب كل عذاب من أجلك إلا فراقك. فإن كان قد قضي به علي فما أشقى القلب الرازح تحت ثقل الحب. . .
ليس لي اليوم إلا تعزية واحدة هي التمتع بذكر ما فات. فأنا أنفق ساعات الفراغ في مراجعة رسائلك الماضية حتى لقد كاد بعضها يفنى من كثرة تلاوتي لها. ذلك لأن قلبي عطشان. . . عطشان إليك أيها المستريح من عناء الحب. . .!
أتمثلك وق حجبت وجهك عني. أتصورك وقد طويت كشحك وسددت أذنيك فلم تعد تسمع نبضات هذا القلب ولا تبصر ما ألم به من النحول. أليس حراماً عليك أن تعتقل برباط الحب فؤاداً خلياً ثم تدير عنه وجهك وتقول عليه السلام؟ سامحك الله يا من لا أزال أذكره وأحبه!.
أمامي صورتك التي أهديتها إلي. كلما نظرت إليها ثارت عواطفي في داخلي وفاضت نفسي إليك. عوّدتني أن ألقي بنفسي بين ذراعيك ففي أحضان من ألقي بها بعد اليوم؟ ليت الأبدية تتثاءب وتفتح فاها فكنت أثب إلى أحشائها وأتخلص من حياة كلها تعاسة وشقاء.
حقاً ما أتفه الكائنات وأشد فراغها لولا الحب. لولاه لكانت ساعات الأبدية طويلة مملكة. أليس الحب تحية الملائكة لسكان السماء؟
أليست العين تستنير بأشعة الشمس والقلب يستنير بأشعة الحب ومصدر كليهما ابتسامة الآلهة؟ فإن كان يحتم على الإنسان عبادة الآلهة فلأنها مصدر الحب. في كلا الحب والعبادة تركع النفس أمام معبودٍ لا تدركه ولا تلم به. في كليهما تناجي النفس النفس وتهمس الروح إلى الروح وفي كليهما يكون السكون أبلغ من النطق. . .!
لدي أخبار كثيرة كنت أود أن أكتب إليك عنها لولا أن قلبي رازح تحت عبء من الهموم. وما الذي يهمك اليوم من أخباري بعد أن طويت صفحة الماضي وتناسيت ما كان بيننا من عهود ووعود. أيكون حب الرجال أقصر من أيام البنفسج؟ أبمثل هذه السرعة تنطفئ تلك الشعلة الروحانية وتترك القلب في ظلام دامس؟
نزلت اليوم صباحاً إلى الحديقة فجلست تحت الشجرة التي تفيأناها معاً لآخر مرة. حدقت في الحجرة التي كنت جالساً عليها فثارت في عواطفي وأسرعت نبضات قلبي إذ تذكرت تلك الساعة السعيدة. هل تذكر أن الفصل كان ربيعاً والنسيم عليلاً وكل ما في الطبيعة يضحك ويبتسم؟ فما أعبد الفرق بين ذلك الربيع وهذا الخريف. وما أشد وطأة الخريف على القلب المنكسر. إنه يذكرني بخريف الحياة عندما تذبل زهرة الحب ويهدأ خفوق القلب وينقطع نشيد الملائكة - نشيد الحب الذي تهمس به الروح إلى الروح.
لماذا أنت حزين منكسر القلب يا شارل؟ إن كان لأحدنا أن يحزن فلي أنا الحق الأسبق بذلك. وأما أنت فمم تشكو وما الذي يحزنك في