الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 19
- بتاريخ: 1 - 12 - 1911
المطر
لا نغالي إذا قلنا إن مصر لا تعرف من فصول السنة إلا اثنين الصيف والربيع، ويكاد فصل الشتاء وما يتخلله من الزوابع والأمطار يكون فيها اسماً لغير مسمى. على أن شوكة القيظ قد انكسرت الآن وبتنا على باب ما يعد في معظم الأمصار في فصل الأمطار. أضف إلى ذلك أن توسيع نطاق الري وزيادة المغروسات واختراق الأسلاك البرقية لجونا لمما أحدث بعض التغيير في تقلبات الطقس عندنا، فصارت السحب تجود علينا بمزنها أكثر من ذي قبل، فرأينا سماءنا في شهر واحد ممطرة أكثر من ثلاث مرات. فأحببنا أن نقول كلمة في المطر وماهيته ومصدره ومظاهره المختلفة:
الغيوم مصدر المدر - إن حرارة الشمس تعمل في البحار والبحيرات ومجاري المياه، فتحدث فيها ما نسميه بخاراً. تتبخر المياه فتتصاعد في الفضاء وتتركب منها تلك الغيوم التي نراها في كبد السماء.
ومرجع الغيوم إلى ثلاثة أنواع: منها ما هو معروف باسم سيرس وهو كناية عن قطع مستطيلة بيضاء تظهر في سماء زرقاء في أواخر الطقس الحسن. ويتفاوت علوها بين تسعة أو عشرة كيلومترات، وكثيراً ما تكون درجة حرارتها تحت الصفر، فتكون مركبة من إبر جليد سابحة في الفضاء. ومنها نوع معروف باسم كومولس وهو عبارة عن غيوم مستديرة الشكل كبيرة الحجم بيضاء اللون، كثيراً ما تغشي السماء دون أن يعقبها مطر. والنوع الثالث معروف باسم نمبس وهي غيوم قاتمة تحجب أشعة الشمس، وهي أقل ارتفاعاً من النوعين الأولين بحيث أنها تكون أحياناً على مقربة من سطح الأرض.
أما الغيوم عموماً فهي مجموع نقيطات ميكروسكوبية يتلاعب بها مجرى الهواء فتتجمع معاً، ويزداد حجمها فتسقط على الأرض مطراً، ويكون سبب ذلك برودة تحدث بغتة في الهواء. وفي بعض الأحيان تتحول هذه النقط إلى إبر جمد يزيد ثقلها على الهواء فتقع وهي تذوب أثناء وقوعها. ويسهل على سكان الجبال أن يتحققوا هذا الحادث الطبيعي، لأنه عند سقوط المطر في الأودية يقع الثلج على قمم الأطواد.
فمما تقدم يمكننا أن نقول إن المطر هو مبادلة الماء بين الأرض والهواء بواسطة الحرارة أولاً، والبرودة ثانياً. ولمجرى الهواء تأثير في المطر، فالهواء الماء على البحار يحمل المطر في غالب الأحيان لأنه يقذف بالغيوم المملوءة بخاراً. وقد فقه العامة والزراع ذلك
فهم يقدرون وقوع المطر حسب هبوب الريح.
ميزان المطر - قياس كمية المطر الواقع أمر سهل لمبتغيه. وميزانه كناية عن إناء عمودي، في قسمه الأعلى قمع يستقبل المطر النازل، وكل مدة يقاس علو الماء في الإناء فتعرف كمية المطر. وفي بعض الموازين إبرة تدون على الورق الأرقام زيادة في الدقة والضبط.
مياه المطر - وفي مياه المطر جراثيم ميكروبية خلا الأملاح المعدنية كالأمونياك والكلور والحامض النتريك، فليس هذا الماء إذن نقياً ظاهراً كما يعتقده الكثيرون. وأكثر الأمطار ميكروباً ما يقع في الأشهر الحارة.
مقدار المطر - وليس الشتاء كما يعرف الجميع متساوي النسبة على سطح الأرض، فإن بعض الأصقاع يصيبه أكثر مما يصيب غيره. وأكثر البلاد مطراً البلاد المجاورة خط الاستواء. ففي أمريكا بلاد غوبان وفي أفريقيا سييرا ليونه وخليج جينه وشواطئ نهر النيجر، وفي آسيا وأوقيانيا جزائر جاوى وصومترة وبورنيو وملقة يصبها مطر أغزر من سائر الأقطار. ففي أنحاء سييرا ليونه مثلاً يبلغ علو المطر أربعة أمتار ونصف متر، وفي فيدجه ستة أمتار ونيفاً، ويتوصل في خليج نغال إلى اثني عشر متراً وما فوق. ومعدل المطر في سورية 92 سنتيمتراً، وهو في مصر دون ذلك بكثير.
ويصيب الأنحاء الجبلية عموماً من المطر نصيب أوفر من سواها وللشجر والمزروعات تأثير عظيم في استجلاب ماء السماء كما تقدم.
ويقال إن مدينة باييتا في البيرو من أقحط البلاد فقد تمر سبع
سنوات دون أن ينزل فيها نقطة ماء. أما مقدار ما يقع سنوياً من المطر على سطح الأرض فيبلغ 480. 000. 000 مليون متر مكعب.
المطر الاصطناعي - لاحظ أصحاب التدقيق أن المواقع العظيمة قد عقبها غالباً مطر غير منتظر مثل مواقع هوهنلندن وايلو وواترلو (في حروب الإمبراطورية الفرنسوية) وماجنتا (في حرب إيطاليا) إلخ. وجرى مثل ذلك أيضاً عقب أكثر التمرينات الحربية المدفعية. ففي 25 سبتمبر كانت جيوش المتحالفين تقوم بمثل هذه المناورات قرب بيانست وكانت الغيوم متلبدة في كبد السماء، فعند إطلاق المدافع انهمر المطر بغتة وانقشعت الغيوم.
فبعد هذه المشاهدات والملاحظات أخذ العلماء يتساءلون عما إذا لم يكن لاهتزاز الهواء - وإن بطريقة اصطناعية - تأثير في سقوط المطر. وكان الفلكي الأمريكي بويرس قد ذكر في كتابه الفلك والحرب إن المواقع التي جرت في حرب أمريكا قد عقب أكثرها نزول المطر فأخذت الهمة بالقائد ديرنفورث إلى اختبار ذلك بإطلاق المدافع على الغيوم. فالتأم مؤتمر علمي لهذه الغاية وجعل له مبلغاً قدره خمسون ألف فرنك. فأجرى القائد المذكور اختباراته في ولاية تكساس من أعمال الولايات المتحدة سنة 1891 فلم يتوصل إلى نتيجة مرضية.
وقام بعد ذلك العالم بودوان مستنداً إلى هذا المبدأ إن الماء ثابت في الفضاء بقوة الكهرباء، وإنه إذا توصل إلى تفريغ المجموع