الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو علم الشباب. ولو قدر المشيب!. .
،
وقد أخذ إسماعيل باشا صبري هذا المثل الإفرنجي ونظمه في شعر عربي من شعره المعروف بسلاسة المبنى وبلاغة المعنى فقال:
لم يدر طعم العيش شبان
…
ولم يدركه شيب
جهلٌ يضل قوى الفتى
…
فتطيش والمرمى قريب
وقوىً تخور إذا تشبث
…
بالقوى الشيخ الأريب
أواه لو علم الشباب
…
وآه لو قدر المشيب
فلو كان الشباب يجمع إلى قواه الخبرة والتجربة لأتى بالمعجزات ولو كان المشيب يجمع إلى اختباره المقدرة على العمل لجاء بالآيات الباهرات. ولكن
آواه لو علم الشباب
…
وآه لو قدر المشيب
عواطف وآمال
لا لا لم ينزل العندليب على الزهرة إلا ليشكو لها الصبابة ويبثها الهيام، ولم ترسل هذه عطرها إلا لتؤكد له جبها، وما فتقت عنها الآكام إلا لتضم بين ذراعيها الحبيب، فعطفاً على المحب أيها الإنسان. . .!
لله ما أنكد العيش وأنغصه إذا لم يقطعه السرور وتتخلله الأغاني!
وما أمرّ الحياة وأظلمها إذا لم يمتزج بشرابها سيال الحب ولم تسطع فيها أنوار الغرام!
ونظير مياه الينبوع تجري في السواقي وتخفيها البحار، وكمثل رياح القفر تهب في وريقات الزهور وتبتلعها أوراق الأشجار، تمضي الحياة الخالية من الحب ويتصرم الشباب تطويه الوحشة ويقصره السأم. . . .
دب النعاس بجفن ذكاء فاضطجعت على فراش الأمواج ونامت نوماً هادئاً رغماً عما كان بنفس هذه من الهيجان. ورأت ذكاء ولو في المنام حزن الأرض وانقباض أهلها فأرسلت فتاها فأتى وملأ الفضاء نوراً والقلوب رجاء.
هب النسيم نسيم الغروب فمزق عن الوردة اللباس وكساها بثوب من الإنعاش قشيب فأعجب لمعرٍّ وكاسٍ. . .
عسعس الليل وأوت إلى أوكارها الأطيار. وطالت ظلال الأشجار فزادت المكان وحشة، وساد السكون عميقاً فأخلدت عوامل الطبيعة إلى الهدّو، وما استطاع تقطيعه سوى أنفاس الباري يرسلها نسمات لطيفة فتزكي تلك الأرجاء، وتترك منها للإنسان أثراً جميلاً يستهوي القلوب ويسترق الأسماع. وكأن السرور جالب التأمل إن هو تناهى، فجلست على صخرة هناك وجعلت أتأمل.
بالطبيعة جلست أفتكر في أصل وجودها وكيف يكون فناؤها من أصغر زهرة فيها إلى أكبر سروة، فعجبت من عواملها ومجدت خالقها.
بهذا الهواء كيف يهب منها نقياً كأن أنفاس البشر لم تقو على
إفساده وقد اختلطت به مراراً. بهذا الليل وقد رأى العالم يرتكب تحت حمايته أفظع الذنوب وأشنع الآثام كيف يستره كأنه جهل أن من سكت عن الأشرار بالشر رمي ومن دافع عن المذنب بالذنب اتهم. . .
أحزنت نفسي هذه التصورات فبدت على وجهي منها دلائل القلق. وكأن الطبيعة وقد علمت أنني من محبيها لم تشأ أن تتركني حليف الغم والقلق وقد طلبت منها سميراً فأرسلت إلي ما
يلهيني فرأيت شبحين كانا يظهران تاراً من خلال الأشجار ويختفيان فأوقعاني في الريبة ولم يجدني ذلن نفعاً فرجعت أفتكر أيضاً ولكن لا فبين الأول والثاني خطى ومراحل.
* * *
تقدمت لأرى ما وراء ذلك وإذا بي أمام شاب تنبعث من عينيه شرارات القسوة والخشونة يداعب حيزبوناً تبينت بوجهها تجعدات جمة وبجبينها خطوطاً عديدة ولم أستطع علم هيئتها وإدراك كنه أمرها رغماً عن إحداقي بها وإعمال الفكرة في قراءة ما في نفسها. وهناك إلى جانب من الغاب كهلٌ ملقى على الحضيض دامي الأحشاء على وجهه سمة الوقار وبنظرته الحنو والإشفاق. ولم ألبث أن رأيت الشاب قد أخذ بذراع العجوز وتوغلا في الغاب. وأما أنا فتوسمت في خطوط جبين المرأة وبعد النظر طويلاً قرأت بأحرف كتب بعضها بشوكٍ غليظ وبعضها بزهورٍ لطيفة هذه الكلمة - الحياة - واستلفت نظري شيء ناتئ على كتف الشاب فحدقت فيه وتهجيت هذه الكلمة وقد كتبت بمداد أسود على