الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بطلوعها والمساء بشفقه، والليل بضوء قمره، ولمعان بحومه، والشبوبية بنضارتها، والشيبة ببياضها، والسماء بأمطارها، والأرض بمراعيها، والكلام بمعناه، والنظر بغمزه، والغناء بوزنه، والموسيقى بتوافق ألحانها تبتسم المسرة لانخداعنا بها، والمشقة لانتقامها منا.
يبتسم المرء باختلاف الأحوال الطارئة عليه في زمن التحقير، ووقت التبشير وحيثما يقع بمصيبة، وعندما يسر، وفي الحزن واليأس والأمل والمحنة والظفر.
ضحك الأطفال كنغمات البلابل، وضحك النساء كرائحة الرياض العطرة، وضحك الرجال كأصوات الصواعق إذ في ضحك الأطفال عصمة، وفي ضحك النساء شفقة، وفي ضحك الرجال عزم وثبات.
الابتسامة، هي التي تستقبل الآتين إلى عالم الوجود وهي التي تودع الراحلين إلى عالم البقاء.
فالعالم هو الذي يجعل حياته ابتساماً وضحكاً ويبتعد عن أراقه دمعة في زمانه الضحوك المبتسم.
فيسكن في البيت الضحوك، ويشارك في حياته من تضحك وتبتسم، ويتخذ أحباء يضحكون، ويمضي سحابة حياته في الضحك والابتسام.
الطالب البائس
ذكرنا كلمة في العدد الماضي عن المرحوم محمد أمام العبد الشاعر البائس الذي كان يقول أن سواد جلده حداد على حظه. وقد أحببنا أن ننقل إلى قرائنا شيئاً
من نثره، وهو كلام له في البؤس والبائسين، قال:
خرجت ذات ليلة من داري وأنا بين الهم والغم، وفي صدري من الأشجان ما في قلبي من الأحزان، فضربتُ في الطريق من غير صديق. اللهم إلا نفس يتردد، وحزن يتجدد، فما زلت كذلك حتى اكتنفني التعب، وغلب علي النصب. وكنت على مدى النظر من الجزيرة فرأيت أن أكون فوق الجهد، لأدني مسافة البعد، فصدقت. عزيمتي بعد جهاد، وبلغت اربتي أو كدت أكاد، وما هي إلا خطرة مرت مر النسيم، تحت سجن الليل البهيم، حتى بصرت بظل يسرع في مشيته، وكأني به يقاضي الأقدار في محنته، ولما أمسى مني حيث أمسيت منه، تسرب إلى نفسي أن أقف منه على نفسه لأن البائس يميل إلى البائس، واليائس يحن إلى اليائس. والوجوه صحيفة لما تخفيه السرائر أو تضن به الضمائر. فألقيت عليه تحيتي فأردفها بأحسن منها، ثم جعلت له إلى الحديث سبيلاً فتمشى الحزن في صدره حتى كدت أحس به في صدري، وأسبل من جفونه دموعاً في كل دمعة لؤلؤة بيضاء ترى على خده ياقوتة حمراء كأنها بنت الشفق، في ذلك الغسق.
فقلت له: ما شأنك يا بني؟ وما أمر الجائحة التي نزلت بك؟
فقال لي بصوت لا يسمعهُ إلا من أراد أن يتسمع: إنني ولدت في يومٍ أخذ صباحه بمسائه، وذهب ظلام بضيائه. فتوفي والدي قبل عقد التمائم، فأسلمتني الأقدار إلى أم حنون لا تملك من المال غير ما يغني عن السؤال، وكانت تلك الأم الكيسة تعمل صباح مساء في بيت