الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الجَنَائِزِ
(كتاب: الجنائز): جمع جنازة، وسيأتي ضبطها.
باب: فِي الْجَنَائِزِ، وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلَّا لَهُ أَسْنَانٌ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ، فُتِحَ لَكَ، وَإِلَاّ، لَمْ يُفْتَحْ لَكَ.
(باب: من كان آخرَ كلامه لا إله إِلَّا الله): آخر - بالنصب - على أنه خبر "كان " قُدِّم على اسمها، وهو "لا إله إِلَّا الله"، وساغ كونها مُسْنَدًا إليها مع أنها جملة؛ لأن المراد بها لفظها، فهي في حكم المفرد، ويجوز أن يعكس هذا الإعراب.
(أليس لا إله إِلَّا الله مفتَاحُ الجنَّة): بنصب مفتاح ورفعه على أنه خبر ليس، أو (1) اسمها؛ كما سبق.
(فإن جئتَ بمفتاح له أسنانٌ، فتح لك): يريد بالأسنان: الأعمال المنجية المنضمة إلى كلمة التّوحيد.
(1) في "ن"و "ج": "و".
وقال الزركشي: أراد بها القواعد الّتي بني الإسلام عليها (1).
قلت: من جملة القواعد كلمة (2) الشّهادة الّتي عبر عنها بالمفتاح، فكيف يُجعل بعد ذلك من الأسنان؟ فالظاهرُ ما تقدّم.
ويحتمل أن يكون من قبيل المشاكلة، وإطباق الجواب على السؤال.
قال (3) الزمخشري: وهو فنٌّ من كلامهم بديع، وطرازٌ عجيب؛ مثل قول أبي تمام:
مَنْ مُبْلِغٌ أَفْنَاءَ يَعْرُبَ كُلَّهَا
…
أَنِّي بَنَيْتُ الجَارَ قَبْلَ المَنْزِلِ
وشهد رجلٌ عند شريح، فقال: إنك لسبطُ الشّهادة، فقال الرَّجل: إنها (4) لم تجعَّدْ عني، فقال: لله بلادُك، وقبلَ شهادته، فالذي سوَّغَ بناءَ الجار، وتجعيدَ الشّهادة هو مراعاةُ المشاكلة، ولولا بناءُ الدَّار، لم يصحَّ بناء الجار، و [لولا] سبوطةُ الشّهادة، لامتنع تجعيدها. انتهى (5).
كذلك هنا عبَّر عن الأعمال المنجية بالأسنان لما (6) عبَّر عن كلمة التّوحيد بالمفتاح، ومعنى إنك لسَبْطُ الشّهادة؛ أي: ترسلُها من غير تأمل وتدبُّر (7) بمنزلة الشعرِ المسترسِل، فقال: إنها لم تجعَّدْ
(1) انظر: "التنقيح"(1/ 301).
(2)
في "ع": "كلمتا".
(3)
"قال" ليست في "ج".
(4)
"إنها" ليست في "ع".
(5)
انظر: "الكشاف" للزمخشري (1/ 141 - 142).
(6)
في "ع" و"ج": "كما".
(7)
في "ع": "وتدبير".
عني (1)؛ أي (2): لم تُمنع ولم تُقبض، بل أنا واثق بها، عالم بكيفية الحال، وهذا النوع من المشاكلة أبدعُ وأعجبُ؛ إذ ليس تعبيرًا (3) عن الشيء بلفظ غيره، لوقوعه في صحبة ذلك الغير، [بل في صحبة ضده](4).
وظاهرُ كلامهم أن مجودَ وقوعِ مدلولِ هذا اللّفظ في مقابلة ذلك (5) جهةُ (6) التجوز (7) والجواز على ما قال الزمخشري، فالذي سوغ بناء الجار إلى آخره، ولا خفاء في أنه يمكن في بعض صور المشاكلة استعارة بأن يُشبه انقباضُ الشّهادة عن الحفظ وتأَبِيها عن (8) المذاكرة (9) بتجعُّد (10) الشعر.
وكذا يمكنُ الاستعارةُ في قول وهب بْن مُنبه: بأن يشبه الأعمال المنجية بأسنان (11) المفتاح من حيثُ الاستعانة بها في فتح المغلقات وتيسير المستَصْعَبات، لكن الكلام في مطلق المشاكلة؛ كقوله:[من الكامل]
(1) في "ن":"مني".
(2)
"أي" ليست في "ع" و"ج".
(3)
في "م" و "ج": "تعبير".
(4)
ما بين معكوفتين سقط من "ج".
(5)
في "ن": "ذاك".
(6)
في "ع" و "ج": "في جهة مقابلة".
(7)
في "ن" و "ع": "التجويز".
(8)
في "ن": "على".
(9)
في "ج": "الذاكرة".
(10)
في "ع"و "ج": "بتجعيد".
(11)
في "ج": "بالأسنان".
قَالُوا اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَكَ طَبْخَهُ
…
قُلْتُ اطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصًا (1)
وسمعت عن بعض العصريين (2) أنه قال: لا تكون المشاكلة [إِلَّا حيث يكونُ اللّفظ الّذي وقع لفظُ المشاكلة](3) في صحبته (4) مستعملًا في حقيقته (5)، ولا يُتصور حيث يكون اللفظان مجازَيْنِ ألبتة اغترارًا بالأمثلة المتداولة، وما سقناه في قول شريح ممّا يدفع في صدر دعواه، فتأمله.
* * *
732 -
(1237) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبي، فَأَخْبَرَنِي، أَوْ قَالَ: بَشَّرَنِي، أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ". قُلْتُ: وَإِنْ زَنَىَ، وإنْ سَرَقَ؟ قال:"وإنْ زَنَى، وإنْ سَرقَ".
(الأحدب): بحاء ودال مهملتين وموحدة.
(المعرور): بعين وراءين مهملات (6).
(فقلت: وإن زنى وإن سرق): فيه شاهد على حذف همزة الاستفهام لقيام القرينة.
(1) البيت لجحظة البرمكي. انظر: "جمهرة الأمثال" للعسكري (1/ 227).
(2)
في "ج": "البصريين".
(3)
ما بين معكوفتين سقط من "ع" و "ج".
(4)
في "ع": "صحبة".
(5)
في "ع": "حقيقة".
(6)
في "ن": "مهملتين".
733 -
(1238) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَفِيقٌ، عَنْ عبد الله رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ باللهِ شيئًا، دَخَلَ النَّارَ". وَقُلْتُ أَنَا: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، دَخَلَ الْجَنَّةَ.
(وقلت أنا: من مات لا يشرك بالله [شيئًا]، دخل الجنَّة): والمفهومُ الّذي استدل به على ذلك لا بد فيه من واسطة، وذلك أن مفهوم الحديث: أن من (1) مات لا يشرك بالله شيئًا، لا يدخل النّار، ويلزم أن يدخل الجنَّة، إذ لا دارَ بين الجنَّة والنار، وأصحابُ الأعراف قد عُرف استثناؤهم من العموم.
وكأن البخاريّ أراد أن يفسر (2) معنى (3) قوله: "مَنْ كَانَ آخِرَ كَلامِهِ" بالموت على الإيمان حكمًا أو لفظًا، ولا يُشترط أن يتلفظ بذلك عند الموت إذا كان حكم (4) الإيمان بالاستصحاب، وذَكَرَ قولَ وهب أيضًا تفسيرًا لكون مجرد النطق لا يكفي، ولو كان عند الخاتمة حتّى يكون هناك عملٌ؛ خلافًا للمرجئة، وكأنه يقول: لا يعتقد الأكتفاء بالشهادة، وإن قارنت الخاتمة، ولا يعتقد الاحتياج إليها نطقًا إذا تقدمت حكمًا، والله أعلم.
* * *
(1)"من" ليست في "ن"و "ع".
(2)
ف "ع": "البخاريّ أراد أن والمفهوم الّذي استدل به على ذلك لا بد فيه من واسطة، وذلك أن مفهوم الحديث أو يفسر".
(3)
"معنى" ليست في "ج".
(4)
في "ن": "حكمه".