الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءَ أَهْلِهِ عَلَيْهِ" إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ
(باب: قول النّبيّ: صلى الله عليه وسلم "يعذَّب الميِّتُ ببعض بكاء أهله عليه"، إذا كان النوح (1) من سنته): قال الزركشي: هذا منه حملٌ للنهي على ذلك؛ أي: إنّه يوصي بذلك، فيعذب بفعل نفسه (2).
قلت: الظّاهر أن البخاريّ لا يعني: الوصيةَ، وإنّما يعني: العادةَ، وعليه يدلُّ قوله: من سنته - إذ السُّنَّةُ الطريقةُ والسيرة - يعني: إذا كان الميِّت قد عوَّد أهله أن يبكوا على مَنْ يفقدونه في حياته، وينوحوا عليه بما لا يجوز، وأَقَرَّهُمْ على ذلك، فهو داخل في الوعيد، وإن لم يوصِ، فإن أوصى، فهو أشدُّ، وعلى هذا المعنى حمله ابن المنير.
758 -
(1284) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ وَمُحَمَّدٌ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبي عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زيدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: أَرْسَلَتِ بنتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ: إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ، فَائْتِنَا، فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلَامَ، وَيَقُولُ:"إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ". فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ، وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرِجَالٌ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّبِيُّ، وَنَفْسُهُ تتقَعْقَعُ، قَالَ: حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ: كَأَنَّهَا شَنٌّ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ
(1)"النوح" ليست في "ج".
(2)
انظر: "التنقيح"(1/ 314).
سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا هَذَا؟ فَقَالَ: "هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ".
(أرسلت بنتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إليه): هي زينبُ رضي الله عنها، ذكره ابن بشكوال (1).
(إن ابنًا لي قُبض): وفي رواية أخرى: "احْتُضِر"، وفي رواية (2):"بنتي قد حُضرت"(3).
ونقل عن الدمياطي أن اسمَ الابن علي.
واستُشكل بأن عليَّ (4) بْن زينب، وإن مات في حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا أول راهقَ، ولا يُقال في حق المراهقِ: ونفسُ الصبيِّ تقعقع.
وأما البنتُ، فقيل: اسمها أُميمة.
وقيل: أُمامة بنتُ أبي العاص (5) بْن الربيع، ذكره ابن بشكوال (6).
(ونفسه تتقعقع): هكذا (7) وقع هنا: بتاءين أوله.
وذكر ابن الأثير (8) في "نهايته": تَقَعْقَعُ - بتاء واحدة -، وقال: معناه:
(1) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة"(1/ 306).
(2)
في "ن" و "ع": "وفي رواية أخرى".
(3)
رواه البخاريّ (5655).
(4)
في "ع": "عليًا".
(5)
في "ج": "العباس".
(6)
انظر: "غوامض الأسماء المبهمة"(1/ 306).
(7)
في "ع": كذا.
(8)
في "ع" و"ج": المنير.
تضطربُ وتتحرك؛ أي: كلَّما صار إلى حالة، لم يلبث (1) أن ينتقل إلى الأخرى؛ لقربه من الموت (2). والقَعْقَعَةُ: حكاية أصوات الجلود اليابسة.
ونحوه (3) في المثل: مِثْلي لا يُقَعْقَعُ لَهُ بِالشِّنان؛ أي: لا يفزع بحركة (4) القِربة اليابسة (5) وصوتها.
وفي رواية البخاريّ في كتاب: المرضى، في باب: عيادة الصبيان: "تُقَلْقَلُ"(6).
(كأنها شَنٌّ): -بفتح الشين-؛ أي: قِرْبة خَلَقَة.
(وإنّما (7) يرحمُ الله من عباده الرّحماءَ): سأل بعض العصريين عن الحكمة في إسناد فعل الرّحمة هنا إلى الله، وإسنادِه إلى الرّحمن في حديث:"الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ"(8).
وفيه: أن البكاء لا يقدح في الصبر، وما جاوز السنَّة إلى التنطُّع فهو
(1) في "ع": يثبت.
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث"(4/ 88).
(3)
في "ج": "ومثله".
(4)
في "ع": "لحركة".
(5)
"اليابسة" ليست في "ن" و"ع".
(6)
رواه البخاريّ (5655)، وفيه:"تقعقع"، ورواية "تقلقل" رواها البخاريّ (7448)، كتاب: التّوحيد، باب: ما جاء في قول الله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].
(7)
في "ن" و"ع": "فإنما".
(8)
رواه أبو داود (4941)، والترمذي (1924)، عن عبد الله بْن عمرو رضي الله عنهما.
مردود، والسنِّةُ الحزنُ، وهو معدود من حُسن العهد، والمذمومُ طَرَفا (1) الإفراط (2) والتفويط، فالمعتمَد ألا يبكي، وأن يكون ظاهره وباطنه عند المصيبة كحاله قبلها متنطِّعُ (3) مفرطٌ، والمكثرُ الشكوى والجزع مفرطٌ، وكانَ بينَ ذلك قوامًا.
* * *
759 -
(1285) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: شَهِدْنًا بِنْتًا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، قَالَ: فَقَالَ: "هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ "، فقال أبُو طَلْحَةَ: أَنَا، قال:"فَانْزِلْ". قال: فَنَزَلَ في قَبْرِها.
(قال: شهدنا بنتًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم): هذه أُم كلثوم، ماتت سنة تسع، وفي "تاريخ البخاريّ الأوسط" أما رقية، قال البخاريّ: لا (4) أدري ما هذا، النبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يشهد رقيةَ؛ يعني: أنها ماتت وهو ببدر (5).
(لم يُقارف اللَّيلة): أي: لم يقترف إثمًا، وقيل: لم يجامع، وأنكره الطحاوي.
(1) في "ع": "طرف".
(2)
في "ن": "الإفراد".
(3)
في "ع": "تنطع".
(4)
في "ج": "ما".
(5)
انظر: "التاريخ الأوسط" البخاري (1/ 17).
وقيل: لم يقاول؛ من المقاولة، يعني: المحادثة (1)؛ لأنهم (2) كانوا يكرهون (3) الحديثَ بعد العشاء.
* * *
760 -
(1286) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أبِي مُلَيْكَةَ، قال: تُوُفيتِ ابْنَةٌ لِعُثْمانَ رضي الله عنه بِمَكَّةَ، وَجِئْنَا لِتَشْهَدَهَا، وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا، أَوْ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمَرَ رضي الله عنهما لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَلَا تَنْهَى عَنِ الْبُكَاءِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ".
(توفيت بْنتٌ لعثمانَ بمكة): قال ابن عبد البرّ: هي أُم أَبان (4)، لكن عثمان رضي الله عنه له بنتان، كلٌّ منهما أُم أبان، فالكبرى أُمها رَمْلَةُ بنتُ شيبةَ بنِ ربيعة، والصغرى أُمها نائلةُ بنتُ الفَرافِصَة، والله أعلم أيهما (5) هذه (6).
* * *
(1) في "م" و"ج": "المتحادثة".
(2)
في "ج": "يعني: "أنهم".
(3)
في "ن": "يكرون".
(4)
انظر: "التمهيد"(17/ 276).
(5)
في "ع": "بأنها"، وفي "ج":"أنها".
(6)
انظر: "التوضيح"(9/ 520).