الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعتل بأنها تعود إليها في النفقة، فكأنها لم تخرج عن يدها، ولا تحققَ أداؤها، فلهذا لم تجزئ، فيقال (1) له: لو كان احتمال رجوعها إليها، أو نفس رجوعها إليها مبطلاً للإخراج (2) الذي هو قُربة، استوى فيه الفرضُ والنفل، وهو الحقُّ إن شاء الله تعالى.
باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60]
.
وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: يُعْتِقُ مِنْ زكاةِ مَالِهِ، وَيُعطِي فِي الْحَجِّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنِ اشْترَى أَبَاهُ مِنَ الزَّكاةِ، جَازَ، وَيُعطِي فِي الْمُجَاهِدِين، وَالَّذِي لَمْ يَحُجَّ، ثمَّ تَلَا:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60]، فِي أَيِّها أَعطَيتَ أَجْزَأَتْ.
وَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ خَالِداً احتَبَسَ أَدرَاعَهُ فِي سَبيلِ اللَّهِ". وَيُذْكَرُ عَنْ أَبي لَاسٍ: حَمَلَنَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِبلِ الصَّدَقَةِ لِلْحَجِّ.
(باب: قول الله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ}. ذهب الشافعي (3) رضي الله عنه (4) - إلى أن المراد بالرقاب: المكاتبون.
(1) في "ن": "فقال".
(2)
في "ج": "للأخذ".
(3)
في "ن" و"ع": الشافعية.
(4)
"رضي الله عنه" ليست في "ن"، في "ع":"رضي الله عنهم أجمعين".
وقال مالك رضي الله عنه (1) -: المراد: شراءُ الرقاب للعتق (2)، والولاءُ للمسلمين على ما عُرف من مشهور قوله، وحجته: أن جميع الأصناف لما كانوا يأخذون على التمليك؛ أي (3): يملك القابضُ (4) ما عسى أن يعطاه، علق الإضافة إليهم باللام، خلا السبيل والرقاب، أما السبيل؛ فإنه محل للصرف، فعلق الفعل بالنسبة إليه بفي؛ إشارةً إلى أنه محل يُصْرَف فيه (5)، وكذلك الرقاب التي تُشترى (6)، هي لا تملك الأثمانَ (7)، ولا يُصرف إليها، وإنما هي محلّ يُصرف المال فيه إلى ملاكها (8) لتُعتق (9)، فلو كان المرادُ المكاتبين، لأخذوا على التمليك، وأضيف الفعل إليهم باللام؛ أسوة ببقية (10) الأصناف، فلما قُرنوا بالسبيل في التعليق بفي، عُلم أنهم محل، لا آخذون، فبهذا يُؤاخى الكلامُ، ويترتب النظم، وليس العدولُ عن اللام -وقد بُني الكلام عليها- إلى (11)(في) سُدًى، حاشَا لله.
(1)"رضي الله عنه" ليست في "ن".
(2)
في "ع": "للمعتق".
(3)
في "ن: "أن".
(4)
في "ع": "القاضي".
(5)
في "ع": "إليه".
(6)
في "ج": "تشرى".
(7)
"الأثمان" ليست في "ع".
(8)
في"ع": "مالكها".
(9)
في "ن" و"ع" و"ج": "ليعتق".
(10)
في " ن" و"ع": "بقية".
(11)
في "ع": "إلا".
فإن قلت: جعلُ اللامِ للتمليك يفضي (1) إلى مخالفة مذهب مالك، فإنه لا يعتقد أن الأصناف يملكون.
قلت: قال ابن المنير: إنما لا يعتقد [أنهم يملكون بالأصالة ملك الشركاء على تحرير القسمة، ولكنه يعتقد](2) أن الأخذ منهم -كائناً من كان- يملَّك به الأخذ، ويتصرف فيما يأخذ تصرفَ الملاك (3)، إلا السبيل والرقاب. هذا كلامه رحمه الله.
(ويذكر عن أبى لاسٍ (4)): -بسين مهملة منونةً-، قال أبو عمر: اسمه عبد الله، وقيل: زياد (5).
865 -
(1468) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِب. فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَاّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيراً فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالدٌ، فَإِنَكمْ تَظْلِمُونَ خَالِداً، قَدِ احْتبَسَ أَدرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِب، فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهْيَ عَلَيْهِ صدَقَةٌ، وَمِثْلُها مَعَها".
(1) في "ج": "يقتضي".
(2)
ما بين معكوفتين سقط من "ج".
(3)
في "ع": "الملك".
(4)
في "ج""الأسن".
(5)
انظر: "الاستيعاب"(4/ 1739).
(فقيل منع ابن جميل) الظاهر أن القائل هو الذي كان يصدق في هذه الواقعة، وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وابن جميل: قال ابن منده: لا نعرف اسمه، ومنهم من قال: اسمه حميد.
(ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله ورسوله) يقال: نَقَم يَنْقِم، بالفتح في الماضي، والكسر في المضارع، ويقال بالعكس. والحديث يقتضي أن لا عذر له في الترك؛ فإنَّ نقم بمعنى أنكر، وإذا لم يحصل له موجب للمنع إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله، فلا موجب له، وهذا مما تقصد العرب في مثله النفي مبالغة بالإثبات، نحو:[من الطويل]
ولا عيبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهم. . . بهنَّ فُلولٌ من قِراعِ الكتائب (1)
لأنه إن لم يكن فيهم عيب إلا هذا، فلا عيب فيهم، كذلك هنا، إذا لم ينكر إلا إغناء الله له بعد فقره، فلم ينكر منكراً أصلاً.
(وأما خالد، فإنكم تظلمون خالداً، وقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله). تقدم الكلام على الأذرع والأعتد وما فيها من الخلاف.
وفيه دليل على تحبيس المنقولات، وهي مسألة خلاف. وقد نشأ إشكال من كونه لم يأمر بأخذ الزكاة منه، وانتزاعها عند منعه، فقيل في جوابه: يجوز أن يكون عليه السلام أجاز لخالد أن يحتسب ما حبسه من ذلك فيما يجب عليه من الزكاة؛ لأنه في سبيل الله. حكاه القاضي، قال: وهو حجة لمالك في جواز دفعها لصنف واحد، وهو قول كافة العلماء
(1) البيت للنابغة الذبياني.
خلافاً للشافعي في وجوب قسمتها على الأصناف الثمانية. قال: وعلى هذا يجوز إخراج القيم في الزكاة، وقد أدخل البخاري هذا في باب أخذ العرض في الزكاة، فيدل أنه ذهب إلى هذا التأويل، وهذا ما تقدم الوعد بإتيان الكلام فيه.
قال ابن دقيق العيد: وهذا لا يزيل الإشكال؛ لأن ما حبس على جهة معينة، تعين صرفه إليها، واستحقه أهل تلك الصفة مضافاً إلى جهة الحبس، فإن كان قد طلب من خالد زكاة ما حبسه، فكيف يمكن ذلك مع تعين ما حبسه بصرفه؟ وإن كان طلب منه زكاة المال الذي لم يحبسه من العين والحرث والماشية، فكيف يحاسب بما وجب عليه في ذلك، وقد تعين صرف ذلك المحبس إلى جهته.
واستضعف الاستدلال بذلك على صرف الزكاة إلى صنف واحد من الثمانية، وعلى جواز أخذ القيم في الزكاة، وهو ظاهر.
ثم قال: وأنا أقول: يحتمل أن يكون تحبيس خالد لأدراعه وأعتده في سبيل الله إرصاده إياها لذلك وعدم تصرفه بها في غير ذلك، وهذا النوع حبس، وإن لم يكن تحبيساً، فلا يبعد أن يراد مثل ذلك بهذا اللفظ، ويكون قوله:"إنكم تظلمون خالداً" مصروفاً إلى قولهم: "منع خالد"؛ أي: تظلمونه في نسبته إلى منع الواجب، مع كونه صرف ماله إلى سبيل الله، ويكون المعنى: أنه لم يقصد منع الواجب، ويحمل "منع" على غير ذلك (1).
قلت: لا حاجة في الاعتذار عن خالد بذلك، وإنكار نسبة المنع إليه إلى أن يحمل حبسه للأدراع والأعتد على الإرصاد لجهة السبيل إلا على
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 192 - 194).
حقيقة التحبيس، بل لو حمل التحبيس نفسه على ما هو المتبادر إلى الفهم منه، لتأثَّى ما قاله من الاعتذار على الوجه الذي قرره.
وأما من قال: إن الصدقة هذه كانتْ تطوعاً، فقد ارتفع عنه هذا الإشكال، ويكون عليه السلام قد اكتفى بما حبسه خالدٌ عن أخذ شيء من صدقة التطوع، ويكون مَنْ طلب منه مع ذلك شيئاً آخر، وعابه بالمنع، ظالماً له في مجرى العادة.
(وأما العباسُ بنُ عبدِ المطلب عمُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فهي عليه صدقة (1)، ومثلُها معها): قال أبو عبيد (2): نراه -والله أعلم-: أنه كان أَخر (3) عنه الصدقةَ عامين من حاجة بالعباس إليها، فإنه يجوز للإمام أن يؤخرها على وجه النظر، ثم يأخذها منه؛ كما أخر (4) عمرُ بنُ الخطاب الصدقةَ عامَ الرمادة، ثم أخذ منهم (5) في العام المقبل صدقةَ عامين (6).
قلت: وفي بعض طرق "الصحيحين": "فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُها"(7)، فيحتمل أن تكون هذه اللفظة صفةً، لا إنشاءً (8)؛ لالتزام ما لزم العباس،
(1) في "ن": "صدقة عليه".
(2)
في "ج": "أبو عبيدة".
(3)
في "ج": "أخذ".
(4)
في "ج": "أخذ".
(5)
في "ج": "منه".
(6)
في "ج": "العام المقبل صدقتين".
(7)
رواه مسلم (983) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(8)
في "ع": "صيغة لإنشاء".
ويرجِّحُه قولُه: "إِنَّ عَمَّ الرجُلِ صِنْوُ أَبيهِ"(1)؛ ففي هذه اللفظة إشعار بما ذكرنا؛ فإن كونه صِنْوَ الأب يناسبُ أن يحملَ ما عليه.
فإن قلت: هل من سبيل إلى التوفيق بين الروايتين (2)؟
قلت: نعم بأحد وجهين (3):
الأول: أن يكون الضمير من (4) قوله: "فهي عليه" عائداً على رسول الله (5)، لا على العباس.
الثاني: أن تحمُّلَه (6) عليه السلام عن العباس بالصدقة لا يبرئ العباسَ منها؛ فإن الحمالةَ شغلُ ذمةِ أخرى بالحق، فتكون الصدقة على العباس بطريق الأصالة، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الحمالة.
ويحتمل أن يكون ذلك إخباراً عن أمر وقع ومضى، وهو تسلف صدقة عامين من العباس، وقد روي في ذلك حديث منصوص:"إِنَّا تَعَجَّلْنَا مِنهُ صَدَقَةَ عَامَيْنِ"(7).
قال ابن المنير: وهذا الحديث خارج عن الصحيح المشهور، ولو
(1) انظر: تخريج الحديث المتقدم؛ إذ هو قطعة منه.
(2)
في "ج": "هاتين الروايتين".
(3)
في "ع": "الوجهين".
(4)
في "ع": "في".
(5)
في "ن" زيادة: " صلى الله عليه وسلم ".
(6)
في "ج": "يحمل".
(7)
رواه الدارقطني في "سننه"(2/ 124) عن ابن عباس رضي الله عنه، والطبراني في "المعجم الكبير"(9985) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.