الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ، فَيَمشِي حَتَّى يَأْخُذَ بحَلْقَةِ الْبَاب، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَاماً مَحمُوداً، يَحمَدُهُ أَهْلُ الْجَمعِ كلُّهُم".
(وقال: إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغَ العرقُ نصفَ الأُذن): ووجه مناسبة هذا لما قبله: أن تحققَ ذهاب لحم الوجه حقيقةٌ بهذا السبب؛ لأن العرق لا يبلغُ هذا المبلغَ إلا لشدة الحر والوقد، وبأقل من هذا في العرق تنحل اللحوم وتضمحل، فكيف بهذا الأمر العظيم؟!
(وزاد عبد الله): قيل: يريد به: ابنَ صالح، وهو أبو صالح كاتبُ الليث.
وقيل: عبد الله بن وهب المصري، كذا رواه ابن شاهين، عن عبد العزيز بن قيس المصري، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثني عمي، قال: حدثني (1) الليث، فذكره.
(بحلقة الباب): بإسكان اللام.
باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]
(باب: قول الله تعالى: {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]: الإلحاف: الإلحاح، وهو اللُّزُوم، وأن لا يفارقَ إلا بشيء يُعطاه؛ من قولهم: لَحَفَني من فَضْل لِحافِه (2)؛ أي: أَعطاني من فضلِ ما عنده.
(1) قال حدثني: ليست في "ج".
(2)
في "ن": " بعض إلحافه".
قال الزمخشري: ومعناه: أنهم إن سألوا، سألوا بلطف، ولم يُلْحفوا.
وقيل: هو نفي للسؤال والإلحاف جميعاً؛ كقوله:
عَلَى لاحِبٍ (1) لا يُهْتَدَى بمَنَاره
يريد: نفيَ المنار والاهتداءَ به. انتهى (2).
ولا يخفى أن هذا الوجه -أعني: نفيَ السؤال والإلحاف جميعاً- أدخَلُ في التعفف، وفي أن يحسبوا أغنياء، لكن الزمخشري جعله كالمرجوح؛ لما أن هذه الطريقة إنما تحسُن إذا كان ذلك القيد بمنزلة اللازم؛ فإن الغالبَ من حال المنار (3) أن يُهتدى به، فيكون نفيُ اللازم نفياً للملزوم بطريق برهاني، وليس الإلحاف بالنسبة إلى السؤال كذلك، بل لا يبعد أن يكون ضدَّه، وهو الرفقُ والتلطف أشبه باللازم.
871 -
(1476) - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنهالٍ، حَدَّثَنَا شعبَةُ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الأكلَةُ وَالأكلَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى، وَيَسْتَحْيِى، أَوْ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافاً".
(الأكُلة والأكلتان): -بضم الهمزة-؛ أي: اللقمة واللقمتان، وأما
(1) في "ج": "لا علي حب".
(2)
انظر: "الكشاف"(1/ 346).
(3)
في "ن": "المناد".
الأكَلة: - بالفتح - فالمرة (1) الواحدة مع الاستيفاء، فلا معنى له هنا، ويشهد له الرواية الأخرى:"اللقمة واللقمتان (2) "(3).
872 -
(1477) - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذاءُ، عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ، عَنِ الشَّعبيِّ، حَدَّثَنِي كاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعبهً، قَالَ: كتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعبةَ: أَنِ اكتُبْ إِلَيَّ بشَيْءٍ سَمِعتَهُ مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ الله كَرِة لَكُم ثَلَاثاً: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكثْرَةَ السُّؤَال".
(عن (4) ابن أشوع): بشين معجمة ساكنة غير منصرف.
(إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل و (5) قال): بالفتح.
قال صاحب "المحكم": القولُ في الخير، والقِيلُ والقالُ (6) في الشر (7).
و"قيل وقال" وما بعدها بدلٌ من ثلاثاً.
(1) في "ن": "بالمرآة".
(2)
في "ن" و"ج" زيادة: "ولكن المسكين": - بتشديد نون لكنَّ، فالمسكين منصوب، ويتخفيفها فهو مرفوع".
(3)
سيأتي برقم (1479).
(4)
في "ع": "من".
(5)
في "ع": "أو".
(6)
في "ج": "والقيل".
(7)
انظر: "المحكم"(6/ 563).
فإن قلتَ: "كَرِه" لا يتسلط على قيل وقال؛ ضرورة أن كلاً منهما فعلٌ ماض، فلا يصح وقوعه مفعولاً به، فكيف صحَّ البدلُ بالنسبة إِليهما؟! قلت: لا نسلم أن واحداً منهما فعلٌ، بل كلٌّ منهما اسمُ مسماه (1) الفعل الذي هو قيل، أو قال، وإنما فتح آخره على الحكاية، وذلك مثل قولك: ضربَ فعلٌ ماضٍ، ولهذاً (2) أخبر عنه، والإخبار عنه باعتبار مسماه، وهو ضربَ الذي يدل على الحدث والزمان، وغاية الأمر أن هذا لفظ مسماه لفظ ولا نكير فيه، وذللث كأسماء السُّوَر، وأسماء حروف المعجم.
وقول ابن مالك: إن الإسناد اللفظي يكون في الكلم (3) الثلاث، والذى يختص به الاسمُ هو الإسنادُ المعنوي، ضعيفٌ.
873 -
(1478) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزّهرِيُّ، حَدَّثَنَا يَعقُوبُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ صَالح بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: أعطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَهطاً وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِم، قَالَ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ رَجُلاً لَم يُعطِهِ، وَهُوَ أَعجَبُهُم إِلَيَّ، فَقُمتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ وَاللَّهِ! إِنِّي لأُرَاهُ مُؤْمِناً. قَالَ: "أَوْ مُسْلِماً". قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعلَمُ فِيهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ وَاللَّهِ!
(1) في "ج": "لمسماه".
(2)
في "ن": "وبهذا".
(3)
في "ن": "الكلام".
إِنِّي لأُرَاهُ مُؤْمِناً. قَالَ: "أَوْ مُسْلِماً". قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أعلَمُ فِيهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ وَاللَّهِ! إِنِّي لأُرَاهُ مُؤْمِناً. قَالَ: "أَوْ مُسلِماً -يَعْنِي: فَقَالَ- إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، خَشيةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ". وَعَنْ أَبيهِ، عَنْ صَالح، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّه قَالَ: سَمِعْتُ أَبي يُحَدِّثُ هذَا، فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بيَدِهِ، فَجَمَعَ بَيْنَ عُنُقِي وَكتِفِي، ثُمَّ قَالَ:"أَقْبلْ أَيْ سَعدُ! إِنِّي لأُعطِي الرَّجُلَ". قَالَ أَبُو عبد الله: {فَكُبْكِبُوا} [الشعراء: 94]: قُلِبُوا، {مُكِباً} [الملك: 22] أَكَبَّ الرَّجُلُ: إِذَا كَانَ فِعلُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَلَى أَحَدٍ، فَإِذَا وَقَعَ الْفعلُ، قُلْتَ: كَبَّهُ اللَّهُ لِوَجْهِهِ، وَكبَبْتُهُ أَنَا.
(فترك رجلاً منهم لم يعطه): تقدم في كتاب: الإيمان: أنه يقال له: جُعَيْل بن سراقة (1)، وأن في "مغازي الواقدي" ما يدل على ذلك.
وفي "أسد الغابة": جُعال، وقيل: جُعيل بنُ سراقَة الغفاريُّ، وقيل: الضمريُّ، وهو (2) أخو عوفٍ، من أهل الضُفَّة وفقراء المسلمين، ثم أخرج عن محمد بن إبراهيم التميمي: أن قائلًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيتَ الأقرعَ بنَ حابسٍ، وعُيينةَ بنَ حِصْن مئةً من الإبل، وتركتَ جُعيلاً؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (3):"وَالَّذِي نفسِي بيَدِهِ! لَجُعَيْلٌ خَيْرٌ مِنْ طلاعِ الأَرض مثل عُيَيْنَةَ والأَقْرَعِ، وَلَكِنِّي تَأَلَّفْتُهُما لِيُسْلِما، وَوَكَّلْتُ جُعَيْلًا إِلَى إِسْلامِهِ"(4).
(1) رواه البخاري (27).
(2)
في "ع": "وقيل".
(3)
في "ج": "لجعيل".
(4)
انظر: "أسد الغابة"(1/ 536).
(وهو أعجبُهم إليَّ): أضاف أَفْعَلَ التفضيلِ إلى ضميرِ الرهط المعطَيْنَ، وأوقعه (1) على الرجل الذي لم يُعطَ، وأفعلُ التفضيل إذا قُصدت به الزيادةُ على من أضيف إليه، كما قال ابن الحاجب: اشترط أن يكون منهم، وقد بينا أنه ليس من الرهط المعطَيْن؛ ضرورةَ كونِه لم يُعط، فيمتنع كما يمتنع: يوسفُ أحسنُ إخوته، مع إرادة هذا المعنى، والمخلَصُ من ذلك أن يكون: أعجبُ الرهطِ الحاضرين (2) الذين منهم المعطَى والمتروكُ.
فإن قلت: لم لا يجوز (3) أن يكون المقصودُ بأفعلِ (4) التفضيلِ زيادة مطلقةً، والإضافةُ للتخصيص والتوضيح، فينتفي المحذور، فيجوز التركيب؛ كما أجازوا: يوسفُ أحسنُ إخوته بهذا الاعتبار؟
قلت: المرادُ بالزيادة المطلقة: أن يقصد تفضيلُه على كل ما سواه مطلقاً، لا (5) على المضاف إليه وحدَه، وظاهرٌ (6) أن هذا المعنى غيرُ مرادٍ هنا.
(ثم قال: أقبل أَيْ سعدُ!): في قوله: "أقبل" روايتان:
إحداهما: أنه فعل أمر من القبول، فهمزته همزة وصل.
الثانية: أنه فعل أمر من الإقبال، فهمزته همزة قطع.
(1) في "ع": "ووافقه".
(2)
في "ج": "الحاضرون".
(3)
في "ع": "لم يجوز".
(4)
في "ج": "بالفعل".
(5)
في "ع": "إلا".
(6)
في "ع": "فظاهر"، وفي "ج":"وظاهره".
كأنه لما قال له ذلك، تولى ليذهب، فأمره بالإقبال؛ ليبين له وجهَ الإعطاء والمنع، و"أَيْ" حرف نداء، و"سعدُ" منادى مفرد مبني على الضم.
وروي في "مسلم": "أَقِتَالاً أَيْ سَعْدُ؟! "(1) على أنه مصدر قاتَلَ؛ أي: أتُقاتل (2) قِتالاً؛ بمعنى (3)، أتعارضُني فيما أقول كأنك (4) تقاتل؟!
874 -
(1479) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلَا يُفْطَنُ بهِ فَيتصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ".
(ولا يُفطن له فيتصدقَ عليه، ولا يقوم فيسألُ الناس): المضارع الواقع بعد الفاء في الموضعين يجوز فيه النصب بأن مضمرة وجوباً؛ لوقوعه في جواب النفي بعد الفاء، ويجوز فيه الرفع على أنه معطوف على المنفي المرفوع، فينسحب (5) النفي عليه؛ أي: لا يُفطن له، فلا يُتصدق، ولا يقوم، فلا يَسأل الناسَ.
(1) رواه مسلم (150).
(2)
في "ع": "تقاتل".
(3)
في "ن" و"ج": "يعني".
(4)
في "ع": "فإنك".
(5)
في "ج": "فيستحب".