الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
834 -
(1420) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعبيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ بعْضَ أَزْوَاجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْنَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أيُّنا أَسْرَعُ بكَ لُحُوقاً؟ قَالَ: "أَطْوَلُكُنَّ يَداً". فَأَخَذوا قَصَبَةً يَذْرَعُونها، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَداً، فَعَلِمنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِها الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقاً بهِ، وَكانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ.
(فِراس): بفاء مكسورة وراء مخففة وآخره سين مهملة.
(عن عائشة: أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلْنَ للنبي صلى الله عليه وسلم: أيُّنا أسرعُ بك لحوقاً؟ قال: أطولُكن يداً، فأخذوا (1) قصبةً يذرعونها، فكانت (2) سودةُ أطولَهن يداً، فعلمنا بعدُ: أَنما كانتْ طولَ يدها الصدقةُ، وكانت أسرعَنا لحوقاً بالنبي (3) صلى الله عليه وسلم، وكانت تحبُّ الصدقة): قوله: يذرعونها (4) -بالذال المعجمة-؛ أي: يقدرونها بذراع كل واحدة كي يعلَمْنَ أيُّهن أطولُ جارحةً.
وقوله: أنما -بفتح الهمزة-، والصدقةُ -بالرفع- اسمُ كان، وطولَ يدِها -بالنصب- خبرُها، وقوله:"فكانت (5) سودةُ أطولَهن يداً" أي: من طريق المساحة.
(1) في "ع": "فأخذن".
(2)
في "ع": "وكانت".
(3)
في "ن": "لحوقاً به صلى الله عليه وسلم ".
(4)
في "ن": "يذرعانها".
(5)
في "ج": "وكانت".
قال الزركشي: قال ابنُ دحية وغيرُه: و (1) هذا الحديث، وإن صح إسناده، لكنه وهم بلا شك، وكأنه سقط منه ذكرُ زينبَ؛ فإنه لا خلافَ بين أهلِ السيرِ بأنها (2) كانت أولَهن موتاً، وكذلك أخرجه مسلم:"قالت عائشة: وكانتْ أطولَنا يداً زينبُ؛ لأنها كانت تعمل بيدها، وتتصدق"(3).
وقال النووي: هكذا وقع الحديث هنا (4) في "البخاري" بلفظ معقدٍ يوهم أن أسرعَهن لحوقاً به سودةُ، وهذا الوهم باطل بالإجماع، وإنما هي (5) زينبُ كما رواه مسلم. انتهى كلام الزركشي (6).
قلت: لا وهمَ في كلام البخاري ولا تعقيدَ، ولا يوهم ما قاله النووي، وذلك أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فهمن (7) من طول (8) اليد (9) طولَها حساً، ولذلك ذرعوا القصبة، ثم أخبرت عائشة رضي الله عنها: أنهن بعدَ تقرر كونِ سودةَ أطولَهن يداً بالمساحة، علمنَ أَنَّ ما فهمنَه أولًا ليسَ مرادَ النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه إنما أرادَ طولَ اليد معنىً بالصدقة، وإنما يعلمن ذلك إذا
(1) الواو ليست في "ع".
(2)
في "ن" و"ع": "أنها".
(3)
رواه مسلم (2452).
(4)
في "ج": "ما".
(5)
"هي" ليست في "ن".
(6)
انظر: "التنقيح"(1/ 344).
(7)
في "ن": "فهن".
(8)
في "ن": "أطول"، وفي "ع":"أطول إليه طولها".
(9)
"اليد" ليست في "ع".
تُوفي منهن (1) مَنْ طولُ يدها معنويٌّ لا حسيٌّ، فحينئذ تكون سودةُ غيرَ مرادة قطعاً، والضميرُ من قولها: إنما كانت طولَ يدها الصدقةُ ليس عائداً على سودةَ، وإلا خرج التركيب عن (2) النظام الصحيح، وإنما هو عائد على الزوجة (3) التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"أطولُكن يداً (4) "، وهي (5)، وإن كانت أبعدَ مذكور، فيتعين عودُ الضمير إليها؛ لقيام الدليل عليه، وكذا الضمير من قولها:"وكانت أسرعنا لحوقاً به" عائد إلى هذه الزوجة (6) التي كانت طويلةَ اليد بالصدقة، وكذا من قولها (7):"وكانت تحبُّ الصدقة".
وغاية الأمر: أن البخاري لم يقع له في هذه الطريق التي روى بها الحديث تسميةُ هذه الزوجة، فلم يمكنه تسميتُها، وأيُّ محذور في ذلك؟ وأيُّ تعقيد في نظم هذا الحديث؟ أو أيُّ وهم فيه أو إيهام (8) لغير المقصود؟ إن هذا لشيء (9) عجاب، وقد انجلت (10) ظلمة الإشكال، وبين الصبح لذي
(1)"منهن" ليست في "ج".
(2)
في "ج": "على".
(3)
في "ن": "الزوج".
(4)
"يداً" ليست في "ع".
(5)
في "ع": "إذ هي".
(6)
في "ن": "الزوج".
(7)
في "ع": "قوله".
(8)
في "ج": "وإيهام".
(9)
في "م": "الشيء".
(10)
في "م"و "ج": "انجلت".
عينين، ولله الحمد والمنة (1).
وقد أخذ مغلطاي الجندي يعتذر عن البخاري بعد أن قدم من التشنيع عليه ما لا حاجة بنا إلى ذكره بأن قال: و (2) يحتمل أن تكون رواية البخاري لها وجه، وهو أن يكون خطابه صلى الله عليه وسلم لمن كان حاضراً عنده إذ ذاك من الزوجات، وأن سودة وعائشة كانتا ثَمَّ، وزينب كانت غائبة، وقال: إن سودة توفيت سنة أربع وخمسين.
قلت: يشير إلى أن سودة كانت أسرعَ لحوقاً به ممن كان حاضراً إذ ذاك عنده من الزوجات، ويلزم منه تقرير أن المراد بطول اليد طولُها حِسًّا، وكأنه نسي قول عائشة رضي الله عنها: فعلمنا بعدُ أنما كانت طولَ يدها الصدقةُ، فتأمله.
وقد ظهر أن المراد باليد: هو النعمة مجازاً.
وجوز بعضهم فيه أن يكون كناية.
وفيه نظر؛ لأن طول اليد التي هي الجارحة لا مناسبة فيه لكثرة الصدقة كالمناسبة (3) في طولِ (4) النجاد لطول القامة.
قلت: ولو ذهب ذاهبٌ إلى أن المراد باليد: الجارحة، وأن أطولكن
(1)"والمنة" ليست في "ج".
(2)
الواو ليست في "ع".
(3)
في "م" و "ج": "كالمناسب".
(4)
في "ج": "لطول".
من الطَّول -بفتح الطاء- لا من الطُّول -بضمها-؛ أي: أجودكن يداً، ونسب الجود إلى اليد؛ لأن الإعطاء كثيراً ما يكون بها؛ لكان وجهاً.
ومن العجب أن الشيخ بهاء الدين السبكي رحمه الله قال في "شرح التلخيص": ومن إطلاق اليد بمعنى النعمة إخبارُ النبي صلى الله عليه وسلم أن أسرع أزواجه لحوقاً به أطولُهن يداً، فأخذوا (1) قصبة يذرعونها (2)، وفي البخاري:"وكانت سودة أطولهن يداً".
وفي مسلم: "وكانت (3) أطولَنا يداً زينبُ"(4)، وجمع بينهما على أنهما مجلسان، فالمجلس الذي حضرته زينبُ غيرُ المجلس الذي حضرته سودةُ، [وكانت سودة على الإطلاق أسرعَهن لحوقاً. هكذا رأيته بهذا النص في نسختي من "شرح التلخيص" هذا، ولعل سودة]، (5) من قوله:"وكانت (6) سودةُ على الإطلاق أسرعَهن لحوقاً" سبقُ قلم منه، أو من الناسخ، وإلا لزم مخالفة (7) الإجماع.
(1) في "ع": "فأخذن".
(2)
في "ع": "يذرعنها".
(3)
في "ن": "فكانت"، وفي "ج":"فكان".
(4)
رواه مسلم (2452).
(5)
ما بين معكوفتين سقط من "ج".
(6)
في "ج": "فكانت".
(7)
في "ع": "مخالفته".