الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: ليسَ على المُسْلم في عبدِه صدقةٌ
862 -
(1464) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ خُثَيْم بْنِ عِرَاكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
(خُثَيم): بخاء معجمة مضمومة وثاء مثلثة مفتوحة، مصغَّر.
باب: الصَّدقةِ عَلَى اليتامى
863 -
(1465) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحيَى، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبي مَيْمُونَةَ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخدرِيَّ رضي الله عنه يُحَدِّثُ: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، فَقَالَ:"إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُم مِنْ بَعدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُم مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِها". فَقَالَ رَجُل: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوَ يَأتِي الْخَيْرُ بالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ، تُكَلِّمُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يُكَلِّمُكَ؟! فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَمَسَحَ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ، فَقَالَ:"أَيْنَ السَّائِلُ؟ " -وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ-، فَقَالَ:"إِنَّهُ لَا يَأتِي الْخَيْرُ بالشَّرِّ، وَإِنَّ مِمَّا يُنْبتُ الرَّبيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ، إِلَاّ آكِلَةَ الْخَضْرَاءِ، أكلَتْ حَتَّى إِذَا امتَدَّتْ خَاصِرَتَاها، اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمسِ، فَثَلَطَتْ، وَبَالَتْ، وَرتَعَتْ، وَإِنَّ هذَا الْمَالَ خَضرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعمَ صَاحِبُ الْمُسْلِم مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيتيمَ وَابْنَ السَّبيلِ -أَوْ كَمَا قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بغَيْرِ حَقِّهِ، كَالَّذِي يَأكلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ شَهِيداً عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
(فَضالة): بفتح الفاء وبالضاد المعجمة، وقد مر.
(أوَ يأتي الخيرُ بالشرِّ؟): -بفتح الواو والهمزة للاستفهام-؛ أي: أتصيرُ النعمةُ عقوبة؟
(فرُئينا): براء مضمومة بعد الفاء ثم همزة مكسورة، ويروى:"فأرينا" أي: فظننا.
(فمسحَ عنه الرّحَضاء): -براء مضمومة فحاء مهملة مفتوحة فضاد معجمة فالف ممدودة-؛ أي: العرق الكثير.
(وإن مما ينبت الربيعُ): هو من الإسناد المجازي على رأي الشيخ عبد القاهر ومَنْ تابعه؛ إذ المسنَدُ إليه ملابسٌ للفعل، وليس فاعلاً حفيقياً له؛ إذ الفاعلُ الحقيقيُّ هو الله تعالى، والسَّكَاكيُّ يرى أن الإسناد (1) ليس مجازياً، وأن المجازَ في الربيع، فجعله استعارةً بالكناية على أن المراد به الفاعلُ الحقيقي بقرينة نسبة الإثبات إليه، والكلام في ذلك رداً وقبولاً مقررٌ في محله، فلا نطُول به.
(يقتل): أي: شيئاً يقتل، أو نباتاً يقتل.
فإن قلت: فيه حذف الموصوف، مع أن الصفة جملة، وبابُه عندهم الشعر؟
قلت: إنما ذاك حيثُ لا يكون الموصوف بعضاً من مجرورٍ بمن، أو في متقدمٍ؛ مثل:{وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 164]، ومثل قوله (2):
(1) في "ن": "أن الإنسان".
(2)
هو حكيم بن معية الربعي، كما تقدم عنه.
لَوْ قُلْتُ:
مَا في قَوْمِها لَم تيثم. . . يَفْضُلُها في حَسَبٍ وَميسَمِ
وقد وجد هذا الشرط في الحديث، فلا إشكال.
(أو يُلِمُّ): أي: يَقْرُب من القتل.
قال الزركشي: وهذا قد سقط منه شيء، وربما ذكره في كتاب الرقاق:"إِنَّ مِمَّا يُنْبتُ الرَّبيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً أَوْ يُلِمُّ"(1)(2).
قلت: هما طريقان ثبت في أحدهما لفظٌ معين، وفي الآخر لفظ، والمعنى (3) صحيح فيهما (4)، فلا يقال: سقط من أحد الطريقين ما ثبت في الآخر، بمعنى: أنه أمرٌ محتاج إليه؛ إذ الغرض أن كلاً منهما صحيح.
ثم قال: والحَبَطُ -بالحاء المهملة-: انتفاخُ البطن من داء يُصيب الآكِلَ من أكله، يقال: حبطت الدابةُ تحبطُ حَبَطًا: إذا أصابت مرعًى طيباً، فاطَّردتْ في الأكل حتى تنتفخ فتموت.
وروي بالخاء المعجمة؛ من التخبُّط، وهو الاضطراب.
قال الأزهري: وهذا الحديث إذا فُرق لم يكد (5) يُفهم، وفيه مثلان (6):
(1) رواه البخاري (6063) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
انظر: "التنقيح"(1/ 356).
(3)
"والمعنى" ليست في "ج".
(4)
"فيهما" ليست في "ج".
(5)
في "ن": "يكن".
(6)
في "ع": "مثالان".
أحدهما: المفرِطُ في جمع (1) الدنيا، ومنعِها عن صرفها في حقها، وهو ما تقدم.
والآخر: للمقتصد في أخذها، والانتفاع بها، وهو قوله:"إلا آكلةَ الخَضر"؛ فإن (2) الخضر (3) ليس (4) من أحرار البقول التي يُنبتها الربيع، ولكنها من الجَنَبَةِ، والجنبةُ: ما فوق البقل، و (5) دون الشجر التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم آكلة الخضر من المواشي مثلاً لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها، ولا يحمله الحرصُ على أخذها بغير حقها، فهو ينجو من وَبالها كما نجت آكلةُ الخضر، ألا تراه قال:"استقبلَتْ عينَ الشمسِ"؛ أي: إذا شبعتْ، تركت، فهي تستمري، وتثلط، فإذا ثلطت، زال منها الحبطُ، وإنما تحبط الماشية؛ لأنها لا تثلط ولا تبول (6).
(إِلَاّ آكلةَ الخضر (7)): أكثر (8) الروايات فيه هكذا بإلا الاستئنائية.
ويروى: "أَلا" -بتخفيف اللام وفتح الهمزة- على أنها استفتاحية، كأنه قال: ألا انظروا آكلةَ الخَضر، واعتبروا شأنها.
(1) في "ج": "جميع".
(2)
في "ج": "قال".
(3)
"فإن الخضر" ليست في "ن" و"ع".
(4)
في "ن"و "ع": "ليست".
(5)
"و" ليست في "ج".
(6)
انظر: "التنقيح".
(7)
في "ع": "الخضراء".
(8)
"أكثر" ليست في "ع".
والخَضرُ في أكثر الأحاديث والروايات (1) بكسر الضاد، كذا قال القاضي (2)، وهو ضرب من الكلأ، واحده خَضرَةٌ.
وروي: "الخُضَر"، بضم الخاء [وفتح الضاد، جمع خُضْرَة.
ويروى (3): "الخُضْر"، بضم الخاء] (4) وسكون الضاد-.
(حتى إذا امتدت خاصرتاها): أي: جنباها؛ يعني: حتى (5) امتلأت شبعاً، وعَظُمَ جنباها.
(استقبلت عينَ الشمس): لأن الحينَ الذي يتفق لها فيه الشبعُ، وامتدادُ الخاصرتين (6) هو الحينُ الذي تشتهي فيه الشمس.
(فثَلَطت): -بمثلثة ولام مفتوحة-؛ أي: ألقت السرقينَ سهلاً رقيقاً، كذا قيده الجوهري (7).
قال الزركشي: وقال السفاقسي: هي (8) بكسر اللام (9).
(1) في "ن": "أكثر الروايات".
(2)
انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 243).
(3)
في "ن" و "ج": "وروي".
(4)
ما بين معكوفتين غير واضح في "م"، وهو هكذا في "ع".
(5)
"حتى" ليست في "ع" و"ج"، وفي "ن":"حتى إذا".
(6)
في "ن": "الخاصرة".
(7)
قال الجوهري في "الصحاح"(3/ 1118)، (مادة: ث ل ط): ثلط البعيرُ: إذا ألقى بَعْرَه رقيقًا.
(8)
"هي "ليست في "ج".
(9)
انظر: "التنقيح"(1/ 357).
قلت: الذي (1) رأيته فيه: وثَلَطَت: ضبطه بعضهم بفتح اللام، وهو الذي سمعت (2) من الشيخ، وضبطه بعضهم: بكسرها.
(ورتَعَتْ): أي: اتَّسعت في المرعى الخِصْب (3).
(وإن هذا المالَ خضرةٌ حلوة): استدل به ابن الأنباري على أن المال (4) يؤنث، ورد بانه إنما أتى على التشبيه؛ أي: إن هذا المال كالبقلة الخضرة الحلوة.
قال ابن المنير: هذا الحديث أصلٌ كبير في قاعدة الورع، وهو يرفع الإشكال، ويرد الخلاف إلى الوفاق، وإنما اضطرب الناسُ فيه؛ لتعارض إطلاقات إجماعية، وذلك أن السلف رضي الله عنهم (5) - أطلقوا الورعَ في المباح، والآثار متظافرةٌ (6) على التقليل من الحلال، وأنه أسلَمُ، فهذا إطلاق، وحَدُّوا (7) المباحَ بانه ما استوى فعلُه وتركُه.
فقائل يقول: الجمعُ بين كونه مباحاً وبين دخول الورع فيه جمعٌ بين التسوية والأولوية، وهو (8) تناقض، فالتجأ إلى أن قال: لا ورعَ في المباح.
(1) في "ع": "والذي".
(2)
فى "ع" و"ج": "سمعته".
(3)
في "ن" و "ع": "والخصب".
(4)
"على أن المال" ليست من "ج".
(5)
"رضي الله عنهم" ليست في "ن".
(6)
في "ع": "متظاهرة".
(7)
في "ع": "وحد".
(8)
في "ع": "وهذا".
وقائل يقول: أطلق السلفُ الورعَ في المباح، فنفيه عنه (1) خلافُ الإجماع، لكنه لم يتخلص في سؤال التناقض.
والحقُّ: أن المباح يطلق على الفعل الذي سلمت العاقبةُ من أدائه إلى محظور، حتى يُفرض فيه أن الصادق قال لصاحبه: خيرتك فيه، فإنه لا يؤدي في حقك إلى محظور ولا مكروه، فهذا لا يختلفون أنه لا ورع فيه.
ويطلق أيضاً جِنْساً للأمر الذي إن سلمت العاقبة (2) فيه، فهو مباح، وإن أفضت فيه إلى خلاف المباح، فليس بمباح، فهذا الجنس مباحٌ باعتبار ذاته، غيرُ مباح على تقدير أدائه إلى خلافه، وفيه دخلَ الورع، وإليه الإشارة بقوله عليه السلام:"أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ زِينَةُ الدُّنْيَا"(3)؛ فإن زينة الدنيا هي جنس المباح، ومع ذلك خافها؛ لأدائها غالباً إلى خلاف المباح؛ من اعتيادِ حُب الإكثار، وحملِ العادة على الكسب من الحل والحرام.
ووقعت للسائل شبهةُ منكري (4) الورع؛ لأنه تعجَّب من كون الدنيا مباحةً وخيراً، ثم خافَ منها الشرَّ الذي هو المحظور، فتعجب من وصفها بالوصفين: الخيرِ والشرِّ، وذهل عن الحال والمال، حتى بينه عليه السلام بالمثال، وذلك أن الخصب خير، و (5) مفروح به بالقول المطلق،
(1) في "م" و"ج": "عن".
(2)
في "م": "المعاقبة".
(3)
رواه مسلم (1052) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(4)
"منكري" ليست في "ن".
(5)
"و" ليست في "ع".