الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وهو وهم بيِّن (1).
يريد: لأن الردَّ إنما يُستعمل في العَوْد، وإذا جازت الأولى، كانت الأخرى مبتدئةَ المرور، لا عائدة؛ بخلاف الطريقِ المشهورة، فإن الأخرى إذا جازت، ثم جازت الأولى، فجوازُها عَوْد ورَدٌّ، فيستقيم الكلام.
قال ابن المنير: وهو عندي مستقيم على الطريقين، وذلك أن الحديث وصف تكرار عقوبتها له مراراً لا يحصيها إلا الله، ومن المرة الثانية (2) فصاعداً يصدُق على الأخرى أنها رُدَّت عليه؛ لأنها في المرة الأولى قد جازت، وهي في الثانية، وهلم جَرًّا رادةٌ (3)، فأخبر في الطريق [المشهورة عن عبورها عليه في المرار كلِّها، وأخبر في الطريق الثانية](4) عمَّا بعدَ (5) المرة الأولى، واكتفى بالإخبار عن الأولى بقوله: تطؤه. . . إلى قوله: كما. والله أعلم.
باب: الزكاةِ على الأقارب
859 -
(1461) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مالكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عبد الله بْنِ أَبي طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكثَرَ الأَنْصَارِ بالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبَّ
(1) انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 23).
(2)
"الثانية" ليست في "ع".
(3)
في "ع": "زادة".
(4)
ما بين معكوفتين سقط من "ج".
(5)
في "ج": "بعده".
أموَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدخُلُها، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءَ فِيها طَيِّبٍ. قَالَ أَنسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ اللهَ تبارك وتعالى يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، وَإِنَّ أَحَبَّ أموَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وإنها صَدَقَة لِلَّهِ، أَرْجُو برها وَذُخْرَها عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعها يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَابحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابحٌ، وَقَد سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبينَ"، فَقَالَ أبو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَها أبو طَلْحَةَ فِي أقارِبهِ وبنيَ عَمِّهِ.
تَابَعَهُ رَوْحٌ. وَقَالَ يَحيَى بْنُ يَحيَى وَإِسْمَاعِيلُ، عَنْ مَالِكٍ:"رَايحٌ".
(كان أبو طلحةَ أكثرَ الأنصار بالمدينة مالاً): أكثرَ -بالنصب- خبر "كان".
قال الزركشي: ومالاً قيل: إنه منصوب على التمييز (1).
قلت: هو كذلك قطعاً، فلا معنى للتبرؤ من عهدته بالنقل، فمثلُه لا يخفى على الأصاغر، ولا يحتاج إلى الإسناد فيه إلى قائل معروف أو مجهول، وهل ذلك إلا بمثابة أن يقال في قولنا: قام زيد، قيل: إنه فاعل بقام؟! (وكان أحبَّ أمواله إليه بيرُحاء): قال القاضي: رواية الأندلسيين والمغاربة: بضم الراء في الرفع، وفتحها في النصب، وكسرها في الجر،
(1) انظر: "التنقيح"(1/ 354).
مع الإضافة أبداً إلى "حاء"، وجاء على لفظ الحاء من حروف المعجم، وكذا وجدته بخط الأصيلي (1).
قال ابن المنير: الرواية المصححة (2): "بَيرَحا (3) ": -بفتح الباء والراء والقصر-، كذلك صححها الباجيُّ على أهل المشرق؛ كأبي ذر، وغيره، وكذا ضبطه الصغاني (4)، فقال: بَيْرَحا على فَيْعَلَى؛ من البَراح: اسمُ أرضٍ كانت لأبي طلحة بالمدينة.
قال: وأهلُ الحديث يصحِّفونه (5)، ويقولون: بيرحاء، ويحسبون أنها بئر من آبار المدينة.
وكذا قال القاضي: هو حائط، ليس اسمَ بئر، والحديثُ يدل عليه (6).
(وكانت مستقبلةَ المسجد): أي مقابلة لمسجد رسول الله (7).
(فضعها يا رسولَ الله حيثُ أراكَ الله): قال ابن المنير: فيه جواز وكالة التفويض، وأن التصرفَ بمقتضى الوكالة قبولٌ، وإن لم يتلفظ بالقبول؛ خلافاً لبعضهم.
(بخ): قال الزركشي: كلمةُ تعجُّب، ومعناها تعظيمُ الأمر وتفخيمُه،
(1) انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 115).
(2)
في "ع": "الصحيحة".
(3)
"بيرحا" ليست في "ج".
(4)
في "ن": "الصاغاني".
(5)
في "ع": "يصحفونها".
(6)
انظر: "إكمال المعلم"(3/ 516).
(7)
في "ن""ع": "رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريبة منه".
وهو مبني على السكون (1)، كما سكنت اللام في هلْ وبَلْ، فإن (2) وُصِلَت، حُرِّكت، ونُونت، فقلت: بَخٍ بخٍ، وربما شددت (3).
قلت: (بخْ): من أسماء الأصوات الدالة على حال (4) في نفس المتكلم، وهي كلمة تقال عند الإعجاب والرضا بالشيء، وفيها لغات: سكون الخاء وكسرها مع التنوين [وتشديد الخاء مع التنوين](5) وعدمه، وتكرر للمبالغة، فيقال: بخ بخ، والأكثر حينئذ تخفيفُه وتنوينُه مكسورَ الخاء، وربما شُدِّدَ منونًا مكسوراً (6).
قال الشاعر -وقد جمعَها (7) -:
رَوَافِدُهُ أَكْرَمُ (8) الرَّافِدَاتِ
…
بَخٍ لَك بَخٍّ لِبَحْر خِضَمّ (9)
وحكى ابن السكيت: بَهِ بَهِ؛ بمعنى: بَخٍ بَخٍ.
(ذلك مال رابحٌ): -بالباء الموحدة-؛ أي: ذو رِبْح.
ويروى: بالهمزة؛ اسم فاعل من راح يروح؛ أي (10): إنه قريبُ
(1) في "ج": "أن السكون".
(2)
في "ج": "وإن".
(3)
انظر: "التنقيح"(1/ 355).
(4)
"حال" ليست في "ج".
(5)
ما بين معكوفتين سقط من "ج".
(6)
"مكسوراً" ليست في "ن" و"ع".
(7)
"وقد جمعها" ليس في "ع".
(8)
في "ج": "إكرام".
(9)
انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 418)، (مادة: ب خ خ).
(10)
"أي" ليست في "ن".
الفائدة يصل نفعُه إلى صاحبه كل رواح، لا يحتاج أن يتكلف فيه للمشقة والسير.
(وإني أرى أن تجعلها في الأقربين): ليس هذا مما يدل للبخاري على تبويبه؛ فإنه بَوَّبَ (1) على الزكاة على الأقارب، وهذا ليس (2) زكاة.
قال الزركشي: فإن أراد ذلك بالقياس (3)، أمكن (4).
قلت: فيه نظر ظاهر.
وقد استدل بعضهم بهذا على أن مرجعَ الحبسِ لأقرب الناس إلى المحبس.
ورده القاضي بأن أبا طلحة لم يقبل (5) تحبيسها أولاً، وإنما جعلها لله، ومقتضاه أن تباع لو شاء النبي صلى الله عليه وسلم ويصرف ثمنها لله (6).
قال ابن المنير: و (7) يجوز عندي أن يكون قَبلَ أصلَ التحبيس، وفَوَّض إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعيينَ المصرف (8)، وهو الظاهر.
قلت: إنما يكون هذا هو الظاهر أن لو كان (9) في لفظ أبي طلحة
(1) في "ن": "يؤد".
(2)
في "ع": "وليس هذا زكاة".
(3)
في "ن": "ذلك بذلك القياس".
(4)
انظر: "التنقيح"(1/ 355).
(5)
في "ع": "يبين".
(6)
انظر: "إكمال المعلم"(3/ 518).
(7)
"و" ليست في "ج".
(8)
"تعيين المصرف" ليست في "ج"، وفي "ن" و"ع":"المصروف".
(9)
في "ن": "كانت".
ما يرجح حملَه على الوقف (1)، وليس كذلك؛ فإن الذي ذُكر عنه في الحديث أنه قال:"وإنها صدقةٌ لله أرجو برَّها وذُخْرَها عندَ الله"، وذلك بمجرده ليس ظاهراً في التحبيس، فتأمله.
860 -
(1462) - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ، عَنْ عِيَاض بْنِ عبد الله، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدرِيِّ رضي الله عنه: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَوَعَظَ النَّاسَ، وَأَمَرَهُم بالصَّدَقَةِ، فَقَالَ:"أيها النَّاسُ! تَصَدَّقُوا"، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ:"يَا مَعشَرَ النِّسَاء! تَصَدَّقْنَ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أكثَرَ أَهْلِ النَّارِ". فَقُلْنَ: وَبمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ، أَذْهبَ لِلُب الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إحدَاكُنَّ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ". ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلهِ، جَاءَتْ زينَبُ امرَأة ابْنِ مَسْعُودٍ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هذِهِ زَيْنَبُ، فَقَالَ:"أَيُّ الزَّيَانِب؟ ". فَقِيلَ: امرَأة ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:"نَعَم، ائْذَنُوا لَها"؛ فَأُذِنَ لَها، قَالَتْ: يَا نبِيَّ اللَّهِ! إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بالصَّدَقَةِ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيّ لِي، فَأَردَتُ أَنْ أتصَدَّقَ بهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بهِ عَلَيْهِم، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بهِ عَلَيْهم".
(1) في "ع": "الوقوف".