الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صحَّ، لم يدل على خلاف قول مالك؛ لأن المشهور من مذهبه: جوازُ التعجيل قبل الحول بيسير، فلعل العباس لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم أن يعجِّلَ صدقته قبل محلِّها، كان ذلك بقرب الحول بشهر (1) فأَدنى، فلا دليلَ لهم فيه، وما يتخيل ورودُه في صدقة العام الثاني يندفعُ باحتمال أن يكونا مالين ذوي حولين متقاربين؛ مثل أن يكون حولُ أحدِهما يحلُّ قبلَ (2) المحرَّم، وحولُ الآخر يحل في الخامس منه، فعجل زكاة عامين لمالين (3):
أحدهما: قدمه قبل انقضاء حوله بخمسة أيام.
والآخر بعشرة (4) أيام.
والاحتمال في وقائع الأعيان كالإجمال في المقال، فيسقط بها الاستدلال.
باب: الاستعفافِ عنِ المسألةِ
866 -
(1469) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مالكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثيِّ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدرِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصَارِ سَألوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَعْطَاهُم، ثُمَّ سَألوه،
(1)"بشهر" ليست في "ج"، وفي "ن":"الشهر".
(2)
في "ج": "أول".
(3)
في "ن" و"ج" زيادة: "الخامس والعشرين من ذي الحجة فيصدق أنه عجل عامين لمالين".
(4)
في "ج": "بعشر".
فَأعطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ:"مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُم، وَمَنْ يَسْتعفِفْ، يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ، يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يتَصَبَّرْ، يُصَبرْهُ اللَّهُ، وَمَا أعطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ".
(حتى نفِد): بفاء مكسورة ودال مهملة.
(ما أُعطي أحدٌ): أحدٌ: نائب عن الفاعل.
(عطاءً): مفعوله الثاني.
(خيراً): صفة عطاء.
(وأوسعَ): عطف على "خيرًا (1) ".
(من الصبر): معمولٌ تنازعه عاملان، وأُعمل الثاني، وحُذف الأول (2)، وإنما أعطاهم لحاجتهم، ثم نبههم على موضع الفضيلة.
867 -
(1472) - وَحَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عبد الله، أَخْبَرَنَا يُونسٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسعَيدِ بْنِ الْمُسَيَّب: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعطَانِي، ثُمَّ قَالَ:"يَا حَكِيمُ! إِنَّ هذَا الْمَالَ خَضرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بسَخَاوَةِ نَفْسٍ، بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بإِشْرَافِ نَفْسٍ، لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ؛ كَالَّذِي يأكلُ وَلَا يَشبَعُ، الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى".
(1) في "ج": "خير".
(2)
في "ج": "من الأول".
قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ! لَا أَرْزَأُ أَحَداً بَعدَكَ شَيْئاً حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَدعُو حَكِيماً إِلَى الْعَطَاءَ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئاً. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشهِدكم يَا مَعشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ، أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هذَا الْفَيْءَ، فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ. فَلم يَرْزَأْ حَكِيم أَحَداً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تُوُفيَ.
(إن هذا المال (1) خَضرَةٌ حُلْوةٌ): سبق الكلام فيه.
لكن قال الزركشي هنا: تأنيثُ الخبر تنبيهٌ على أن المبتدأ مؤنث، والتقدير: أن صورة هذا المال، أو يكون التأنيث للمعنى؛ لأنه اسم جامع لأشياء كثيرة، والمراد بالخضرة: الروضة الخضراء، أو (2) الشجرة الناعمة، والحلوة: المستحلاة الطعم (3).
قلت: إذا كان قوله: "خضرة" صفةً لروضة، أو (4) المراد بها نفس الروضة الخضراء، لم يكن ثَمَّ إشكال ألبتة، وذلك أن توافق المبتدأ والخبر في التأنيث إنما يجب إذا كان الخبر صفة مشتقة غير سببية (5)؛ نحو: هند حسنة، أو في حكمها (6)؛ كالمنسوب، أما في الجوامد؛ فيجوز؛ فحو:
(1)"المال" ليست في "ن".
(2)
في "ج": "و".
(3)
انظر: "التنقيح"(1/ 358).
(4)
في "ج": "و".
(5)
في "ن": "سببه".
(6)
في "ن": "حكمتها".
هذه الدار مكان طيب، وزيدٌ نسمةٌ عجيبة.
(فمن أخذه بسخاوة نفس): أي: بطيب نفسٍ من غير حرصٍ عليه.
قال الداودي: يَحتمل سخاوةَ نفس المعطي، ويَحتمل الآخذ، وكذا قوله:"بإشراف نفس".
(ومن أخذه بإشراف نفس): أي: متلبساً (1) بطلب النفس، وحرصِها عليه، وتطلّعِها إليه.
والحكمة في كون إشرافِ النفس مانعاً من الأخذ؛ الخوفُ على الآخذ حينئذٍ من خُلقه وطبعه أن يأخذ ولا يصرف في الوجه، ويستكثر، أما الذي يأخذه على غير ذا الوجه، فالظنُّ به سهولةُ الصرف عليه، وسخاوةُ النفس بإنفاقه في وجهه.
(لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً): أرزأ: -بفتح الهمزة وتقديم الراء الساكنة على الزاي مفتوحة ثم همزة- مضارعُ رَزَأْتُ؛ أي: نَقَصْتُ؛ أي: لا أنقصُ أحداً بعدَك شيئاً من المال، والمعنى: أنه لا يأخذ من أحد بعدَه شيئاً.
(ثم إن عمر دعاه ليعطيه (2)، فأبى أن يقبل منه شيئاً): ومع ذلك، فلم يجبره (3) عمر على القبول، فتوهم بعضُ الناس أن هذا يدل على خلاف مذهب مالك، وذلك أن مالكاً رحمه الله يقول: من كان له على رجل دَيْن (4)؛ من بيع، أو سلف، ونحوه، فدعاه (5) المِدْيانُ للقبض، فأبى،
(1) في "ج": "مكتسباً".
(2)
في "ج": "ليطيعه".
(3)
في "ج": "يجبر".
(4)
في "ج": "على دين رجل".
(5)
في "ج": "فدعى".
فالحاكمُ يُجبره على القبض؛ تخليصاً لذمة المديان، وحملاً للمنَّةِ عنه، وهذا عنده بخلاف ما وجب لعارِيَّةٍ غابَ (1) عنها، فادعى المستعيرُ ضياعَها، ودُعي لقبض القيمة، فأبى المعيرُ، قال مالك: لا يُجبر.
و (2) قال ابن المنير: والفرقُ عنده: أن دينَ المعاملة قد دخل (3) كلاهما (4) بمقتضى العقد (5) على الوفاء والاستيفاء؛ بخلاف قيمة العاريَّة، فإنه لم يدخل معه على الاستهلاك، وإنما جاء عارضاً، وعلى هذا التعليل لو استهلك له الغاصب سلعة رأيَ العين، لم يلزمه قبولُ العوض؛ لأنه المورِّطُ لنفسه، ومنهم من علل مسألة العارية: بأن المستعير ضمن ضمان تهمة، ولهذا له (6) أن يقول: ما أتهمك (7)، فلا يتناول هذا مسألة الغصب. إذا تقرر هذا، فالعطاء ليس ديناً (8) لحكيمٍ (9) على عمرَ، ويكفيك تسميتُه عطاء، فلا يلزم من عدم إجباره على قبوله أن لا يجبر في الديون، وهو واضح.
(فقال عمر (10): إني أشهدكم -يا معشر المسلمين- على حكيمٍ أني
(1) في "ن": "يغاب".
(2)
"و" ليست في "ن" و"ج".
(3)
في "ج": "حل".
(4)
في "ج": "كل منهما".
(5)
في "ج": "العقل".
(6)
له "ليست في "ن" و"ج".
(7)
في "ج": "ما اتهمتك".
(8)
في "م""ع": "دين".
(9)
في "ج": "لحكم".
(10)
"عمر" ليس في "ع".