الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتابُ التَّهَجُّدِ
باب: التَّهَجُّدِ بِاللَّيْلِ
وَقوله عز وجل: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79](باب: التهجد بالليل): التهجُّد من الأضداد، وكذا الهجود.
قال الجوهري: يقال: هَجَدَ، وتَهَجدَ؛ أي: نام ليلًا، وهَجَدَ وتَهَجدَ؛ أي: سهر (1).
والمرادُ هنا: السهر.
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} : قيل: إنما خص بذلك؛ لأنها كانت فريضةً عليه، ولغيره تطوع، فقيل: أقمها (2) نافلة لك (3)، ويروى هذا عن (4) ابن عباس (5).
وقال مجاهد: لم يكن فعلُه ذلك يكفِّرُ عنه شيئًا؛ لأنه قد كان غُفر له
(1) انظر: "الصحاح"(2/ 555)، (مادة: هجد).
(2)
في "ن" و "ع": "أتمها".
(3)
"لك" ليست في "ن".
(4)
"عن" ليست في "ج".
(5)
رواه الطبري في "تفسيره"(15/ 142).
ما تقدم (1) وما تأخر، فكان نافلةَ فضلٍ وزيادة (2).
واعترضه الطبري: بأنّه عليه السلام كان أشدَّ استغفارًا لربه بعدَ نزول قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} [الفتح: 2]؛ لأنها (3) نزلت بعد منصرَفِهِ من الحديبية، ونزل:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]، عامَ قُبضْ.
وقيل له فيهما: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3]، فكان بَعْدُ (4) يستغفرُ الله في المجلس الواحد مئة مرة، ومعلومٌ أن الله لم يأمره أن يستغفر إلا مما يغفره له باستغفاره (5).
قال ابن المنير رحمه الله: قولُ مجاهد صحيح، والطبريُّ (6) لم يورده على مقصوده، وذلك أن مجاهدًا جرى فعلُه على القواعد العقلية القطعية؛ فإن التكاليف تستدعي الوعدَ والوعيدَ، ولا يُتصور ذنبٌ عقلًا إلا (7) بوعيد، ولو فرضنا أن السيد قال لعبده: لا تفعلْ كذا، وإن فعلتَ (8)، فلا جُناحَ عليكَ ولا حرجَ؛ لاستحالت (9) حقيقةُ النهي، واختلطت بالإباحة،
(1) في "ع" زيادة: "من ذنبه".
(2)
رواه الطبري في "تفسيره"(15/ 143).
(3)
في "ج": "ما لأنها".
(4)
"بعد" ليست في "ع".
(5)
انظر: "تفسير الطبري"(15/ 143).
(6)
"والطبري" ليست في "ع".
(7)
في "ن": "لا".
(8)
في "ن" و"ع": "فعلته"، وفي "ج":"وإن فعلت كذا".
(9)
في "ج": "لاستحالة".
فعلى هذا يشكل الجمعُ بين التصريح (1) بالمغفرة لكلِّ شيء يقعُ من المكلف مع تكليفه (2) الإيجابَ والنهي.
ويتعين أن يكون المرادُ بقوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2]، الإعلامَ بأنّه موسع عليه، ولا حرجَ يلحقُه في شيء، غير أن الله (3) تعالى علمَ أن نبيه لا يفعل إلا ما أمر (4) الله به، ولا يرتكب شيئًا مما نهَى عنه، فيرجع [التكليفُ (5) إلى الأمة، وتكون](6) التكاليفُ كلُّها في حقِّ الرسول قرةَ عينٍ وإلهامَ طبعٍ، وتكون صلاته في الدنيا مثلَ تسبيح أهل الجنة في الجنة، ليس على وجه الكلفة ولا التكليف، هذا كله يتفرع على طريقة إمام الحرمين.
وأما على (7) طريقة القاضي حيث يقول: لو أوجب الله شيئًا، لوجب، وإن لم يكن (8) وعيد، فلا يمتنعُ حينئذٍ بقاءُ (9) التكاليف في حقه عليه السلام على ما كانت عليه مع طمأنينته من ناحية الوعيد (10)، وعلى كلا
(1) في "ع": "الصريح".
(2)
في "ن" و"ع": "تكليف".
(3)
في "ج": "غير الله، أن الله".
(4)
في "ع": "أمره".
(5)
في "ع": "التكاليف كلها".
(6)
ما بين معكوفتين سقط من "ج".
(7)
"على" ليست في "ج".
(8)
في "ج": "لم يمكن".
(9)
في "ج": "في بقاء".
(10)
في "ن": "الوعد".
التقديرين، فهو معصوم، ولا ذَنْبَ ولا عَتْبَ (1).
وقول الطبري: إنما يُستغفر مما (2) يوجب الاستغفار، ليس بمستقيم؛ فإنَّه تعريضٌ بوقوع (3) الذنب، وإنما الحقُّ أن الاستغفار تعبدٌ على الفرض والتقدير؛ أي: أَستغفرُك لما (4) عساه (5) أن يقع لولا عصمتُك (6) إياي، ولهذا تأول كثير من العلماء قوله تعالى:{مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} [الفتح: 2] على أنَّه ذنب آدمَ، {وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] على أنَّه ذنب الأمة، ولهم فيه وجوهٌ كلها تحوم على اعتقاد (7) العصمة، وعدم تحقيق الذنب.
وأما قوله عليه السلام: "اغفِرْ لِي خَطايايَ وجَهْلي وكلُّ ذَلِكَ عِنْدِي"(8)، فالتحقيق فيه: أن يكون ذلك فرضًا وتقديرًا، كأنه قال: وكلّ ذلك عندي لولا عصمتُك إياي، وأنا مع العصمة، فلا وَصمةَ. والله أعلم.
* * *
683 -
(1120) - حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ، قَالَ: حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ طاوُس: سَمِعَ ابْنَ عَبّاس -رَضِيَ اللهُ
(1)"ولا عتب" ليست في "ن".
(2)
في "ع": "بما".
(3)
في "ن"و "ع": "لوقوع".
(4)
في "ج": "كما".
(5)
في "ع": "عسى".
(6)
في "ج": "يقع لولاية عصمتان".
(7)
"اعتقاد" ليست في "ن".
(8)
رواه البخاري (6398) عن أبي موسى رضي الله عنه.
عَنْهُما- قَالَ: كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذا قامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ، قَالَ:"اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّماواتِ والأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّماواتِ والأرضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، نُورُ السَّمَواتِ والأَرضِ، ولكَ الحَمْدُ، أَنْتَ الحقُّ، وَوَعْدُكُ الحقُّ، ولِقاؤُكَ حَقٌ، وقَوْلُكَ حَقّ، والجنَّةُ حَقّ، والنّارُ حَقّ، والنَّبِيُّونَ حَقّ، ومُحَمَّد صلى الله عليه وسلم حَقّ، والساعَةُ حَقٌّ، اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنبتُ، وَبِكَ خاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حاكمْتُ، فاغْفِر لِي ما قَدَّمْتُ وَما أَخّرتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَوْ: لا إِلَهَ غَيْرُكَ".
قَالَ سُفْيانُ: وَزادَ عَبْدُ الْكَرِيم أبُو أُمَيّةَ: "وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ".
قَالَ سُفْيانُ: قَالَ سُلَيْمانُ بْنُ أَبي مُسْلِم: سَمِعَهُ مِنْ طاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
(أنت قَيِّمُ السموات والأرض): أي: الدائمُ القيامِ بتدبيرهنَّ، وتدبيرِ ما فيهنَّ، وحفظِ ذلك، يقال فيه: قَيِّم وقَيّام وقَيُّوم.
(نور السموات (1): أي: منوِّرُها، أو مبرئها من العيوب من قول العرب: امرأة منورة: مبرأةٌ من كلِّ ريبةٍ.
(أنت الحقُّ): هو اسم من أسمائه، وصفةٌ من صفاته، ومعناه: المتحقِّقُ وجودهُ، [وكلُّ شيء ثبتَ وجودُه](2) وتحقَّقَ، فهو حق، وهذا
(1) في "ع": "السموات والأرض".
(2)
ما بين معكوفتين سقط من "ج".
الوصفُ للربّ جل جلاله بالحقيقة والخصوصية لا ينبغي لغيره؛ إذ وجودُه بذاته (1) لم يسبقه عدمٌ، ولا يلحقُه عدم (2)، ومن عداه ممن (3) يقال فيه ذلك، فهو (4) بخلافه.
(ووعدُك الحقُّ): أي: الأمرُ المتحقق، فما (5) يدخله خلفٌ ولا شكّ في وقوعه وتحققه.
(ولقاؤك حَقٌّ): أي: رؤيتك في الدار الآخرة حيث لا مانع؛ كما في حق الكفار والمنافقين، أو لقاءُ جزائك لأهل السعادة والشقاوة.
قال السهيلي: دخلت الألفُ واللام في (6)"أنت الحقُّ"؛ للدلالة على أنَّه المستحقُّ لهذا الاسم بالحقيقة، إذ هو مقتضى هذه الأداة، وكذا في وعدك الحق؛ لأنَّ وعده كلامه، وتركت في الجنة والنار واللقاء (7)؛ لأنها أمورٌ محدَثة، والمحدَثُ لا يجب (8) له البقاء من جهة ذاته، وبقاء ما يدوم منه علم بالخبر الصادق، لا (9) من جهة استحالة فنائه (10).
(1) في "ج": "لغيره إذ وجود كل شيء يتثبت بذاته".
(2)
في "ن": "ندم".
(3)
في "م" و"ن": "مما".
(4)
"فهو" ليست في "ن".
(5)
في "ن": "فلا".
(6)
"في" ليست في "ن".
(7)
"واللقاء" ليست في "ج".
(8)
في "ج": "لا يوجب".
(9)
في "ج": "ولا".
(10)
انظر: "الروض الأنف"(2/ 155).
قلت: يرد عليه قوله في هذا الحديث: "وقولك حقٌ"، مع أن قولَه: كلامُه القديم، فينظر وجهه.
(لك أسلمتُ): أي: انْقَدتُ لحكمِك وسلَّمْتُ.
(وبك آمنتُ): أي: صدَّقت بك وبما أنزلت.
(وعليك توكلت): تبرأَ إليه من الحول والقوة، وصرفَ أُموره (1) كلَّها إليه.
(وإليكَ أَنبت): أقبلْت.
(وبكَ خاصمْت): أي: بما آتيتني من البراهين احتججْت.
(وإليك حاكمْت): أي (2): كل من أبى من (3) قبول ما جئت به (4) من طلب الإيمان وفعل الحق.
(أنت المقدِّمُ والمؤخِّرُ): قال المهلب: يعني: أنَّه قدَّم في البعث إلى الناس غيره عليه السلام؛ كقوله (5): "نَحْنُ الآخِرُونَ السّابِقُونَ"(6)، ثمَّ قدمه عليهم (7) يوم القيامة بالشفاعة، وبما (8) فضله به، فسبق بذلك الرسل عليهم السلام.
(1) في "ع": "الأمور".
(2)
"أي" ليست في "ع".
(3)
في "ع": "عن".
(4)
"به" ليست في "م".
(5)
في "ع": "لقوله".
(6)
تقدم برقم (238) عند البخاري.
(7)
في "ج": "عليه".
(8)
في "ع": "وربما".