الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفطرة، ومعنى:"الله أعلم بما كانوا عاملين": أنه علم أنهم لا يعملون ما يقتضي تعذيبَهم ضرورةَ أنهم غيرُ مكلفين.
فإن قلت: بماذا يتعلق إذ من قوله: "إذ خلقهم"؟
قلت: بمحذوف؛ أي: علم ذلك إذ خلقهم، والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر، ولا يصح تعلقها بأفعلِ التفضيل؛ لتقدمها عليه، وقد يقال بجوازه مع التقدم؛ لأنه ظرف، فيتسع فيه.
805 -
(1384) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يزِيدَ اللَّيْثِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَن ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكينَ، فَقَالَ:"اللَّهُ أَعْلَمُ بمَا كانوُا عَامِلِينَ".
(ذراريِّ المشركين): أي: أولادهم الذين (1) لم يبلغوا الحلم، وهو بذال معجمة وياء مشددة: جمعُ ذُريَّة.
باب
806 -
(1386) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُندَبٍ، قَالَ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلَاةً، أَقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ، فَقَالَ:"مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤيا؟ ". قَالَ:
(1)"الذين" ليست في "ع".
فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ، قَصَّهَا، فَيَقُولُ:"مَا شَاءَ اللَّهُ". فَسَأَلنا يَوْماً، فَقَالَ:"هلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ ". قُلْنَا: لَا، قَالَ:"لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتيَانِي فَأَخَذَا بيَدِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْض الْمُقَدَّسَةِ، فَإِذَا رَجُل جَالِسٌ، وَرَجُل قَائِمٌ بيَدِهِ كَلُّوب مِنْ حَدِيدٍ". قَالَ بَعْضُ أَصحَابنَا عَنْ مُوسَى: "إِنَّهُ يُدخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بشِدقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدقُهُ هذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنعُ مِثْلَهُ. قُلْتُ: مَا هذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى أتيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجعٍ عَلَى قَفَاهُ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بفِهْرٍ، أَوْ صَخْرَةٍ، فَيَشْدَخُ بهِ رَأْسَهِ، فَإِذَا ضَرَبَهُ، تَدَهْدَه الْحَجَرُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ، فَلَا يرْجِعُ إِلَى هذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ، وَعَادَ رَأْسُهُ كمَا هُوَ، فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ، قُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ، أَعْلَاهُ ضَيِّق، وَأَسْفَلُهُ وَاسع، يتَوَقَّدُ تَحتَهُ نَاراً، فَإِذَا اقْتَرَبَ، ازتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ، رَجَعُوا فِيها، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنسَاءٌ عُرَاةٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى أتيْنَا عَلَى نهرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ، عَلَى وَسَطِ النَّهرِ رَجلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، رَمَى الرَّجُلُ بحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ، رَمَى فِي فِيهِ بحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى انْتَهيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فِيها شَجَرَةٌ عَظِيمَة، وَفِي أَصلها شَيخٌ وَصِبْيَانٌ، وَإذَا رَجُل قَرِيب مِنَ الشَّجَرَةِ، بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقدُها، فَصَعِدَا بي فِي الشَّجَرَةِ، وَأَدخَلَانِي داراً، لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْها، فِيها رِجَالٌ شُيُوخٌ، وَشَبَابٌ وَنسَاء وَصِبْيَانٌ، ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْها، فَصَعِدَا بي الشَّجَرَةَ، فَأدخَلَانِي داراً، هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، فِيها شُيُوخٌ وَشَبَابٌ، قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ، فَأَخْبرَانِي عَمَّا
رَأَيْتُ. قَالَا: نَعم، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدقُهُ، فَكَذَّابٌ، يُحَدِّثُ بالْكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخ رَأْسُهُ، فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ باللَّيْلِ، وَلَم يَعْمَلْ فِيهِ بالنَّهارِ، يُفْعَلُ بهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْب، فَهُمُ الزُّنَاةُ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهرِ آكلُو الرِّبَا، وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاسِ، وَالَّذِي يُوقدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، وَالدَّارُ الأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ دارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا هذه الدَّارُ، فَدَارُ الشُّهدَاءَ، وَأَنَا جِبْرِيلُ، وَهذَا مِيكَائِيلُ، فَارفَع رَأْسَكَ، فَرَفَعتُ رَأْسِي، فَإِذَا فَوْقي مِثْلُ السَّحَاب، قَالَا: ذَاكَ مَنْزِلُكَ، قُلْتُ: دَعَانِي أَدخُلْ مَنْزِلي، قَالَا: إِنَّهُ بقِيَ لَكَ عُمرٌ لَمْ تَسْتكْمِلْهُ، فَلَوِ اسْتكْمَلْتَ، أتيْتَ مَنْزِلَكَ".
(فإذا رجل جالس): برفع "جالس"، ويجوز نصبه، وقد مر له نظائر.
(كَلُّوب من حديد): بفتح الكاف وتشديد اللام، قال الجوهري: هو المِنْشال (1) ذلك الكُلَاّب، والجمعُ الكلاليب (2).
وقال ابن بطال: الكَلُّوب: خشبة في رأسها عُقافة (3).
قلت: لا يتأتى تفسيرُ ما في الحديث بهذا (4)؛ لتصريحه فيه بأنه من حديد
(1) في جميع النسخ: "المنشار"، والصواب ما أثبت.
(2)
انظر: "الصحاح"(1/ 214)، (مادة: كلب).
(3)
انظر: "شرح ابن بطال"(3/ 374).
(4)
في "ع": "هذا".
(في شِدقه): بكسر الشين المعجمة وإسكان الدال المهملة.
(بفِهْر): -بكسر الفاء وإسكان الهاء-: هو الحجر ملء الكف.
(فيشدخ به رأسه): أي: يكسر (1).
قال الجوهري: الشَّدْخُ: كسرُ الشيءِ الأجوفِ، تقول (2): شَدَخْتُ رأسهُ فَانْشَدخَ (3).
ويَشدَخ (4): بفتح الياء (5) والدال.
(تَدَهْدَة الحجرُ): أي: تدحرج.
(إلى نَقْب (6)): -بنون مفتوحة فقاف ساكنة-: مثل الحفيرة.
(يتوقد تحتُه ناراً): رأيته في نسخة -بضم التاء (7) الثانية (8) من "تحته"(9)، وصحح عليها، وكان هذا (10) بناء على أن "تحته" فاعل "تتوقد"،
(1) في "ن" و"ع": "يكسره".
(2)
في "ج": "يقال".
(3)
انظر: "الصحاح"(1/ 424)، (مادة: شدخ).
(4)
"ويشدخ" ليست في "ج".
(5)
في "ع": "التاء".
(6)
كذا في رواية الكشميهني وأبي ذر، وفي اليونينية:"إلى ثقب"، وهي المعتمدة في النص.
(7)
في "ن": "بضمة على التاء".
(8)
في "ع" و"ج": "والثانية".
(9)
في "ع": "من تحت".
(10)
في "ج": "عليها وهذا".
ونصوصُ أهل العربية تأباه؛ فقد صرحوا بأن فوق وتحت من الظروف المكانية العادمة (1) للتصرف، فينبغي تحريرُ الرواية في ذلك.
وكلام ابن مالك صريحٌ في أن "تحته" منصوب لا مرفوع، وذلك (2) لأنه قال (3): نُصب (4)"ناراً" على التمييز، وأسند "يتوقد" إلى ضمير عائد إلى النقب، والأصل:"تتوقد نارُه تحتَه".
قال (5): ويجوز أن يكون فاعل "تتوقد" موصولاً بتحته، فحذف، وبقيت صلته دالة عليه؛ لوضوح المعنى، والتقدير: يتوقد (6) الذي تحته، أو ما تحتَه ناراً، وهو مذهب الكوفيين والأخفش، واستصوبه (7) ابنُ مالك، واستدل عليه بأمور قدرها في "التوضيح" وغيره، فلينظر هناك (8).
(فإذا فترت): كذا وقع في رواية الشيخ أبي الحسن؛ من الفتور، وهو الانكسار والضعف، واستشكل بأن بعده:"فإذا خمدت، رجعوا"، ومعنى الفتور والخمود (9) واحد، ولأبي ذر:"أَفترت" بهمزة قطع وفاء.
قال ابن المنير: وصوابه: قَتَرت، بالقاف.
(1) في "ع": "العادة".
(2)
"وذلك" ليست في "ع".
(3)
"قال" ليست في "ع".
(4)
في "ن": "قد نصب".
(5)
"قال" ليست في "ع".
(6)
"يتوقد" ليست في "ع".
(7)
في "ج": "واستصوابه".
(8)
انظر: "شواهد التوضيح"(ص: 75).
(9)
في "ن": "الخمود والفتور".
قال السفاقسي: ومعناه: التهبت، وارتفع فُوارُها (1)؛ لأن القَتَرَ: الغبار.
(فإذا خَمَدت): -بفتح الخاء المعجمة والميم- تَخْمُد -بضمها- خُموداً: سَكن لهبها، ولم يطفأ جمرها.
(فجعل كما جاء ليخرج، رمى في فِيهِ بحجر): فيه وقوع خبر "جعل" التي هي من أفعال (2) المقاربة جملة فعلية مصدرة (3) بكلما (4)، والأصلُ فيه أن يكون فعلاً مضارعاً، تقول: جعلتُ أفعلُ، هذا هو الاستعمال المطَّرد، وما جاء بخلافه فهو منبهٌ على أصل متروك، وذلك (5) أن سائر أفعال المقارية مثل كان في الدخول على مبتدأ وخبر (6)(7)، فالأصلُ أن يكون خبرها كخبر كان في وقوعه مفرداً، وجملة (8) اسمية وفعلية، وظرفاً، فترك الأصل، والتزم كون الخبر مضارعاً، ثم نبه على الأصل شذوذاً في مواضع.
(قلت: طَوّفتماني): -بطاء مفتوحة وواو مشددة ونون قبل الياء-، ويروى:"طَوَّفْتُمَا بي" بباء الجر عوض النون، يقال: طَوَّفَ الرجلُ
(1) في "ج": "وهاؤها".
(2)
في "ج": "الأفعال".
(3)
في "ن": "مصدرية".
(4)
في "ج": "كلما".
(5)
في "ع": "وكذلك".
(6)
في "ع": "المبتدأ والخبر".
(7)
"مبتدأ وخبر" ليست في "ن".
(8)
في "ع": "جملته".
- قاصراً (1) -: إذا (2) أكثر من الطواف.
قال الشاعر: [من الوافر]
أُطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِي
…
إِلَى بَيْت قَعِيدَتُهُ لَكَاعِ (3)
ويقال: طَوَّفْتُه أنا، متعدياً.
(الذي رأيته يشق رأسه، فكذاب): الأغلبُ في الموصول (4) الذي تدخل الفاء في خبره أن يكون عاما، وصلتُه مستقبلة، وقد يكون خاصاً، وصلتُه ماضية؛ كما في قوله تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 166]، وكما في هذا الحديث.
(بالكِذبة): قال الزركشي: بكاف مكسورة (5).
(فتحمَل عنه): بميم مخففة.
قال الزركشي: وقيل: مشددة (6).
(والذي رأيته في النقب (7)، فهم الزناة): قد يشكل الإخبار عن الذي بقوله: "هم الزناة"، لاسيما والعائد على الذي من قوله:"والذي (8) رأيته"
(1)"قاصراً" ليست في "ن".
(2)
في "م" و"ج": "إذ".
(3)
البيت للحطيئة.
(4)
في "ع": " بالوصول".
(5)
انظر: "التنقيح"(1/ 331).
(6)
انظر: "التنقيح"(1/ 331).
(7)
نص البخاري: "الثقب".
(8)
"والذي" ليست في "ج".
لا يخفى (1) كونه مفرداً، وقد يجاب: بأن المعنى: والفريق الذي رأيته في النقب، فهم الزناة، فروعي اللفظ تارة، والمعنى أخرى.
وبهذا يجاب أيضاً عن قوله: "وَالذي رأيتَه في النهر آكلو الربا".
(والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم صلى الله عليه وسلم): أي: والشيخ الكائن في أصل الشجرة؛ فإن الظاهر كونُ الظرف -أعني: في الشجرة- صفةً للشيخ، فيقدر عاملُه اسماً معرفاً لذلك (2) رعايةً لجانب المعنى، وإن كان المشهور تقديره فعلاً أو اسماً منكَّراً، لكن ذاك إنما هو حيث لا مقتضى (3) للعدول عن التنكير، والمقتضى هنا قائم؛ إذ لا يجوز أن يكون ظرفاً لغواً معمولاً للشيخ؛ إذ لا معنى له أصلاً، ولا أن يكون ظرفاً مستقراً حالاً من الشيخ؛ إذ الصحيح امتناعُ وقوع (4) الحال من المبتدأ، ولك أن تجعل الظرف المستقر (5) صلة لموصول محذوف على مذهب الكوفيين والأخفش، كما مر آنفاً.
(والصبيانُ حوله، فأولادُ الناس): هذا موضع ترجمة البخاري؛ فإن الناس عامٌّ يشمل المؤمنين وغيرَهم، والكلام في متعلق (6) الظرف -أعني: حوله- كما تقدم، والفاء زائدة في الخبر، ومثله مقيسٌ عند الأخفش.
(1) في "ع": "رأيته ربما يحقق".
(2)
في "ع ": "كذلك".
(3)
في "ج": "يقتضي".
(4)
في "ع": "وقول".
(5)
في "ن": "مستقراً".
(6)
في "ج": "تعليق".