المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عبد الكريم الحميد ومنصور النقيدان: - معجم أسر بريدة - جـ ٤

[محمد بن ناصر العبودي]

فهرس الكتاب

- ‌(باب الحاء)

- ‌الحامِد:

- ‌الحامد:

- ‌تزويج البنت:

- ‌ترجمة الدكتور عبد الله الحامد:

- ‌الحْبَلْيَنْ:

- ‌الحبيب:

- ‌الحبيب:

- ‌‌‌الحْبَيِّب:

- ‌الحْبَيِّب:

- ‌‌‌الحبيتر:

- ‌الحبيتر:

- ‌الحجاج:

- ‌الحجيلان:

- ‌وقف لقوت بنت حجيلان:

- ‌الحجيلان:

- ‌الحجيلان:

- ‌وصية حجيلان العمير:

- ‌الحجيلاني:

- ‌الحجيلاني:

- ‌الحَجِّي:

- ‌ الحجي

- ‌الحْدَيب:

- ‌الحديثي:

- ‌ الحديثي

- ‌إبراهيم بن صالح بن محمد الحديثي (أبو صالح):

- ‌الحْذِنِّي:

- ‌الحربي:

- ‌الحر:

- ‌الحْرَيِّص:

- ‌وثائق للحريِّص:

- ‌الحريول:

- ‌الحَزاب:

- ‌الحْزَاب:

- ‌الحِزِّه:

- ‌الحْزَيمي:

- ‌الحْسَاوي:

- ‌‌‌الحَسَنَ:

- ‌الحَسَنَ:

- ‌كرامة ثانية:

- ‌من مناقب الصالحين وكرامات الله:

- ‌الحَسَنَ:

- ‌‌‌الحَسَن:

- ‌الحَسَن:

- ‌الحَسَن:

- ‌الحَسْن:

- ‌الحسن:

- ‌الحْسِني:

- ‌فهد بن عبد الله بن عبد الكريم الحسني (أبو محمد):

- ‌العجوز التي طردت الفقر:

- ‌الحَسُّون:

- ‌وثيقة قديمة متطابقة في الاسم:

- ‌وثائق فيها ذكر الحسون:

- ‌الحَسُّون:

- ‌‌‌الحْسَيَّان:

- ‌الحْسَيَّان:

- ‌الحسيكا:

- ‌(مسجد صالح الحسيكا

- ‌الأئمة:

- ‌الحْسَيْن:

- ‌نماذج من خط الشيخ عبد الله بن حسين الصالح:

- ‌عودة إلى كتابات الشيخ عبد الله الحسين الصالح:

- ‌معرفتي بالشيخ محمد بن عبد الله الحسين:

- ‌توليه القضاء في بريدة:

- ‌عبد الله بن الشيخ محمد الحسين:

- ‌ الحسين

- ‌أيام في مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون:

- ‌الحسين:

- ‌الحسين:

- ‌الحسين:

- ‌الحْسَيْنَان:

- ‌الحسيني:

- ‌الحْصَان:

- ‌وثائق أسرة الحصان:

- ‌الحْصَان:

- ‌الحْصَيْص:

- ‌الحْصَيِّن:

- ‌وثائق لأسرة الحصين:

- ‌وصية عبد الله بن محمد الحصين:

- ‌عود إلى الحديث عن الأستاذ علي الحصين:

- ‌صديقي الشيخ علي بن عبد الله الحصيِّن:

- ‌بعد وفاة علي الحصيِّن:

- ‌رثاء الأستاذ علي الحصين:

- ‌رسائل أدبية متبادلة:

- ‌(بشرى بعد إخفاق)

- ‌بشرى أخرى سارة:

- ‌حركة شيخنا وسياسته:

- ‌أعمال المملكة نحو فلسطين بمناسبة الحوادث الأخيرة:

- ‌اجتماعيات:

- ‌إشاعات وأكاذيب ملفقة:

- ‌رسالة الأستاذ علي الحصين إلى المؤلف:

- ‌حوادث محلية:

- ‌رسالة أخرى من الأستاذ الحصين:

- ‌ الحصين

- ‌‌‌الحْصَيِّن:

- ‌الحْصَيِّن:

- ‌الحْصَيْنِي:

- ‌نماذج من مداينات الحصيني:

- ‌مرقب الحصيني:

- ‌وصية سند الحصيني:

- ‌وصية إبراهيم بن عبد الله بن سند (الحصيني):

- ‌شعراء من أسرة الحصيني:

- ‌الحْفَيْتِي:

- ‌أولاد وزوجة صالح الحفيتي:

- ‌الحْفَيْر:

- ‌تعليق:

- ‌وثائق للحفير:

- ‌الحِلوة:

- ‌شعر وعقد ورود:

- ‌أملاك الحلوة:

- ‌الحْلَيْسِي:

- ‌تطور السعودية والعقيلات:

- ‌الحْلَيْل:

- ‌الحَمَّاد:

- ‌الحَمَّاد:

- ‌الحمَّاد:

- ‌نسب الأسرة:

- ‌الشيخ صالح بن محمد الحماد إلى رحمة الله:

- ‌وثائق للحماد أهل العريمضي:

- ‌وثيقة أخرى:

- ‌الحَمَادَي:

- ‌الحمادى:

- ‌‌‌الحَمَدْ:

- ‌الحَمَدْ:

- ‌الحَمْدَان:

- ‌الحمدان:

- ‌الحْمِده:

- ‌الحِمْدِي:

- ‌ الحمدي)

- ‌الحَمَرَ:

- ‌الحمزة:

- ‌الحِمْلي:

- ‌الحمود:

- ‌الحمود:

- ‌الحُمود:

- ‌‌‌الحْمُودي:

- ‌الحْمُودي:

- ‌الحَمُّودي:

- ‌الحَمْوه:

- ‌الحْمَيْد:

- ‌الحْمَيْد:

- ‌الحُمَيْد:

- ‌مبارك الحمد الحميد:

- ‌آل راشد الحميد:

- ‌وثائق للحميد:

- ‌نساء متميزات .. من أسرة الحميد

- ‌ونساء متميزات معاصرات:

- ‌عود إلى شخصيات الحميد:

- ‌حول العرب الخضيريين والعرب القبيليين:

- ‌أهل الخير من الزمان ماتوا:

- ‌النهي عن الإسراف في استعمال الماء:

- ‌الحوار بين النصارى والمسلمين:

- ‌اعتقال الشيخ عبد الكريم الحميد:

- ‌عبد الكريم الحميد ومنصور النقيدان:

- ‌الرد على منصور النقيدان:

- ‌من مؤلفات الشيخ عبد الكريم الحميد:

- ‌اعتقال عبد الكريم الحميد:

- ‌ترجمة الشيخ الزاهد عبد الكريم بن صالح الحميد - حفظه الله:

- ‌الحْمَيد:

- ‌فكر الشيخ عبد الله بن سليمان بن حميد من إحدى رسائله:

- ‌حسن الإفادة إلى طريق السعادة:

- ‌مزايا الأمر بالمعروف:

- ‌خطر ترك الأمر بالمعروف:

- ‌المعاصي وأثرها في حياة الأفراد والأمم:

- ‌العلم والمعرفة سبيل الخير:

- ‌الأفعال المنافية للتوحيد صحة وكمالًا:

- ‌الصلاة والمحافظة عليها:

- ‌حكم ترك الصلاة:

- ‌الراديو وحكم سماعه:

- ‌التصوير وحكمه:

- ‌حرمة الصور بأنواعها:

- ‌العدوان على اللحية بالحلق:

- ‌بلية الزمان:

- ‌إطال الثياب، التقصير أتقى للرب وأنقى للثوب:

- ‌الداء الدوي في خروج النساء متبرجات:

- ‌نظام سليم لحياة المرأة يتجلى في الحجاب:

- ‌فائدة الحجاب:

- ‌منكرات متداولة:

- ‌التربية الصحيحة للأسرة:

- ‌رسالة من الشيخ عبد الله بن سليمان الحميد إلى المؤلف:

- ‌دعوات من القلب:

- ‌الحميدان:

- ‌وثائق الحميدان:

- ‌ الحميدان

- ‌(الحميدان)

- ‌الحميدان

- ‌أسرة الحميدان في خب البريدي:

- ‌الحْمَيْده:

- ‌رسالة عن علي الحميدة:

- ‌قتل الأستاذ عبد الله بن عبد العزيز الحميدة:

- ‌قصائد أخرى لعلي بن محمد الحميدة:

- ‌وصية هيا بنت علي الحميدة:

- ‌الحْمَيْدي:

- ‌الحميدي:

- ‌الحميدي:

- ‌الحميدي:

- ‌ الحميدي

- ‌الحْمَيْضي:

- ‌سوق عمان:

- ‌ظاهرة كونية:

- ‌آخر المطاف:

- ‌ الحميضي

- ‌الحميضان:

- ‌الحنايا:

- ‌وثائق للحنايا:

- ‌وصية موضي بنت عبد الله الحنايا:

- ‌الحِنْدُود:

- ‌الحْنَيْشِل:

- ‌الحْنَيْني:

- ‌خط أحمد الحنيني:

- ‌أحمد بن عبد الله المسعود:

- ‌الحَوَّاس:

- ‌الحُودِي:

- ‌الحَوْشان:

- ‌الحَوْشان:

- ‌‌‌الحوشاني:

- ‌الحوشاني:

- ‌الحَوطِي:

- ‌الحوطي:

- ‌الحويل:

- ‌الحوَيمان:

- ‌الحَيْزاني:

الفصل: ‌عبد الكريم الحميد ومنصور النقيدان:

وقد بدأ أحد محبيه من أسرة البرادي فبنى له مسجدًا عوضًا عن المسجد الأول، وحاولوا أخذ تعهد من عبد الكريم الحميد على عدم إلقاء الدروس ووعظ الناس، وأخرجوه من السجن أيامًا فلم يمتثل لذلك، فأعادوا اعتقاله ولا يزال في المعتقل حتى كتابة هذه السطور في شهر شعبان من عام 1435 هـ، وقد استاء عدد كبير من الناس من هذا التصرف تجاه الرجل، ثم خرج من السجن، بعد مدة يسيرة، وعاد إلى الصلاة في مسجده.

وحجة الذين اعتقلوه أنه يذكر أشياء في دروسه ضد الحكومة في هذا الوقت الذي تبحث فيه كيفية مقاومة جماعة ابن لادن والمتشددين الآخرين.

‌عبد الكريم الحميد ومنصور النقيدان:

نشر الكاتب منصور النقيدان مقالة في جريدة الوطن في عددها الصادر في تاريخ 22/ 12 / 2002 م، العدد 449، ذكر فيه أشياء لا يعرفها الناس عن خلفية الحالة التي عليها هذا الرجل العجيب عبد الكريم بن صالح الحميد، ومنصور النقيدان مثله من أهل بريدة، وعاش فترة قريبًا من طلبة العلم الملتزمين قال منصور النقيدان:

ألف الحميد 20 كتابًا وله موقع على الإنترنت ويرى أن الشيطان انتفخ على هيئة القمر والقنبلة النووية قوى الشياطين الخارقة.

الشيخ فهد العبيد زعيم مجموعة اعتزلت وظائف الحكومة وأنشأت مدارس خاصة بها واعتبرت لبس ساعة اليد تشبها بالكفار وأشرطة القرآن بدعًا منكرة.

منع الشيخ المطوع إدخال مكبرات الصوت والمراوح الكهربائية في مسجده وبقي محمد السليم 30 عامًا لا يأكل إلا من كسب يده.

نشب خلاف بين عبد الكريم وفهد العبيد حول كروية الأرض قسم أتباعهما إلى ثلاث فئات، وكنا نشبه هذا الخلاف بمحنة خلق القرآن.

ص: 561

اعتزل عبد الكريم الحميد الناس في مسجد خاص به اشترط على من أراد الصلاة فيه أن لا يحمل أوراقا نقدية تحوي صورا ولا بطاقة شخصية.

من الطبيعي في مجتمع يعشق القرار والسكون ويعد الديمومة قيمة يعلي من شأنها ويعظمها أن يثير تحول الشخص ومروره بأطوار متغيرة في حياته ونظرته إلى التدين، وفهمه للحياة اشمئزاز البعض.

يعيش أغلب الناس حياة تمر في شبه خواء ورتابة أشبه بالموت لا نكهة ولا مذاق، يولدون بصمت ويودعون الحياة بصمت، ويدرج آخر في محيط يميل إلى الصرامة والجفاف في كل مناحي الحياة فينشأ شابًا بمطامح متوثبة تضطرب فيه نوازع الشباب طموحة ما تنفك تجيش قوية عنيفة إزاء أنظمة صارمة متخلفة فما يزال في نقلة وترحال حتى يلقي عصا الترحال لعل وعسى أن يجد في ذلك الطمأنينة والسعادة.

في مدينة بريدة عاصمة منطقة القصيم في قلب الجزيرة العربية نشأ وترعرع صاحبنا عبد الكريم بن صالح الحميد.

نشأ عبد الكريم فتى مترفًا لا تكاد عينه تطمح إلى شيء إلا نالته، شأن أترابه من أبناء البيوت الباذخة الثراء، حيث كان ابنا لإحدى أكبر العوائل التي كانت وما زالت من أغنى عوائل المنطقة، وكانت نجابته المبكرة ونجاحه في دراسته ينبئان بمستقبل زاهر ومكانة اجتماعية مميزة، غير أن تلك الحياة المترفة والنجاحات تلو النجاحات والسيارات الأمريكية الفارهة التي كان يقتنيها، كل ذلك ما كان له أن يفي بملء الفراغ الذي كان يكتسحه من الداخل، ولا أن يعوضه عن ذلك النقص الرهيب الذي يشعر به، فانقلبت حياته رأسًا على عقب، وعاد أدراجه من المنطقة الشرقية - حيث كان يعمل مترجمًا في (أرامكو) - إلى مسقط رأسه (بريدة) ليكون مريدًا وتلميذًا بارًا لواحد من أشهر

ص: 562

الوعاظ والزهاد في قلب الجزيرة العربية، إنه الشيخ فهد بن عبيد آل عبد المحسن رحمه الله، الذي توفي في شهر جمادى الآخرة من هذا العام 1422 هـ، بعد مائة عام حافلة بالتقوى والزهد، والذي كان منذ السابعة عشرة من عمره يعظ الناس ويذكرهم في المساجد، واستمر على ذلك في آخر حياته في منزله صبيحة كل يوم.

وعائلة آل عبد المحسن من العائلات التي عرف عدد من أبنائها بالعلم، حيث خرجت أربعة من العلماء منهم الشيخ إبراهيم صاحب تاريخ (تذكرة أولي النهي والعرفان)، وعبد الرحمن الذي توفي ولم يبلغ الثلاثين عام 1337 هـ في عام الطاعون العام (سنة الرحمة)، وكان من الفقهاء الشباب الذين يعدون من أقران الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي السعودية السابق، ومنهم الشيخ عبد المحسن الذي توفي عام 1364 هـ.

وفهد العبيد رحمه الله أكثر الشخصيات أثرًا في حياة صاحبنا - هو امتداد المدرسة آل سليم علماء بريدة، امتاز الشيخ فهد وجماعة معه بالحرص على إتباع أقوال الإمام أحمد بن حنبل، والتمسك بتعاليم الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

وبما أن الوظائف الحكومية لم تكن محبذة لدى الشيخ فهد وأتباعه حيث رأوا أن طريق الورع الحقيقي هو التنزه عن العمل في الحكومة، والتوجه إلى التجارة، وقد كان محمد بن عبد العزيز السليم لا يأكل إلا من كسب يده، وقد يأتيك زائرًا أو عائدًا، ولكنه لا يشرب عندك فنجال قهوة، أخذ على هذا ثلاثين عامًا حتى فاضت روحه رحمه الله.

وحرصًا على تنشئة أبنائهم تنشئة سليمة أنشأوا مدارس خاصة بهم لا تتبع لوزارة المعارف، يضعون مناهجها، ويقررونها على التلاميذ مكتفين بالعلوم الشرعية من القرآن الكريم والتفسير والحديث والفقه، وأما العلوم الأخرى فإنما هي عندهم صناعات ومهن، أو علوم جهلها لا يضر والعلم بها لا ينفع!

ص: 563

كان الشيخ فهد العبيد يسكن بيتا متواضعًا من لبن وطين بني قديمًا علي النمط المعهود في نجد، وأخذ أعظم سني عمره يستضئ بالسراج ويتخذ القربة وجرار الفخار (الزير) لتبريد الماء، ولم يدخل المصباح الكهربائي بيته إلا عام 1983 م، ولكثرة الزحام وارتفاع درجة الحرارة في مجالس وعظه تم إقناعه مؤخرًا بالسماح بالمراوح الكهربائية لتلطيف الجو بدلًا من المراوح اليدوية التي تصنع من الجريد وورق النخيل، لم يركب الشيخ فهد العبيد السيارة إلا مرة واحدة حسب ما أخبرني به في منزلي عام 1408 هـ.

سحرت هذه الحياة ببساطتها صاحبنا عبد الكريم فاكتفى بدكان صغير في شارع الصناعة ببريدة يكفيه حاجة يومه وضرورات عيشه، أعجب الشيخ فهد بما بلغه تلميذه عبد الكريم من مرتبة عالية في التقوى والصلاح، الأمر الذي جعله يتمنى من كل قلبه أن يقبض الله إليه عبده الصالح عبد الكريم وهو علي تلك الحال من الطهر والنقاء خوفًا عليه من أن يزيغ قلبه ويضعف إيمانه بعوامل المغريات وفتن الشهوات وشرك الشبهات التي تحيط بالمؤمن من كل جهة في هذا الزمن الذي يسميه الشيخ (زمن إبليس).

اكتفى عبد الكريم بمطالعة الكتب من دون أن يلازم أحدًا من العلماء يتلقى منه العلم ويعكف على الدراسة، سوى دروس قلائل للشيخ محمد المطوع (الحميدي)، والذي كان من أكثر أهل زمانه عبادة وصلاحًا، وكان لتقواه يشبه بالفضيل بن عياض، وحرصًا منه على اتباع حياة السلف لم يأذن باستعمال مكبرات الصوت في مسجده، ولا باتخاذ المكيفات، فلما كف بصره آخر عمره وضعت المراوح الكهربائية وجعلت على أدنى درجة من الدفع حتى لا يشعر بها فيأمر بإزالتها وإخراجها من المسجد.

دام اتصال عبد الكريم بشيخه أحد عشر عامًا منذ عام 1970 م إلى عام 1981 م، ولكن عبد الكريم الذي كان يرى في فهد العبيد أنموذج الفضيلة ومثال

ص: 564

القناعة، لم يكن هيكل تفكيره وقالب عقله قد صيغ بعد صياغة جديدة، ولم يكن قد قبل الكسر والذوبان في قناعات شيخه، ذلك الخلاف الذي كان أكبر المفاصل في حياة صاحبنا والذي كان له أعظم الأثر في تلك الأطوار اللاحقة في فكره، وما زالت تداعياته تلقي بظلالها إلى اليوم على حياته.

وجد عبد الكريم في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن الله خلق الأرض كروية الشكل ونقلا إجماع أهل السنة على ذلك، ولكن شيخه اعتبر ما نقل عنهما بدعة محدثة في الدين، وأصر على أن ما وجده تلميذه في كتب الإمامين ما هو إلا كلام مدسوس عليهما وهما مبرآن من كل ما نسب إليهما، بل الأرض مسطحة غير كروية كما ذكر السيوطي في تفسير الجلالين.

تمرد التلميذ على الشيخ وأبى أن ينصاع وشغب عليه في مجالسه ودروسه، فلم يكن من الشيخ إلا أن أعلن براءته من صاحبنا ومن يقول بقوله ودعا إلى مقاطعته ونبذه هو ممن جالسه أو اتصل به فأطاعت الأغلبية العظمى من أتباع الشيخ ولبت نداء زعيمها، وابتدأت محنة القول بكروية الأرض! .

يسأل الواحد عنها فمن أجاب بكرويتها نبذ وأعلنت البراءة منه في مجالس الشيخ، ومن توقف الحق بالقائلين بكرويتها، ومن قال بسطحيتها أبقي عليه، وقد كنا نشبه هذا الخلاف وما جره من انشقاقات وخلافات على الجميع بمحنة خلق القرآن، وظل صاحبنا وحده ولم يلق أي تأييد أو مناصرة له مما زاد في عزلته وعذابه وغربته، فألف قصيدته النونية التي أشار فيها إلى خذلان بعض أهل العلم له مع معرفتهم بأنه على الحق، والتي يقول فيها:

كم كاتم للحق يعلم أنه

يوم القيامة ليس ذا إحسان

ألف عبد الكريم كتبًا كثيرة ومنها بعض الكتب التي تناول فيها ظواهر كونية وكشوفات جغرافية، كدوران الأرض، والصعود إلى القمر، ونزول المطر من

ص: 565

السحاب، غير أنه حينما لا يجد عند ابن تيمية وابن القيم الإجابة يلجأ إلى تفسير تلك الظواهر والكشوفات بالسحر والطلاسم والخوارق الشيطانية، وهذا ما جعله يذهب إلى أن الشيطان انتفخ وخيل لرواد الفضاء أنهم نزلوا على سطح القمر ولم يكن ذلك سوى إبليس انتبر وظهر لهم بصورة القمر، وهذا هو ما حمله أيضًا على أن ينكر الذرة في كتابه (وحدة الوجود العصرية) ويفسر القنبلة النووية بقوى الشياطين الخارقة ليبلغ بالأمر منتهاه فيتوج ذلك بمذكرة (العلوم العصرية والآلات السحرية) والتي أصدرها عام 1983 م، ذكر فيها أن كل ما توصلت إليه الإنسانية اليوم من تقدم في الصناعة وثورة الاتصالات والمواصلات وأجهزة إلكترونية وآلات كهربائية ما هو إلا خوارق شيطانية وخيال يلف حياتنا لا حقيقة له.

كان حب صاحبنا لشيخه قد استبد به فلم يقنع بأن تنتهي تلك الصلة الطويلة هذه النهاية المؤسفة، فواصل الكتابة إليه وتابع الرسائل على الشيخ يلين حديده ويقبل الخيارات التي عرضها عليه، إما أن يكف عن نقاش هذه المسألة، أو أن يوافقه في ما ذكره ونقله عن علماء لهم أعظم المكانة عند شيخه، ولكن الشيخ ظل صامتًا.

اعتزل صاحبنا مدينة بريدة عاتبًا آسفًا، وبنى له مسكنًا من صفيح في (الظليم) جنوب شرقي بريدة على يمين الذاهب إلى بلدة الشماسية، وأخذ في عزلته سنتين منصرفًا إلى نفسه فكانت تلك العزلة خلوة بربه صورت آلامه لذة، وغربته أنسًا وجوعه شبعًا، ومرضه صحة.

عرض عبد الكريم شيئًا من قناعاته على بعض العلماء الذين لم تعجبهم أفكاره، وكانت زيارته للرياض عام 1983 م هي المرة الأخيرة التي ركب فيها السيارة وبعدها كتب مذكرته (العلوم العصرية والآلات السحرية) والتي ضمنها خلاصة أفكاره عن المدنية الحديثة.

استقر صاحبنا أخيرًا في حي (الخبيبية) في الريف الغربي لبريدة، حيث أنشأ

ص: 566

له مسكنًا من لبن وطين بناه بمشاركة بعض الشبان المعجبين بشخصيته والمتأثرين بأفكاره، ولم يرتض شيئا من وسائل النقل الحديثة واكتفى بركوب الحمار ثم الحصان مؤخرًا، وأخذ ردحًا من الزمن ينسخ لقاءات وحواراته بألة نسخ يدوية حتى تم إقناعه أخيرًا بجدوى الطباعة الحديثة.

ومذ ما يزيد على 7 سنوات وهو منعزل في مسجد لا يصلي فيه إلا من رضي بشرطه (أن لا يكون معه أي ورقة تحمل صورة الإنسان أو حيوان حتى وإن كانت البطاقة الشخصية).

فضل صاحبنا العزلة عن الناس لأنه رأى البشرية اليوم تهوي في مكان سحيق من الرذيلة ويموج بها محيط متلاطم من المغريات والشبهات، ففي هذا الغروب الشامل وقد قاربت الدنيا على النهاية وقرب (زمن خروج الدجال) تكونت قبسة الضوء الوحيدة هي وصف الغروب والشهادة عليه، ينتظر مع مغيب كل شمس أن يسدل الستار على حياته متلهفا ضارعا إلى الله أن يتقبله في الصالحين.

وقد هم بعض الشباب الذين عرفوا عبد الكريم وصحبوه مدة من الزمن أن يعيشوا هذه الحياة البسيطة، ولكنهم نسوا أنها قاسية رهيبة إذا قيست بالأحلام التي يحلمونها عنها، ظنًّا منهم أنهم يؤدون دورًا على مسرح تراهم فيه الأبصار وتمدحهم الألسن ثم ينتهي سريعا، ولم يكن الأمر كذلك!

إن مثل هذه الحياة التي يعيشها عبد الكريم منذ 20 عاما تقتضي صبرًا وجهدًا وتتطلب شجاعة أكثر من الشجاعة التي تتطلبها التضحية بالحياة، تتطلب منك أن تموت أولًا لتعيش تلك الحياة! !

فإذا استهوتك هذه الحياة وأسرتك ببساطتها فلتعلم أن عزف الحياة على هذه السيمفونية حكر على صاحبنا وحده، وأنها إذا كانت حبل النجاة له، فإنها مقصلة لا تعرف الرحمة لمن يحاول أن يعزف على تلك الوتيرة.

ص: 567

(إذا كان الإنسان قد يمر بتجربة المرض حتى ملامسة الموت أو حتى الإبحار ببعض شطآنه ثم العودة مرة أخرى من هناك ليعود بتجربة نادرة ونظرة جديدة إلى الحياة) فإن عبد الكريم قد أبحر ثم عاد بلا جديد، لقد كان ينتظر فطال الانتظار، وكثيرًا ما سمعته يقول لنا (والله لا أحد بأسعد مني اليوم بالموت، وأي شيء أريده في هذه الدنيا! ! ) وإذا ما الم به مرض، أو وعكة تلزمه الفراش يستبشر بأنها آخر أيامه، ويروي ما رآه هو أو رؤي له من منامات في ذلك.

20 عامًا وصاحبنا يعيش حياته التي رضيها ووجد فيها راحته وطمأنينة نفسه، بيد أنه لم يكن بمعزل عما يدور من أحداث ويطرأ من تغيرات على الساحة المحلية والدولية، وكتبه التي جاوزت العشرين والتي تبحث - علي غرائبية بعضها في شتى القضايا الفكرية والاجتماعية والتربوية - أصدق دليل على ذلك.

وأغلب مصادر المعلومات لديه هي ما يزوده بها أصحابه وزائروه، إضافة إلى الجرائد التي تقع بيده، والتي يصادفها كثيرًا في طريقه.

أذكر أنني لم أعلم بنتيجة مباراة السعودية مع هولندا في مونديال أطلنطا عام 1994 م إلا منه بعد أن انصرف من الصلاة واستقبلنا بوجهه ليزف إلينا بشرى هزيمة المنتخب السعودي! .

إضافة إلى تلك اللقاءات والجدالات والردود التي تدور بينه وبين موافقيه أو مخالفيه والتي كثيرًا ما تنتهي بمطالبته لهم بالمباهلة (أن يدعو كل واحد منهما على مخالفة بالهلاك إذا كان مبطلًا) إلى تلك التوترات التي شكلت معطيات فكرية ووجدانية غنية، كان يتفاعل معها ويتأثر بها، لكي تتيح له ذلك التحول الذي انتقل معه من طور إلى طور آخر.

وأخيرًا، لو استعرضنا حياة عبد الكريم اليوم وقد جاوز الستين عامًا لكانت

ص: 568

شريطًا فيه شيء من الغرابة، والكثير من الخطوط المتعرجة، وقد تجمعك الأقدار به يوما لتراه إنسانًا متوسط الطول، نحيف الجسم، كليل البصر، ضعيف السمع، وأمن القوى، فلتعلم أنه يحمل بين جنبيه نفسا لا تعترف بالجزع الشديد ولا تعرف الأفراح الصاخبة، ولكنها نفس تعرف المواجهة الدافئة لكل الأفراح والأحزان.

للبعض أن يصف صاحبنا بالحدة والجفاء والشدة، وعبد الكريم ليس استثناءً فإنه فرد من مجتمع حيث نمط الحياة الاجتماعية والإنتاجية بسيط لا يتطلب حلولا تركيبية وإضافات جديدة، لهذا يسود نمط فكري أحادي الطبيعة حاسم قاطع محدد ملتزم بمعيار ثابت وقيم متجانسة واحدة.

كتب عبد الكريم كتبًا كثيرة أغلبها ردود على أشهر الفقهاء والعلماء المعاصرين كالقرضاوي والشعراوي والغزالي وحسن المالكي وغيرهم كثير.

عبد الكريم يعيش في عصرنا ويسكن بيننا ولكن قلبه وأشواقه ومحط رحاله إلى قرون مضت وعصور تصرمت، وأنماط عيش انقرضت، لقد كان بإمكانه أن يكون صاحب جاہ ومنصب ومال ولكنه فضل أن يعيش لمبادئه وطريقه الذي اختاره.

وإذا كان عدد ما زال في تناقص مطرد من أتباع الشيخ فهد العبيد ومحبي عبد الكريم والمعجبين به قد ظلوا أوفياء لمثلهم وأفكارهم إلى آخر لحظة في حياتهم، فإن كثيرًا منهم شبابًا وكهولًا قد اصطدموا بواقعهم وبالبيئة التي من حولهم وبالعوائق والمتاعب التي أوهنتهم، فلم يستطيعوا أن يثبتوا في مراكزهم أمام تيار الحياة الجارف، وهاهم اليوم شيوخًا يقبلون ما كانوا يرفضون، ويتنازلون عما كانوا ملتزمين به، فالوسط الذي يعيشون فيه وكلام الناس ومطالب الأولاد، وتوالي العقبات، وغلبة النساء، كل ذلك قد اضطرهم إلى أن يعيشوا الحياة كغيرهم.

كان يروق لنا أحيانًا أن نجري جردًا إحصائيًا لهم، لنعلم مدى التغير والتحول الذي أصاب الجميع، ونحمده سبحانه على الثبات على الحق في وقت

ص: 569