الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحْصَيِّن:
على لفظ تصغير الحصان، من أهل بريدة جاءوا إليها من الشماس وهم من أهل الشماس القدماء الذين هم من الوداعين من الدواسر.
منهم الأستاذ علي بن عبد الله الحصين تقلب في عدة وظائف تعليمية حتى وصل إلى وظيفة مساعد مدير التعليم في منطقة القصيم، وتولى إدارة شركة كهرباء بريدة، وتوفي شابًا في عام 1382 هـ وهو في الثانية والثلاثين، وكانت ولادته في عام 1349 هـ وكان أديبًا لبقًا ذكيًّا وهو أصدق صديق لي على الإطلاق.
وهو علي بن عبد الله بن محمد الحصين، وقد نعته جريدة الرائد فقالت في عددها رقم 140 وتاريخ 15/ 6 / 1382 هـ.
اختطفت يد المنون شابًا وطنيًا عرف عنه الغيرة على مجتمعه، والحرص على تطوره في كل مجال، ذلك هو الأستاذ علي العبد الله الحصيِّن وقد تنتقل المغفور له في عدة مراكز هامة، منها إدارة التعليم في القصيم، وأخيرًا تعين مديرًا لشركة كهرباء بريدة، وكان في كل ذلك مثال الإخلاص والنزاهة، ونحن هنا نقدم أحر التعزية لأهله وأصدقائه والمواطنين أجمع، أسكنه الله فسيح جناته، وأمطر على قبره شآبيب الرحمة.
هذا ما ذكرته الجريدة.
ونشرت جريدة اليمامة قبل أن تتحول إلى مجلة خبر وفاته فقالت في عددها رقم 350 الصادر بتاريخ 14 جمادى الأولى عام 1382 هـ:
في ليلة الجمعة الماضية 5/ 5/ 1382 هـ كان الأخ منصور الحميميدي يقود سيارته بالقرب من مستشفى الشميسي، وكان برفقته الأستاذ (علي الحصين) مدير شركة كهرباء بريدة ومدير التعليم بالقصيم سابقًا، والأستاذ
إبراهيم بن عبد الله البييبي أحد موظفي وزارة العمل والأستاذ عبد الله الغصن أحد موظفي سكة الحديد، فقُدِّرَ أن عثرت السيارة بحصاة كانت سببًا في انقلابها انقلابًا أصيب من جرائه جميع هؤلاء الإخوان، فالأخ علي الحصَيِّن أصيب بنزيف وقد توفي بعد نقله إلى المستشفى بساعات، أما باقي الإخوان فقد أصيبوا بجروح متفاوتة ولا يزالون في المستشفى تحت العلاج، فنرجو لهم من الله الشفاء العاجل وللفقيد العفو والغفران ولذويه عزاؤنا.
انتهى ما ذكرته جريدة اليمامة.
وكان الأستاذ علي الحصين قد سافر إلى الرياض وانضم إليه بعض أهل بريدة في الرياض وذلك من أجل مقاومة أثر الذين كتبوا من أهل بريدة، بل وسافروا إلى الرياض يعارضون افتتاح مدرسة للبنات في مدينة بريدة، فهم لا يريدون فتح المدرسة وهم الأكثرية من أهل بريدة في ذلك الوقت، وتعارضهم أقلية من المثقفين والمتعلمين من أبرزهم على النطاق العملي الأستاذ علي الحصين ممن يرون ضرورة فتح مدارس البنات.
ولذا أرجف بالحصيِّن بعض الناس فقالوا: لقد مات بسبب دعاء الصالحين الذين لا يريدون فتح مدرسة للبنات عليه، ولكن الحقيقة تغلبت عليهم ففتحت مدارس البنات في بريدة وصار أهلها بعد سنوات يطالبون بفتح مدارس في حاراتهم.
تعرفت على الأستاذ علي الحصين لأول مرة في مدرسة بريدة الحكومية التي كان مديرها أستاذنا عبد الله بن إبراهيم السليم وكانت هي المدرسة الوحيدة في بريدة آنذاك ولم تكن الدراسة فيها تصل إلى إنهاء الدراسة الابتدائية، بل كانت بمثابة المدرسة التحضيرية.
وكان وحيد أبيه عبد الله بن علي الحصين، وليس ذلك فحسب، بل كان والده كثير الغياب مع تجار الإبل من عقيل وغيرهم، فكانت أمه سبيكة من آل أبو عليان أمراء بريدة السابقين هي التي تتولى تربية الأولاد، وهما علي وأخت له أكبر منه، أما وكيل الصرف على البيت فهو سليمان بن عبد الكريم البداح وكله عبد الله الحصين على ذلك.
وكان الشيخ عبد الله بن إبراهيم السليم جارًا لهم في البيت، فكان يلاحظ علي الحصيِّن ويأمره بالحضور إلى المدرسة للتعلم وقضاء الوقت بعد أن انتهى من السنوات الموجودة في المدرسة، وكنت مثله قد أكملت سنوات الدراسة في المدرسة، ثم انقطعت عنها ولكن استمرت صلتنا بل توطدت حينما صرنا نشترك معًا في طلب العلم على شيخنا العلامة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله وجزاه عنا خيرًا، وكان عينني (قيمًا لمكتبة جامع بريدة) فكان الأستاذ علي الحصين يقضي جُلَّ وقته معنا في المكتبة، ولم يكن له أي مورد مالي من المدرسة ولا من المكتبة ولا من غيرها، وإنما كان والده يضع نقوده عند سليمان بن عبد الكريم البداح وهو صديق له صاحب دكان في أسفل سوق بريدة الرئيسي، فكان إذا غاب أنفق سليمان مما يضعه عنده من النقود على علي الحصين وأخته وهما مع أمهما كل الأسرة آنذاك.
أما أنا فإن لي راتبًا من وظيفتي في المكتبة هو 40 ريالًا في الشهر و 6 ريالات أول الأمر ثم صار للأستاذ علي الحصين أربعة ريالات شهريًا من قبل الشيخ عبد الله بن حميد، وهذه الريالات القليلة مما خصصه الملك عبد العزيز لطلبة العلم آنذاك على يد الشيخ عبد الله بن حميد.
وكان علي الحصين ذكيًّا لبقًا قليل النظير في طلبة العلم آنذاك، لذا صار صديقي الوحيد وصرت له كذلك، وكنا بدأنا دراسة كتب الأدب والإطلاع على المجلات الأدبية فاشتركنا في مجلة المنهل التي تصدر في مكة المكرمة باسمنا
جميعًا أي باسم (محمد بن ناصر العبودي وعلي بن عبد الله الحصين) ثم في مجلة الرسالة التي تصدر في مصر، وكذلك في مجلة الثقافة.
ثم صرنا نشتري الكتب مجتمعين أي نشتري كتابًا واحدًا يدفع كل واحد نصف ثمنه.
وصار الناس يعرفوننا بذلك، وصرنا أقرب طلبة العلم الصغار من تلامذة الشيخ ابن حميد إليه، فصرنا نقرأ عليه الكتب في بيته ونطلع على أوراقه، ولم يكن لأحد من تلامذته ولا من طلبة العلم غيرنا مثل هذه المنزلة منه.
ثم توظفت مدرسًا في المدرسة السعودية التي صار اسمها (الفيصلية)، في عام 1364 هـ فأعطيت علي الحصين مفتاح المكتبة ليفتحها نيابة عني، ثم لحق بي في الوظيفة بعد مدة مدرسًا في المدرسة.
لقد كان بعض طلبة العلم يتوقعون له مستقبلًا علميًا على صغر سنه فهو أصغر مني بأربع سنوات، إذ كانت ولادته عام 1349 هـ. إلا أنني رأيت بعض الناس صاروا يكتبونها عام 1350 هـ.
فكان كثير من الجماعة وطلبة العلم يطلبون من شيخنا الشيخ عبد الله بن حميد أن يسعى لتفرغنا لطلب العلم، وعدم توظفنا في المدرسة الذي يظنون - وهم على حق - أنه سوف يصدنا عن طلب العلم ولكن لم يقدر ذلك، وقد ذكرت ذلك في كتاب (ستون عامًا في الوظيفة الحكومية)، وذكرته بتفصيل أكثر في كتاب:"يوميات نجدي".
وأما ذكاءُ الأستاذ علي الحصين؟ فيكفي شهادة له به صادرة من الشيخ فهد بن عبيد العبدالمحسن قالها لي عام 1364 هـ: هي أنه وصف (علي الحصين) بأنه (لوذعي) وهي كلمة مهمة تعني ذكيًّا جدًّا، وفي غاية الفهم والذين يعرفون الشيخ فهد يعرفون أنه لا يمدح أحدًا بمثل هذا إلا إذا كان ذلك
حقيقة واقعة فهو ضنين بمدح الناس.
كان (علي الحصين) يكاتبني عندما أغيب عن بريدة مع شيخنا الشيخ عبد الله بن حميد إلى الرياض بكل ما يتعلق بالثقافة والكتب وأحوال المشايخ وطلبة العلم، وسوف أورد بعض تلك الرسائل فيما بعد.
وكان إلى ذلك يقرض الشعر على قلة، وقد عرفت له مقطوعتين إحداهما نشرت في إحدى الجرائد، والثانية وجهها إليَّ يدعوني إلى حضور حفل الزواج لأخته الوحيدة مطلعها:
تفضل صديقي إلى بيتنا
…
غدا فبهذا يتم السرور
وهي خمسة أبيات لم أجدها في أوراقي، وإنما حفظت هذا البيت في أولها.
وكنت في وقت الطلب قد مَرَّ علي بيت رددته معه لجمال معناه وهو:
ما في الدار أخو وجد نطارحه
…
حديث نجد ولا خل نجاريه
فضمنته أبياتًا جعلته مطلعها وذكرت فيها (علي الحصين) قلت:
ما في الديار أخو وجد نطارحه
…
حديث نجد ولا خل نجاريه
هذا القصيم الذي أرجاه عامرة
…
من الأناسي خلت من ذا نواحيه
وجلهم جاهل وجهلهم أبدًا
…
ايمان مرجي فلا تستثنين فيه
إلَّا علي بن عبد الله صاحبنا
…
فكل شيء من المعلوم يدريه
أعني الحصيِّن من فاقت فضائله
…
كل الصحاب فلا خل يضاهيه
يا رب وفقه للخيرات أجمعها
…
للدين والعلم مع إرضاء باريه
كان الأستاذ علي الحصيِّن رحمه الله يأتي إليَّ وأنا في دكان والدي في أعلى سوق بريدة القديم المسمى (القشلة)، وكان والدي يجلس في الدكان إلا أنه
قد أسن وضعف بصره فسألني من هذا الأخ عندك؟
فقلت: علي الحصين، فسأله هو قائلًا: ويش اسم أبوك؟
قال علي: عبد الله فسأله وجَدَّك؟
قال: علي، فقال والدي هل جدك صاحب الملك بالشماس؟
قال: نعم.
فقال لي والدي، يا وليدي تري صحبتكم ما جت من بعيد.
جد ها الرَّجَّال وأبوي - أي جدي أنا - أصحاب، ثم قص علينا معًا القصة التالية.
قبل سنة المليدا بثلاث سنين، أي قبل وقعة المليدا بثلاث سنين وذلك يكون عام 1305 هـ لأن سنة المليدا كانت في عام 1308 هـ جاء إلى والدي (علي الحصين) جد هذا الرجل، وهو صاحب حائط نخل وفلاحة في طرف الشماس وقال: يا أبو ناصر، الظباء قطعن، أو قال: يبن يقطعن قتنا لأنهن بالليل يرعنه، وكان ذلك لكون السنة مجدبة والرعي قليل في البر، وكان ملكهـ جهة الشمال منه قفرًا خاليًا من أية عمارة.
قتل: فذهب والدي معه إلى فلاحته في الشماس، ورأى طريق الظباء وأنها تدخل مع فرجة ضيقة في صريفة عليه، والصريفة هي حاجز من عسبان النخل تقام على حدود البستان لتمنع الدواب من دخوله.
قال أبي: فقال أبي له: نبيك تحفر زبية باكر، والزبية حفرة تكون في الأرض وتسقف بالقش والسعف بحيث لا يرى من فيها.
قال: ولكن لابد من أن تفرغ منها وتسقفها وتتركها ليلة، لأن الظباء تشم ريح ابن آدم قبل أن تراه، لذا لابد أن تكون على مرمى البندق من الثلمة أي الفرجة التي تدخل منها الظباء إلى الحيالة التي فيها القت، وسوف نأتي إليك القابلة.
وكان جدي عبد الرحمن العبودي راميًا ماهرًا لأنه صاحب صيد وقنص ولديه بنادق.
قال والدي: فأخذ والدي معه من بريدة بندقين حمل إحداهما وحملت الأخرى.
وقال لعلي الحصين أبي أنزل أنا وإياك في الزبية من أول الليل، لأننا ما ندري متى يجن الظباء.
قال: وبالفعل نزلا في الزبية وذهبت أنا مع ابنه عبد الله الحصين والد هذا الرجل وولد آخر لا أذكره الآن ونمنا في النفود غربًا من الحايط.
وعندما طلع القمر في تلك الليلة مع منتصف الليل، أقبلت الظباء تريد أن تدخل مع الصريفة، وكان والدي قد طلب من علي الحصين أن يكون مستعدًا لإطلاق النار من بندقه بمجرد أن يلمسه بكتفه فلما صارت في مرى البندق أطلقا النار عليها وهي عدد غير قليل من الظباء ثم أسرعا يوقدان النار في ذؤابة عسيب وينظران، وإذا بظبي منها قد وقع ميتًا على الأرض، وأثر ظبي أخر ينقط منه الدم على الأرض ولكنه أبعد بحيث لم يستطيعا أن يتبعاه في الليل.
وعندما صلينا الفجر ذهبا وذهبنا معهما نقص أثره، فوجدناه قرب الخسف ميتًا وقد أكل منه حيوان صغير يشبه أن يكون ثعلبًا شيئًا قليلًا من فخذه فسألا الشيخ محمد بن عمر بن سليم عن حله فقال: إذا كان الذي أكل منه بعد موته فهو حلال، لأنه يكون مات من الرمية، أما إذا كان أكل منه وهو حي فمات بسبب أكل السبع منه فهو حرام، فذكرا أنه لا يمكن أن يموت من أكل ذلك السبع، وإن دمه كان ينقط على الأرض فقال: إذًا هو حلال.
قال والدي: فأخذنا الظبي وأخذ علي الحصين الظبي الآخر.
وكان لذلك وقع عظيم لدينا لأنه أفضل من الذبيحة.