الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حلقات الذكر التي جمعتنا
…
ما نسيناها فهي كنزٌ ثمين
كم عبينا نميرها وارتوينا
…
إنها لمنارة السالكين
أوصلتنا طريق حق وفيه
…
شمسها في أضوائها تستبين
يا علي، في العلم خلدت ذِكرًا
…
من علوم شرع وعيت المتون
ومن المحدثات قد نلت قدرًا
…
ما به غث بل أخذت السمين
كم وقفت بين الأنام مريدًا
…
للعلوم دخول بيتٍ حصين
ومضيت لم تلتفت لمعيق
…
حظه من أقواله ما يستبين
ما ثناك معارض ليس يدري
…
لم ير الاقتداء بالعارفين
فاستبان الحق الصريح جهارًا
…
وعدونا نضارع السَّابقين
إننا على العهد لن نتواني
…
ما نرى فيك غير شخص أمين
إن منهي الحياة جاء يقينّا
…
بالفراق لما أتتك المنون
إذ أجبت نداء رب رحيم
…
إنه مسلك لنا أجمعين
فانعم اليوم إذ عليك تباكي
…
من يُعدون في الوفا مخلصين
إن نعاك شخص قريب فإني
…
لك ناع على مرور السنين
من منابر العلم ينعاك قومٌ
…
ذكروك ليسوا من الجاحدين
ومن النساء اللواتي نهلنَ
…
من علوم عصر وشرع ودين
واللواتي رفدن بالمال لما
…
اشتغلن بالعلم قدن السفين
رسائل أدبية متبادلة:
الأستاذ علي الحصين صديق عزيز وأديب محب للأدب لذلك تبادلت معه رسائل معتادة في الأصل ولكننا كنا نكتبها بأسلوب أدبي، لأننا كنا نهوى الأدب، وقد اشتركنا في المجلات الأدبية التي تصدر في الوطن العربي في ذلك الوقت وكنا نشتري الكتب لنا معًا كما سبق.
وأكثر تلك الرسائل ما كنت أرسله إليه إذا غبنا عن مدينة بريدة أو
يرسله إلي إذا غاب عن بريدة، أو تكون إجابة من أحدنا لرسالة سابقة لزميله.
وقد كنت ترددت في ذكر رسائله إليَّ بل ورسائلي إليه لما فيها من مبالغة في المدح، ومن تركيز على الصداقة.
وقد استبعدتها بالفعل فترة من الزمن، إلا أنني لأمر يتعلق بالأستاذ الحصين أكثر مما يتعلق بي آثرت ذكرها هنا وهو أن الرجل كما أعرفه أديب مرهف الحس، ناصع العبارة، ولكن لا يوجد بين أيدينا مؤلف قد ألفه ولا حتى رسالة قد كتبها على هيئة كتاب صغير فرأيت أن عدم ذكر هذه الرسائل فيها غمط لحقه، وحجب لشيء لا يوجد له ما يكفي عنه.
أما المبالغة في الوصف أو المدح، أو علاقة الصداقة فإنها كانت سمة الأسلوب الأدبي في تلك العصور، إلى جانب صدق التعبير لكونه أصدق أصدقائي، وأنا أصدق أصدقائه.
رسالة المؤلف إلى الأستاذ الحصين:
بسم الله الرحمن الرحيم
الرياض في 1/ 3/ 1367 هـ
حضرة أخي العزيز الأستاذ علي العبد الله الحصين حفظه الله تعالى آمين
إنَّ أعلى ما حيا به المحبون أجمع ما ضيهم وحاضرهم ومتأخرهم محبوبيهم من سلام، وأشرف ما أكرموهم به من تحية، وأنفس ما احترموهم به من شتى أنواع الاحترام، وأحر ما أذابوه شوقًا من الفؤاد، وأجل ما قدروهم به من مختلف التقادير، وأرفع ما أحلوهم به من الذرى، وأغلى ما بذلوه في سبيل رضاءهم ومسرتهم، وأحقر ما أحلوا به أنفسهم تواضعًا لهم
…
و
…
و
…
إن كل ذلك وضعفه وعشرة أضعافه إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلى أقصى ما ينتهي إليه العدد كثرة لا يفي بعشر معشار بل بأصغر
جزء ممكن مما بقلبي لك من شوق وبلساني وقلمي من تحية وسلام، وبقلبي وقالبي لك من رفعة واحترام، وبي أجمع من تواضع لمقامك الرفيع.
الصفحة الأولى من رسالة المؤلف إلى الأستاذ علي الحسين بخطه.
عزيزي
…
إن أنس فلا أنسى إذ هبيت من نومي ذات يوم منهوك القوى وأجم الفكر متوتر الأعصاب، قد راودني كابوس الصداع فأثقل كاهلي ووضع عليَّ وزري، الذي أنقض ظهري وخفض لي ذكري، وقال لي إن مع العسر عسرا، إن مع العسر عسرا (أي في ذلك الصباح).
لذلك انتبهت وفوق ذلك كالسكران عند أبي حنيفة: لا يعرف الأرض من السماء ولا ثوبه من ثوب غيره، مع أزيز في حلقي ونشيج في جوانحي ودوي في مسمعي واضطراب عنيف وتجلجل صلف في عروق راسي كأنما أقسمت جهد أيمانها لتمثلن حبال السحرة وعصيهم الخ طلائع الزكام والصداع.
صليت صلاة أخاف الله من تقصيري بها وأنحى باللائمة على أعضائي فكان ما بجميع جسمي من جاذبية قد تحول إلى رأسي فهو يحاول باجتهاد مستمر السقوط إلى الأرض عند سجودي.
بعد الصلاة رجعت إلى مثواي يدفعني الصداع إلى أسفل بالضغط الرازح وجاذبية مثواي تجرني جرًا عنيفًا إلى وجهي بينما الكلال قد جهد في تعويقي عن مرادي كأنما ذهبت لأفرق بينه وبين حبيبه، أو لأسعى بوشاية عليه لدي صديقه المخلص.
على تلك الحالة المذكورة التي لا يستطيع لساني الباقلي وقلمي المتحطم أن يصف عشرها وصلت إلى الهدف إلى مرقدي لأنام لا تداوي بالنوم (كما يتداوي شارب الخمر بالخمر).
وما كاد شعاع الشمس يمد أسلاكه ذهبية ثم فضية إلا وصدى صوت أحد الإخوان يتردد في مسمعي
…
العبودي، الحميدي
…
سم، خير، نعم، هاه
…
؟ لا أدري بأيها أجبته وكل ما أعقله أني أجبته بأحدها، عقلت بعد ذلك أنه يدعوني للقهوة قهوة الصباح ذهبت إلى القهوة ذهابًا
آليًا، تشد أزري العادة، ويشترك،
…
(1).
أرضًا اقشعر جلدها، وعمها الأوار، واشتاقت إلى النار، أرضًا لم تنافق فتستر ظاهرها ولو بقليل من الطحلب والثيل بل صرحت بخلوها من الخضرة التي أنعم بها الله، أرضًا قد انقسمت إلى مرتفعات ومنخفضات وشلالات تجري خلالها الأعاصير السوداء، والنُكب الهوجاء في آن بعد آن، وتتجاوب في أرجائها الجنادب والأنبة، أرضًا تكاد أمعاؤنا تتقطع من تضاريسها، وأحذيتنا توشك أن تنتقل إلى جبلتها من نباتها الشائك.
إن هذا - يا صديقي - هو الوصف الحقيقي لـ .... ، ومن طريق التمثيل بالمشاهدات فمثل ما تقول (وهطان) لو قد مسخت واديًا من أودية تنساب في أرجائه الديدان، وتتموج في شعابه الخنافس والجعلان، أو عكرشة في عدد النخلات فقط إذا حلف سلطان مسلط ألَّا يبقى فيها غير تسع نخلات.
أنا يا صديقي - لا أحب وصف الشيء على حقيقته إذا كانت مؤلمة ولكني صورتها هنا لتتصور مدى تأثيرها في نفس محبك هذا مع التقصير في التعبير اللازم للكتعاء مثلي.
في مأدبة الغداء:
أول ما حططنا رحالنا في صالون الاستقبال أديرت من جانب الفلاحين كؤوس القهوة والشاي الصباحية ثم وضعت سفرة الطعام وهي تقوم مقام السماط عند أهل اللغة وتربع في وسطها - مع أنه ملعون من جلس وسط الحلقة، ولذلك لم تأخذنا والفلاحين بها رأفة في دين بطوننا - صينية كبيرة فيها جريش أبيض لا يخالطه أي لون آخر وفي قمته قدح من سمن البقر، مكثنا
(1) سقطت قطعة صغيرة من الرسالة فيها الكلام على الذهاب إلى أرض في الجنوب الغربي من الرياض، وهذه بعض صفاتها.
ردحًا من الزمن نرمي شيطان عقبة التعب والمشي والجوع بسبع فسبع إلى أن أكملنا السبعين ولم نشأ التعجل بيومين - بفكوك ريق فقط - بل آثرنا التأخر ومع كل حصاة الله أكبر ولله الحمد إرضاء لهم، وأغضابًا لاكرشنا التي لم تشكر نعم الله لما توالت عليها تحقر النعمة الصغيرة عند التي أكبر منها ولا ترى الكبيرة لها قدرًا، اللهم غفرًا، فإننا قد جنينا على أنفسنا وأنت الحليم، اللهم لا توأخذنا بما فعل السفهاء منا (معدنا والسنتنا).
عدنا من ( .... ) والشمس ضاحية متعالية، واتون الرمضاء القاتم قد اشتعل والمسافة تستغرق ثلث ساعة أو زهاءها والصداع قد اشتد على كاتب السطور
…
وبعد كلال وتعب حسًا ومعنى، وصلنا الرياض وصلنا الدار، على تلك الحالة على ما بي من صداع في راسي، وفتور في جميع أعضائي وأحاسيس مختلفة عنك يا صديقي، هل وصلك كتابي فيكون التقصير منك إذ لم ترسل لي جوابا وأكون قد أقمت عليك الحجة الأخوية، وخرجت أنا من عهدة المقاطعة، وقد أيست من الشفاء الناجز الشامل لما بي من أدواء مختلفة قد تحالفت وتظاهرت علي في ذلك اليوم العصيب، فأنا محتاج بالطبع إلى شتى الأشفية الحسية والمعنوية لتخفيف أوصا بي وذلك متعذر لكثرتها وصعوبتها، أو لترياق شاف منها أجمع ذلك بأجر المقدم لا في أساطير الأولين
…
بينا أنا على تلك الحالة إذا بالسكيتي قد أقبل عليَّ يمشي رويدًا كأنما يختل صيدًا - إنه لذلك يتلطف لي لئلا يهجم السرور عليّ فأموت فرحًا يحمل علي بنانه شيئًا أبيض ناصعًا انتعش له ذهني وتزلزلت جيوش الهموم عن ساحة فكري، ودبت روح الحياة والانبساط في قلبي وانفسح حتى لكأنما يمشي في أركانه وغشاه سواد عيني حتى ستره من جميع جهاته الست.
هذا كتاب، إنه والله من صديقي علي، بعدما لاح لي وتبينته أجلته عن
التشبيه بشراع سفينة لاح على بعد لغريق ظل في اليم أيامًا وقد سقطت قواه وانهدت من العوم أركان آماله وألبسه الشيطان جلبابًا من جلابيب الياس، وبالكوكب الزاهر الثابت لاح من خلال الغمام الكثيف لرائد سفر في مهمهه وعسآء في ليلة سوداء قد ضلوا طريقهم وفقدوا رواحلهم وصارت السماء كالأرض في أعينهم والمشرق مغربًا والمغرب مشرقًا.
وبالغدير الزلال المتأود طربًا، والمائس عجَبًا وخيلاء ملاعبة للرياح واعتزازًا بكثرة الماء لاح لأحد قوم قد يبست شفاههم، وفغروا أفواههم، واندلعت ألسنتهم بعد طول لهث متواصل وانقلب الضياء في أعينهم ظلامًا، وأصوات الأثير في مسامعهم كأنها أصوات رعد قاصف أو قذف بركان هائل.
لأن هذه الصفات ليس لها من فرحتي إلا مجرد الصورة.
بعد ذلك ناولني السكيتي كتابًا إنه كتاب في نظره أما في نظري فكما ذكرت.
فلما تناولته ولا قميص يوسف عندما تناوله يعقوب، حَلّ في يدي فكانما أوتيت كتابي بيميني بعد أن شاهدت أناسًا أوتوه وراء ظهورهم
…
الحمد لله اللهم لا تجعل فيه من أحد غير أخي علي.
قرأته كما قرأت صاحبه من قبل وما أن أتممت قراءته حتى تلاشي وتدهور جميع ما بي مما أحِسُّ به من أذي وقمت وبعد الحمد لله ثم لك كأنما نشطت من عقال، وما أن أتممته حتى لا أحس داء وقمت ولله الحمد، وما بي من قلبة، وما أن أتممته حتى شعرت بأني قد غمست في النعيم غمسة قلت معها يا رب ما رأيت قبل ذلك بؤسًا قط فلك الحمد ثم لصديقي علي ذلك.
وما أن أتممته حتى ازدحمت عليَّ المسرات فلا أدري بأيها أبدأ، بصحتك وسرورك أم برضاك عن كتابي سواء أكان رضا أم تراضيًا، أم ببلوغك الشأو الأقصى في الفصاحة، أم بأخبارك الشيقة الممتعة أم بكرم