الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه)). (1)
ومعرفة هذه الأحكام تقي من مفاسد كثيرة.
المطلب الخامس: فقه الشعب والمقامات:
من المعلوم؛ أن في الإسلام شعباً، ولكل شعبة مقام. فثمة: مقام الولاية .. ومقام القضاء .. ومقام الجهاد .. ومقام الدعوة .. ومقامات أخرى، والمقصود بفقه المقامات: أن لكل شعبة من هذه الشعب، أحكاماً خاصة بها، ومواقف يجب على المسلم الالتزام بها،
فموقف ولي الأمر في معالجة القضايا ليس كموقف القاضي، الذي يمثُل أمامه المذنب، وليس كموقف الداعية وهو ينصح المذنبين.
وموقف المسلم مع الذمي (المعاهد) غير موقفه مع العدو الصائل.
وموقف المسلم مع الكافرين في الجهاد، غير موقفه معهم في الدعوة.
فإن اعتدى على المسلمين عدو ردوا عليه بالقوة، وإذا أُوذي المسلمُ نفسُه من الكافر نفسِه -وهو في مقام الدعوة- كان موقفه مغايراً تماماً لموقفه وهو في حال الجهاد .. إذ يجب على المسلم وهو في مقام الدعوة الصبر، والاحتساب، وكف اليد، أي: عدم الرد بتاتاً إلا بالقول الحسن والحكمة.
وهكذا تتفاوت الأحكام بتفاوت المقامات. وقديماً قيل: لكل مقام مقال .. وهاهنا يمكن أن يقال: لكل مقامٍ حُكْمٌ وموقف.
(1) إعلام الموقعين (3/ 16)
وإذا عُلم فقه المقامات، عُلم فقه كثيرٍ من الآيات، الذي يظن من لا فقه عنده، أنها متعارضة أو منسوخة.
فمن هذا الباب: صنف من الآيات تأمر بالصبر والعفو.
كقوله تعالى: {قُلْ يَأَيّهَا الْكَافِرُونَ
…
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ} [الكافرون]
وقوله تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاُمُورِ} . الآية [الشورى: 43]
وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفّوَا أَيْدِيَكُمْ .. } . الآية [النساء: 77]
ومن ذلك؛ صنف من الآيات تأمر بالقتال والرد بالمثل.
كقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ الّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ .. } الآية [البقرة: 190]
وقوله تعالى: {الشّهْرُ الْحَرَامُ بِالشّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَىَ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىَ عَلَيْكُمْ} الآية [البقرة: 194]
فإذا لم تُفهم هذه النصوص على ضوء فقه المقامات، ظنَّها ضعيف العلم، قليل الفقه: أنها متعارضة أشد التعارض، وإذا لم تصنف هذه النصوص على مقاماتها، وقع المسلمون في أشد التناقض، وفوتوا مصالح كثيرة، ووقعوا في مفاسد عظيمة.
وإذا توفر فقه المقامات عُلم؛ أن أحكام الآيات الثلاث الأُوَل (الصنف الأول) -التي أمرت بالعفو والصفح- تكون في مقام الدعوة،
وعندما يكون المسلمون بين أظهر الكافرين في حال السلم، وأن أحكام الآيتين الأخيرتين تكون بعد التمكين في حال الجهاد.
وفي حال غياب -فقه المقامات هذا- عند الدعاة والناشئة، سيسقطون في حمئة التناقض، ووضع الأحكام في غير محلها، وتنفير الناس من الدين .. إذا ما استعمل العنف في مقام الدعوة، ونصب الداعية نفسه قاضياً صارماً، بدل أن يكون داعية رحيماً، فيصدر على الناس الأحكام، ويقسم عليهم الضلالة والهداية.
بل ربما سفك الدم الحرام، وكشف الستر المصون، وجر على المسلمين أذى كثيرًا ومصائب لا يعلمها إلا الله، وهو يستشهد بتلك النصوص ويضعها في غير مقامها، وهو يحسب أنه يحسن فقهًا، ويجيد دعوة، أو يحيي جهاداً .. ويقيم دولة ..