الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول أهمية الأسلوب وأثره في الدعوة:
لا يخفى على بصير ما للأسلوب من أهمية بالغة في استجابة المدعوين، وقبول الحق، وانتشار الدعوة، ولم يبعد النُجعة من عزى للمادة والمنهج نصف النجاح، وللأسلوب النصف الآخر.
ولبيان ذلك؛ لنتصور خطيباً يتكلم عن موضوع مهم كالتوحيد، بمنهج سليم، وقواعدَ صحيحة، من حيث الموضوع، ومن حيث التدرج بالمدعوين، ومن حيث طرحُ الأدلة.
إلا أنه كان فظاً في كلماته، عابساً في سحنته، ضعيفاً في صوته، أو عالياً جداً في نبراته، ركيكاً في عباراته، فوضوياً في ترتيب أفكاره، مرتفعاً في مستوى عرضه، معقداً في تركيب جمله .. يختار الألفاظ الصعبة .. والأسلوب الهجومي.
فإذا كان هذا الداعية كذلك، أو فيه بعض ذلك، فهل يكون موفقاً في دعوته .. ؟ مقبولاً لدى المدعوين .. ؟ كلا؛ بل سيكون خاسراً في دعوته، ومنفراً الناس عنه رغم صحة منهجه.
ولنتصور داعية: لين الكلمات، بشوش الوجه .. معتدل الصوت، فصيح النطق، جميل العبارات، مرتباً في أفكاره، بسيطاً في عرضه، يضرب لهم الأمثلة الجميلة، ضمن القواعد السليمة، بكلمات مفهومة، وجمل واضحة، يبتسم في وجوههم .. ويسع جميع المدعوين ببصره .. كأنه مع كل حاضر .. ويخاطب كل مستمع.
فكم سيكون موفقاً في دعوته .. ؟ مقبولاً لدى المدعوين؟ ! ! .
إنه سيكون ناجحاً في دعوته نجاحاً عظيماً .. محبوباً لدى المدعوين .. لأن النفس البشرية طبعت على حب الكلمة الطيبة، والإنصات للأسلوب الحسن، والتأثر به، والاستجابة لصاحبه.
فرب كلمة طيبة كان لها وقع في النفس أكثر من خطب جمعة .. ورب كلمة فظة صدت قوماً عن الهداية .. لذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((الكلمة الطيبة صدقة)) (1).
فكم من دعوة صحيحة، فشلت لسوء أسلوب أصحابها ..
وكم من دعوة باطلة، سمعت لحسن أسلوب دعاتها.
إن الأسلوبَ الحسن، والكلمةَ الطيبةَ، ليجريان مع دم السامع .. في عروقه، فتفتح سمعه .. وتشد بصره .. وتشرح صدره، وتلين فؤاده .. وتغذي نفسه بغذاء القبول .. وتدفع قلبه للتذكر والخشية .. ثم الاستجابة .. إذا كان الله يريدها له .. {لعله يتذكر أو يخشى .. } فهل نحن مدركون؟ ! ؟ .
إن إهمال مسألة الأسلوب دفع الدعوة إلى الوراء، وصد كثيراً من الناس عن الحق.
(1) رواه البخاري (2989)، ومسلم (1009).
أوقف أحدهم سيارته وقفة غير نظامية، فقال له مسئول: أيليق بك أن توقف سيارتك هكذا .. وكان بإمكانه أن يعاقبه، يقول المخطئ: فما نسيت هذه الكلمة منذ أكثر من ثلاثين سنة، وما أوقفت سيارتي بعد ذلك إلا موقفاً صحيحاً.
مثل الداعية ذي الأسلوب الحسن:
والداعية كالطبيب، والمدعوون هم المرضى .. فكما أن الطبيب الصادق لا ينظر إلى أصل المريض ولونه .. ونسبه .. ودينه .. بل يعامل الجميع بصدق، ورفق، واهتمام، وأسلوب حسن.
فكذلك الداعية الحكيم؛ يجب أن يعامل جميع الناس مؤمنهم وكافرهم، بارهم وفاجرهم، كبيرهم وصغيرهم، عزيزهم وصعلوكهم .. معاملة طيبة، وأن يخاطبهم بأسلوب حسن، دون النظر إلى سوابق لهم، أو إلى ما هم عليه من الفجور.
فإن من السلبيات التي تقع في الأسلوب؛ تأثر الداعية بما يكون عليه المدعو من فساد وفجور .. وما يقوم به من ردود فعل تجاه الداعية. الأمر الذي يدفع بعض الدعاة إلى التجاوب مع هذا الاستفزاز، وتغيير أسلوبه، بألفاظ شديدة .. وصوت مرتفع .. وسحنة متجهّمة، إما بغير شعور، وإما ظناً منه أن مثل هؤلاء لا ينفع معهم إلا الشدة، ولا يرتدعون إلا بالغلظة .. وما ذكر هاهنا، وماسيأتي من نصوص تبين - بلا شك - خطأ هذا التصرف.
والمقصود من هذا؛ اهتمام الداعية بأسلوبه، وتركيز المربين والعلماء على إصلاح أساليب الدعاة، لما للأسلوب من أثر كبير في نجاح الداعية، وقبول دعوة الحق.
ونظراً لأهمية هذا الفصل، فسنذكر فيه بعض القواعد، التي تعين الدعاة في أسلوبهم، والله نسأل السداد والتوفيق.