الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي هذه التعابير ما لا يخفى من التأثير النفسي على السامع أو القارئ، لأن النفس تكره التقريع المباشر، والاتهام الصريح، ولو كانت مذنبة، ومقرّة بذلك في نفسها.
لذلك جاء هذا الأسلوب مقرراً للحقائق، مراعياً حال المخاطبين، فجمع بين قول الحق، وحسن العرض.
فاللهم اهدنا لأحسن الأساليب، إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
المطلب الخامس: السنة وأسلوب الاستفهام والترجي:
وقد سلك الأنبياء في خطابهم هذا المسلك.
قال تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى اللهِ شَكّ .. } الآية [إبراهيم: 10]
وقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {مَا هَذِهِ التّمَاثِيلُ الّتِى أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ .. } . [الأنبياء: 52]
وقال: {أَإِفْكًاءَالِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ} [الصافات: 86]
وقال موسى عليه الصلاة والسلام: {أَتقُولُونَ لِلْحَقّ لَمّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُونَ} [يونس: 77].
وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: {لِمَ تُؤْذُونَنِى وَقَد تّعْلَمُونَ أَنّى رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ .. } الآية [الصف: 5]
فانظر - رحمني الله وإياك - ما أعظم هذا التقرير، وما أبدع هذا العرض: قول الحق، بأسلوب مقبول، وطرح مؤثر.
وقال مؤمن سورة يس:
{ءَأَتّخِذُ مِن دُونِهِءَلِهَةً
…
} الآية [يس: 23].
وقال صلى الله عليه وسلم لعلي: كيف أنت وقوم كذا وكذا، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم
…
)) (1)
وقال لأسامة بن زيد: ((أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله)).
وفي رواية: ((أقال لا إله إلا الله وقتلته
…
)) (2) الحديث.
وقال صلى الله عليه وسلم في أمره بالمعروف - لعلي وفاطمة رضي الله عنهما ((ألا تصليان
…
)). (3) بدل أن يقول: ((قوما فصليا)) بصيغة الأمر
وقال عليه الصلاة والسلام لرجل من الأنصار أرسل إليه، فخرج ورأسه يقطر فقال صلى الله عليه وسلم:((لعلنا أعجلناك؟ ))، قال: نعم، يارسول الله، قال:((إذا أعجلت أو أقحطت فلا غسل عليك، وعليك الوضوء)) (4).
وقال صلى الله عليه وسلم لمن رمى ماعزاً بوظيف حمار فصرعه - حين فر من ألم الرجم - هلَاّ تركتموه، لعله أن يتوب فيتوب الله عليه)) (5).
فليتأمل الداعية قوله صلى الله عليه وسلم: ((هلا تركتموه))، وقوله:((لعله يتوب))، وذلك بعدما قارف ماعز الخطئية، وطلب إقامة الحد .. وبدأ التنفيذ .. ثم يقول عليه الصلاة والسلام بعد هذا كله:((لعله يتوب .. ))، وكم من حديث قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لعل)) .. و ((أرأيتم)) .. مما لا يكاد يحصى.
(1) رواه أحمد (1/ 160)، وأبويعلى (472، 482)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 439): رجاله ثقات.
(2)
رواه البخاري (4269)، ومسلم (96).
(3)
رواه البخاري (1127)، ومسلم (775).
(4)
رواه البخاري (180)، ومسلم (345)، واللفظ له.
(5)
رواه أحمد (5/ 217)، والنسائي في الكبرى (7274)، والحاكم (4/ 363)، وصححه، ووافقه الذهبي، ومعنى الوظيف: هو خف البعير، النهاية، مادة:(وظف).
خلاصة هذا المبحث:
أن على الداعي أن يحسن من أسلوبه باستعمال (الضمائر) التي تفيد اشتراكه مع المدعووين، وبتعميم الخطاب، لا بتعيين المخاطبين، وأن يكثر من استعمال أدوات الاستفهام، وألفاظ الرقة واللين، وكلمات الترجي والرفق، مما يضفي على أسلوبه لذة في السماع، وقبولاً من المدعووين، والنصوص في هذا الباب أكثر من أن تحصى.
فاللهم اهدنا لمخاطبة الناس بالتي هي أحسن.