الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسجود، ومبطلاً بدع التعبد السخيفة، كالرياضات المجوسية، من وقوف تحت الشمس أياماً تعبداً
…
والامتناع عن النكاح والطعام، وغير ذلك من العبادات الباطلة، التي أبطلتها دعوة الحق.
وماحياً عادات قبيحة، لا يقرها شرع، ولا يقبلها عقل، كمنع الطلاق .. ودفن الزوجة حية مع زوجها إذا مات قبلها .. وما قصة إلقاء الفتاة في نهر النيل كل سنة بمجهولة (1)، وما شابه هذه العادات الباطلة التي سخطها الإسلام، واستبدلها بالحق الناصع، والصراط المستقيم.
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ} . [الأنبياء: 18]
وهكذا عاش المسلمون في الحق، وللحق، وبالحق.
الأثر الثاني من آثار الدعوة إلى الله: انتشار العدل، ورفع الظلم
.
الظلم ظلمان: ظلم العبد لنفسه، وظلمه لغيره.
فأما ظلم العبد لنفسه، فهو الكفر بخالقه، وصرفُه عبادتَه لغير ربه، وادّعاءُ الولد والصاحبة لله، ووصفُ اللهِ تعالى بما لا يليق به، وإعراضُه عن دعوة الله، وعصيانه، وغيرُ ذلك من صور الظلم الكثيرة.
قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَىّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} . [لقمان: 13]
وقال سبحانه: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ} . [البقرة: 254]
(1) رواها أبو الشيخ في كتاب العظمة (4/ 1425)، وانظر قصة نيل مصر في البداية والنهاية لابن كثير (7/ 100)، ومعجم البلدان لياقوت الحموي (5/ 335).
ولذلك كان من أعظم آثار الدعوة إلى الله تعالى إزالة هذا الظلم القبيح، من اعتداء على حدود الله، في ذاته، وربوبيته، وألوهيته، وصفاته، حتى يصبح الناس عادلين في ربهم، طيبين في نفوسهم ..
والظلم الآخر: ظلم العبد لغيره، وصور هذا الظلم كثيرةٌ لا تُحصى، ومختلفة لا تنضبط .. من إزهاق الأرواح، وسفك الدماء، وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال، ومنع الحقوق، واختلاس الأمن، وترويع العباد، وإهلاك الحرث، وإفساد النسل.
حتى عد شرع الله عز وجل أن أخذ الشيء اليسير من الإنسان، كالسواك ظلمًا يستحق صاحبه العذاب الأليم.
قال صلى الله عليه وسلم: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة))، فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يارسول الله؟ ، قال:((وإن قضيباً من أراك)) (1).
لأجل ذلك جاءت النصوص الكثيرة، والأحكام الصارمة في تحريم الظلم.
قال تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} . [طه: 111]
وقال: {وَمَن يَظْلِم مّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} . [الفرقان: 19]
وخاتمة هذه النصوص القرآنية تعلن اللعن من الله على الظالمين.
قال تعالى: {أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظّالِمِينَ} . [هود: 18]
وقال صلى الله عليه وسلم: ((الظلم ظلمات يوم القيامة)). (2)
(1) رواه مسلم (137)، وله رواية أخرى بلفظ مقارب أخرجها البخاري (6659، 7445)، ومسلم (138)، والأراك هو شجر يؤخذ منه السواك.
(2)
رواه البخاري (2447)، ومسلم (2579).
وفي الحديث القدسي الجميل يقول الله تعالى:
((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا
…
)) (1)
وإذا انتفى الظلم حل العدل، وهو مطلب من أعظم مطالب الدعوة إلى الله وأسماها.
لأن حلولَ الظلم، مفسدةٌ للبلاد، ومهلكةٌ للعباد، وقهرٌ للنفوس، وتفتيتٌ للأكباد، واختلالٌ في الأمن.
إن الظلم ليتعدى حدود المظلمة، ليصل إلى روح المظلوم، فيذيقها الويلات، ويسكن الظلم كبد المظلوم فيفتتها.
فتحل بالمظلومين روح الانتقام، وتقوى فيهم طباع التشفي.
لذلك لا يهدأ للمظلوم بال، ولا يقر له قرار حتى يأخذ حقه، ولا يستقر له حال، حتى يعيد كرامته، أو ينتقم لنفسه، فتنتشر الثارات فيفقد الناس - حينئذ - أمنهم، وتختل موازين مجتمعاتهم ..
ولم يكتف الله سبحانه بالأمر بالعدل بل أمر بالإحسان، الذي هو أعلى من العدل مرتبة، وأسمى منه منزلة، فإن العدل؛ أن تعطي المرء حقه، والإحسان؛ أن تزيده على حقه إحساناً منك وتفضلاً.
قال تعالى: {إِنّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ
…
} الآية. [النحل: 90]
كما أحسن أبو بكر الصديق إلى ابن خالته مسطح، فأرجع إليه النفقة - بعدما أمسكها عنه عندما أشاع الفاحشة في ابنته أم المؤمنين
(1) رواه مسلم (2577)
عائشة رضي الله عنها في شأن قصة الافك-استجابة لقول الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسّعَةِ أَن يُؤْتُوَا أُوْلِى الْقُرْبَىَ
…
} الآية. [النور: 22](1).
وأمر الله تعالى بالعدل بين الناس جميعاً بغض النظر عن انتماءاتهم وأصولهم وألوانهم.
قال تعالى حاكياً عن نبيه: {وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ} الآية. [الشورى: 15]
وأمر الله بالعدل وقول الحق، دون النظر إلى قرابة، أو غنى، أو ما شابه ذلك، قال سبحانه:
{يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ
…
} الآية. [النساء: 135]
وأمر الله بالعدل، ولو كان لصالح الأعداء.
قال سبحانه: {وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىَ أَلاّ تَعْدِلُوا
…
} الآية. [المائدة: 8]
وفوق هذا كله، عدّ الله العدل من التقوى، سواء كان مع قريب أو عدو.
قال سبحانه: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَىَ .. } الآية. [المائدة: 8]
فأي دين أعظم من هذا؟ ! وأيةُ وصايا أسمى من هذه؟ ! إذ جعل العدل مع العدو عملاً صالحاً يقرب إلى الله.
(1) انظر البخاري (2661)، ومسلم (2770)