الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع في التدرج، وفقه الأولويات:
وفيه تسعة مطالب:
المطلب الأول: المقصود بالتدرج وفقه الأولويات:
لا تنفصل قضايا الدعوة واحدة عن الأخرى انفصالاً تاماً، فإن مسألة التدرج في المأمورات والنهي عن المحرمات من باب فقه الأولويات، ومن باب مراعاة حال المدعوين كذلك، ولكن التدرج يفارقهما في مراعاة حال المدعو إيمانياً، ونفسياً، وواقعياً، من حيث المادة العلمية نفسها.
فمن الضروري جداً؛ أن يكون لدى الداعية منهجٌ واضح في قضية التدرج مع المدعوين، وفقهٌ في الأولويات التي ينبغي للداعية أن يقدمها ويراعيها، كي تؤدى الدعوة إلى الله على وجهها الصحيح، ولتتناسب وفطر الناس التي فطرهم الله عليها، ولكي يوفق إلى اختيار الأهم فالأهم، إذا ما تزاحمت لديه الأمور، واجتمعت عليه في آن واحد القضايا.
فالتقعيد في هذا الباب، والفقه فيه، يعطي الداعية تصرفاً سليماً في المواقف، وترتيباً لأولويات دعوته، مما يحفظ عليه وقته وجهده، فينتفع وينفع، ويزرع .. فيثمر .. وإلا تخبط في دعوته، فيَضيع ويُضيّع .. ويزرع .. فلا يثمر ..
والمقصود بالتدرج: الانتقال بالمدعو من الأسهل إلى الأصعب، ومن كلية إلى أخرى، ومن الكليات إلى الجزئيات، ومن الدعوة النظرية إلى
الدعوة العملية التطبيقية، ومن الإيمان إلى الأعمال، ومن التوحيد إلى العبادات.
والانتقال به في باب المحرمات، من محرم إلى آخر .. ومن تحريم الكبائر إلى تحريم الصغائر، حتى يصل المدعو إلى مرتبة التكيف مع كل توجيه، والانصياع لكل أمر.
والتدرج سنة كونية، وشرعية، لأنها تتوافق والفطرة التي فطر الله الناس عليها.
فإن طبيعة البشر، تأبى قبول الأحكام جملة واحدة، أو الامتناع عن المحرمات مرة واحدة، وذلك لما ألفته النفس واعتادت عليه من العادات في جاهليتها، واستثقال ما هو جديد من العبادات، لذلك يصعب على النفس ترك ما ألفته من تلك العادات، ويشق عليها تجنب ما اعتادته من الشهوات، دفعة واحدة، لذلك جاءت سنة التدرج الشرعية، موافقة تماماً لسنة الله الكونية.
قال تعالى: {قُلْ أَنزَلَهُ الّذِي يَعْلَمُ السّرّ فِى السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ
…
} الآية [الفرقان: 6].
لذلك سَنَّ الله سبحانه التدرج مع عباده في كثير من القضايا .. في المأمورات، وفي المنهيات .. وكذلك سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الاشتراك بين التدرج وفقه الأولويات، فذلك لأن فقه الأولويات يعني التدرج من الأهم إلى المهم .. فالتوحيد - مثلاً - أعظم العبادة، فكان لا بد من تقديمه على كل عبادة، لأنه لا تستقيم عبادة إلا به، فهذا تدرج وأخذ بالأولويات، فهو يشبه الوضوء للصلاة.