الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتآلفُ معها ضمن إطار الشرع، ليتمكنوا بهذه البصيرة، من إنزال الأحكام على الوقائع، وليفرقوا بها بين الطرق الشرعية التوقيفية، والوسائل العصرية المتجددة، كي يستعملوها فيما يخدم دينهم .. بحكمة بالغة، حتى تثمر دعوتهم، ولا تصادم واقعهم، فتعود عليه بالفشل واليأس.
ومن ذلك الفقه:
المطلب الثاني: فقه الأولويات:
مما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ أن في الدين أولويات .. أولويات في قضايا الإيمان .. وفي الأعمال .. وفي الأمر والإنكار .. وفي العلم .. وفي التعليم .. وأولويات في التبليغ والدعوة.
والمقصود بفقه الأولويات: ترتيب العالم أو الداعية لأوراقه .. الأهم فالأهم .. والأحوج فالأحوج .. والأنفع للمدعوين فالأنفع.
ومَثَلُ ذلك؛ كمثل طبيب يداوي مريضاً، به أكثر من مرض .. فينظر إلى الأخطر فيداويه، ثم الأقل خطورة، وهكذا في معظم الأمور.
فهل من الحكمة، أن يبدأ بمداواة مرض الرشح، وينشغل به، عما أصاب بدنه من داء الدرن .. ؟ !
فإذا كان ثمة رجل مبتلى بترك الصلاة، وبتعاطي الدخان، فيؤمر بالصلاة أولاً، وإذا كان رجل يتعاطى المخدرات والدخان، فيحذر من المخدرات أولاً. وهكذا.
ومن هذا الباب؛ الدعوة إلى التوحيد قبل العبادات .. وإلى الإيمان قبل الأحكام .. والخوف من الله قبل النهي عن المحرمات .. ووحدة الصف مقدمة على الدعوة إلى السنن، وهكذا مما سيأتي تفصيله في بابه.
وليس من مانع إذا رأى الداعية مصلحة في الكلام عن أكثر من أمر، أن يُقدم مهماً على أهم، في بعض الحالات، لمصلحة ظاهرة، إذ يترجح المفضول على الفاضل ببعض القيود.
كأن يزور قوماً كثرت فيهم معصية كالسفور، وليس لديه وقت للتدرج معهم .. فيباشر بالدعوة إلى الستر .. وهكذا.
ولذلك نجد هذا الفقه واضحاً في وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وفي مقدمتهم معاذ رضي الله عنه، حين بعثه إلى اليمن، وسيأتي تفصيل ذلك في متن البحث.
إن فقدان فقه الأولويات، يحدث خللاً بالغاً في الدعوة، ويوقع كثيراً من الدعاة في اضطراب في المنهج، وتخبط في الدعوة، فتضيع بذلك الأوقات. وتُهدر الطاقات. ويُحدث ذلك أثراً سلبياً، وربما نتائج عكسية، في دعوة من فَقَدَ ذلك.
إن فاقد فقه الأولويات، قد يدعو إلى الأعمال قبل تحقيق توحيد الربوبية والألوهية، وإلى السنن قبل الواجبات، وإلى ترك المكروهات قبل المحرمات، وإلى الشكليات قبل المضامين، وإلى الفرعيات قبل الأسس، كوحدة الكلمة، وتماسك الصف، مما ينعكس أثره سلبياً على الدعوة.