الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول الدعوة إلى الإيمان قبل الأعمال والأحكام:
وفيه ثمانية مطالب:
المطلب الأول: معنى هذه القاعدة:
المقصود من هذه القاعدة؛ أن تُقَدَّم الدعوة إلى الإيمان، بمفاهيمه وأصوله، على الدعوة إلى العبادات والمعاملات، من حلال وحرام، في المأكولات، والملبوسات، وغيرها، وتطبيقُ هذه القاعدة هو الأصل في مقام الدعوة، وبخاصة لمن فقد الإيمان، أو حصل له فيه خلل أو ضعف، وليست هذه القاعدة مطردة في كل حال ولا في كل مقام وليس لها دور في مقام التعليم والفقه، وسيأتي تفصيل هذه الحالات.
المطلب الثاني: الحكمة من هذه القاعدة وثمرتها:
يَكْمُنُ سر هذه القاعدة؛ في أن الإيمان يدفع صاحبه إلى المسارعة إلى التصديق بالخبر .. ماضياً كان أو أُنُفاً، والامتثال للحكم صعباً كان أو سهلاً، والاستجابة للطلب فعلاً كان أو تركاً، والقيام به بسهولة، ويسر، ونشاط، وشوق.
ومن أهم ذلك؛ العقيدة والعبادة، فإنهما إذا بُنيتا على إيمان واحتساب، سُلِّم للعقيدة بكل قبول ويقين دون شك ولا تردد، وأديت العبادة برغبة وطمأنينة، دون تعنت ولا استثقال، بل وَجد المرء فيها راحته، وقرة عينه.
ومما هو معلوم؛ أن الإيمان يزيد وينقص، فكلما نقص الإيمان، استثقل صاحبه الأعمال، وأعرض عنها، وشق عليه ترك المحرمات، وكلما ازداد الإيمان، ازداد المدعو تسليماً للعقيدة، واستجابة للأحكام، وإقبالاً على الأعمال، واستسهل ذلك، بل استمتع به وتلذذ .. دون عناء كبير من الداعية في الدعوة لكل أمر، فإن الداعية إذا بنى دعوته على الإيمان، لم يجد تعنُّتاً من المدعوين في الاستجابة والتسليم
…
كما يجده لو بدأ بالأعمال والأحكام قبل الإيمان.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (( .... وجُعلت قرّة عيني في الصلاة)) (1).
لأنها بنيت على إيمان واحتساب، وتسليم ورغبة.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول لبلال -إذا حان وقت الصلاة-: ((أرحنا بها يا بلال)) (2)، فانظر الفارق بين ((أرحنا بها))، وبين:((أرحنا منها)) وهي لسان حال كثير من الكسالى في كل زمان.
فكل هذا ثمرة الإيمان قبل الأحكام.
وأما عندما تؤدى العبادة بلا إيمان، أو بإيمان ضعيف، فيستثقلها صاحبها، ويؤديها على كره، وبغير خشوع.
قال تعالى عن المنافقين: {إِنّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوَا إِلَى الصّلاةِ قَامُوا كُسالىَ يُرَآءُونَ النّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاّ
(1) رواه أحمد (3/ 285)، والنسائي (7/ 61)، والحاكم (2/ 160)، وصححه، ووافقه الذهبي.
(2)
رواه أبو داوود (4985، 4986)، والطبراني في الكبير (6/ 277)، وأبو بكر الإسماعيلي في معجمه (2/ 581)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (10/ 442)، وانظر صحيح أبي داود (4171، 4172)