الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني عشر الوسيلة الثانية عشرة: وسيلة .. المجادلة والمحاورة والمناظرة:
وفيه عشرة مطالب:
المطلب الأول: الأهمية والمقصود:
لما كان من المعلوم بالضرورة: أن دين الإسلام لا يقوم بالإكراه، ولا ينتشر بالعنف.
{لا إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَد تّبَيّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَىّ .. } الآية [البقرة: 256].
وإنما يُدعى إليه عن طريق البيان، وإقامة الحجة، ودحض الباطل.
قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ .. } الآية [الأنبياء: 18].
لذلك شرع الله المجادلة بكافة أشكالها، وما يدخل في هذا الباب؛ من المناظرة والمحاورة .. وما شابه ذلك سبلاً من أهم سبل الدعوة إليه.
وليس القصد من هذا المبحث التفصيل في طرقها وشروطها، فلها كتب مخصوصة، ومباحث معينة، وسوف يُتعرض لها على سبيل الإجمال.
المطلب الثاني: المعاني والتعريف
المجادلة والمناظرة والمحاورة والمماراة وارتباط هذه الألفاظ بعضها مع بعض ومعانيها:
وذلك؛ حتى يتناسب خطاب الداعية كافة الأحوال، وليعم كافة المدعووين، فقد سبق أن الداعية يتعرض إلى أحوال دعوية متفاوتة، وأن المدعووين يتفاوتون في فهمهم وثقافتهم وطرق دعوتهم.
لذلك كان تنوع خطاب الداعية من إلقاء إلى حوار إلى مناظرة أقوى سلاحاً له وأنفع للمدعووين.
ذهب بعض أهل العلم واللغة إلى: أن المجادلة والمحاورة والمناظرة والمناقشة .. كلها ألفاظ مترادفة، ذات معنى واحد، أو متقارب (1).
قلت: المتتبع لألفاظ الجدل والمحاورة والمناظرة والمراء .. وما شابهها في القرآن والسنة، يجد أن ثمة اشتراكاً كبيراً بين هذه الألفاظ في معانيها، وبينهما فروق تدل على أن لكل نقطة معنى مخصوصاً، فمن ذلك:
أن الله أمر بالجدال، ولم يحدد صوره، وإنما حدد أسلوبه: أن يكون بالتي هي أحسن {وَجَادِلْهُم بِالّتِى هِىَ أَحْسَنُ .. } الآية [النحل: 125].
وامتثالاً لهذا الأمر؛ نجد أن رسول الله والأنبياء - صلى الله عليهم وسلم - من قبل، ناظروا وحاوروا، وأن الله وصف ما جرى بين النبي وخولة بنت ثعلبة - التي كانت تشتكي زوجها -، بالجدال وبالحوار في وقت واحد.
{قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِىَ إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ} [المجادلة: 1].
وسمى الله الكفار المعاندين: بالمجادلين بالباطل، فقال:
(1) كتاب الجدل لابن عقيل: المقدمة للدكتور علي بن عبد العزيز العميرين (ص: 16) ومناهج الجدل للدكتور زاهر عواض الألمعي (ص: 29) والكافية في الجدل لأبي المعالي الجوني (ص: 19) واللسان مادة (ج د ل)
{وَيُجَادِلُ الّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقّ .. } الآية [الكهف: 56].
وسمّى بعض بيان الأنبياء لأقوامهم جدالاً {قَالُوا يَنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا .. } الآية [هود: 32].
وسمّى الله المجادلة مراء في قوله تعالى: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاّ مِرَآءً ظَاهِراً .. } الآية [الكهف: 22].
وحاج إبراهيم صاحبه، وسمّاه العلماء مناظرة. (1)
وسمّى رسول الله صلى الله عليه وسلم المجادلة بالباطل؛ مراء.
فقال صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة، لمن ترك المراء، وإن كان محقاً)). (2)
وبناء على هذا فالظاهر: من هذه الألفاظ؛ المجادلة، المحاورة، المناظرة، المراء التي ذكرت في هذه النصوص، إما أنها مترادفة مع فروق قليلة في المعنى.
وإما أنها -المناظرة، والمحاورة، والمراء - صور من صور الجدال، ويكون الجدال جامعاً لهذه الألفاظ، وهن شعب من شعبه، وهذا أشبه بالصواب.
قال ابن الأثير ((المجادلة: المناظرة والمخاصمة)) (3)
(1) وذلك في سورة البقرة {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِي حَآجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبّهِ .. } [البقرة: 258]
(2)
أخرجه أبو داود (4800)، والطبراني في الكبير (8/ 98)، وفي الأوسط (4693)، وفي مسند الشاميين
(1230، 1594)، والبيهقي في السنن (10/ 249) وفي الشعب (8017) وأورده الشيخ الألباني في الصحيحة (273).
(3)
النهاية في غريب الحديث، مادة:(جدل)
وقد عُرّفتْ هذه الألفاظ؛ الجدال، المناظرة، الحوار .. تعريفات فلسفية منطقية، أعرضت عن ذكرها، لأننا في مقام الدعوة، لا في مقام علم الكلام، وسأحاول تبسيط هذه التعريفات، وتسهيل عباراتها، وتقريبها إلى أذهان الدعاة والمدعوين ما استطعت .. والله وحده المعين.
الجدال لغة: اشتداد الخصومة. (1) ويتم بتبادل الكلام.
وقال ابن الأثير ((الجدال: مقابلة الحجة بالحجة)). (2)
والجدال - بعامة - اصطلاحاً: هو بيان ما عند المتكلم من الحق، وتخطئة المخالف، ورد الشبهات.
الحوار لغة: المجاوبة والمجادلة. (3)
الحوار والمحاورة اصطلاحاً: تبادل وجهات النظر المختلفة بين أكثر من طرف، لإحقاق قوله، وتخطئة قول غيره، دون تعمد لكسر مخالفه.
ففيه يلقي كل طرف ما عنده، بكلمات موجزة، أو محاضرات قصيرة، محاولاً إظهار ما عنده من الحق، وإزالة ما وقع على مذهبه من اللبس، وبيان ما عند المخالف من الخطأ، ومافي مذهبه من اللبس.
وتتم في جو يسوده الهدوء والإنصات.
وغايتها: إظهار الحق، وإقناع الطرف الآخر، عن طريق التفاهم والمناصحة والبيان.
(1) اللسان (11/ 103)، وتهذيب اللغة، والوسيط، مادة (ج د ل)
(2)
النهاية (1/ 247).
(3)
المعجم الوسيط (1/ 205)، مادة:(حار).
وحكمه - حكم الأصل -أصل الدعوة- الوجوب على من يستطيعه، وقد ورد في القرآن الكريم صور له، من ذلك في سورة الكهف: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ
…
} الآية [الكهف: 37]. إلى آخر النص.
المناظرة لغة: المباراة في المحاجة. (1)
المناظرة اصطلاحاً: بيان ما عند كل طرف من الصواب أو الحق، ودحض ما عند الطرف الآخر من الخطأ والباطل، على طريقة السؤال والجواب، لأجل الإلزام، والإفحام، والإحراج.
وهي: أدق صور المجادلة، وأصعبها، وتحتاج إلى فن خاص، فوق العلم والفقه.
ولذلك لا يجوز لأي طالب علم أن يقوم بها، لأنها سلاح حاد ذو حدين (2).
المراء لغة: هو الجدال (3).
المراء اصطلاحاً: الجدال بالباطل، قال تعالى:{أَلا إِنّ الّذِينَ يُمَارُونَ فَي السّاعَةِ لَفِي ضَلالَ بَعِيدٍ} [الشورى: 18]، وأحياناً يأتي بالمعنى اللغوي. {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاّ مِرَآءً ظَاهِراً} [الكهف: 22] .. أي الجدال.
الجدال بالتي هي أحسن: أن يكون الجدال بأسلوب حسن، وعرض مقبول دون تعرض إلى شتم، أو استهزاء، أو تقبيح.
(1) المعجم الوسيط (2/ 931)، مادة:(نظر).
(2)
إذ قد يكون صاحب الحق حافظاً عالماً ولكنه لا يحسن المناظرة .. فإذا خاضها وفشل انعكس أثر ذلك على الحق الذي عنده. فليتنبه إلى هذا.
(3)
انظر المعجم الوسيط، مادة:(مرى).