الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني قواعد في الأسلوب الدعوي:
وفيه؛ أربعة مطالب:
الأول: الأمر من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بإحسان الأسلوب:
لمّا كان لحسن الأسلوب، والكلمة الطيبة، وطيب العشرة، الأثرُ الطيب، والثمرُ اليانع، في حياة الناس بعامة، حث الله عز وجل الأنبياء، والدعاة والناس أجمعين عليه.
قال تعالى: {وَهُدُوَا إِلَى الطّيّبِ مِنَ الْقَوْلِ .. } الآية [الحج: 24]
وقال تعالى: {وَقُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً .. } . الآية [البقرة: 83]
فإذا كان هذا الأمر بعامة ولعامة الناس، فمن باب أولى أن يكون للداعية منه نصيب وافر، وبخاصة في مقام الدعوة.
ولذلك أكد الله عز وجل على حسن الأسلوب في مقام الدعوة، بغض النظر عن حال المدعو، أياً كان في مقامه، أو دينه، أو كفره.
فقال: {ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ .. } الآية [النحل 125].
ومع ما اتصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرفق واللين .. وحسن العشرة، بشهادة الله له {وَإِنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] مع هذا كله، حذّره الله من عواقب سوء الأسلوب، وغلظة العشرة، فقال سبحانه:{وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ .. } الآية [آل عمران: 159].
وجاءت السنة لتؤكد حسن الأسلوب بصورة أشمل، وبتعبير أعم. يشمل كل مخلوق، ويعم كل معاملة.
فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما كان الرفق في شيء قط إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه)) (1).
فتنكير كلمة ((شيء)) تفيد العموم في كل قضية، ومع كل مخلوق، إنساناً كان أو حيواناً.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((الكلمة الطيبة صدقة)). (2)
وقال صلى الله عليه وسلم: ((وتبسمك في وجه أخيك صدقة)). (3)
ومن عظم مايسطر هاهنا من خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع أشد الناس عداوة لله ولرسوله وللمؤمنين، مما يبرز سماحة هذا الدين وقصده الاصلاح، عن عائشة رضي الله عنها أن يهود أتو النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة: عليكم، ولعنكم الله وغضب عليكم. قال صلى الله عليه وسلم: مهلاً ياعائشة عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش. قالت: أولم تسمع ماقالوا؟ قال: أولم تسمعي مقلت؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في)) (4)
وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من تنفير الناس من الدعوة، بالتصرفات السيئة، والأسلوب الفظ، والكلمات القاسية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إن منكم
(1) رواه أحمد (6/ 206)، واللفظ له، ومسلم (2594).
(2)
البخاري (2989)، ومسلم (1009).
(3)
الترمذي (1956)، وقال حسن غريب، وابن حبان (474)، وصححه، وحسنه الألباني في الصحيحة (572).
(4)
البخاري (6030)، ومسلم (2165).
منفرين)) (1)، وصدق - والله - رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال هذا لمن أطال الصلاة، فما عساه يقول فيمن يطيل الخطاب، ويسيء الأسلوب؟ ؟ .
وقد جاء أكثر من وفد من كفار قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يتغير أسلوب خطابه تأثراً بما كان منهم من قبل من التعذيب، والفجور، والصد عن سبيل الله، وستأتي بقية الأدلة على هذا في باب الرفق من هذا المبحث.
وخشية أن يتأثر موسى عليه الصلاة والسلام، بما كان عليه فرعون من الكفر الشديد، والظلم الكبير، والعناد والخبث، ذكّره الله بأن لا يتجاوز الأسلوب الحسن في خطابه، وأن لا يلتفت إلى سوابق فرعون من كفر وظلم، وإلى تصرفاته من بطش وإجرام.
ويظهر هذا في قوله تعالى مخاطباً موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لّيّناً لّعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَىَ} [طه: 44].
ويظهر كذلك في المحاورة التي جرت بين موسى وفرعون مما ذكره الله عز وجل في أكثر من موضع (2).
فإذا كان الأسلوب الحسن واجباً في حق أكفر الكافرين، وأضل الضالين، فكيف بمؤمن مخطئ، أو مسلم منحرف؟ .
لذلك كان من الأمور التي يجب على الداعية أن يلتزمها في دعوته طاعة لله، ومصلحة لدعوته؛ حسن الأسلوب، وثباته على هذا، في كل
(1) البخاري (702)، ومسلم (466).
(2)
اقرأ إن شئت ذلك في سورة طه، وفي أول سورة الشعراء وفي غيرهما، ويأتي الكلام عنها تفصيلاً في مبحث المناظرة.