الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)) (1).
فالبدء بالدعوة إلى الإيمان .. تأسيس واطمئنان، والتثنية بالعبادات .. ذكر وتثبيت، والنهي عن المنكرات .. تطهير وتزكية.
ومن أوضح ما يبين قضية التدرج ما أمر به رسول الله معاذاً حين أرسله إلى اليمن.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: إنك ستأتي قوماً من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)) (2).
المطلب الثالث: التدرج في المأمور نفسه:
ولم تقتصر سنة التدرج بين الكليات كالتوحيد، ثم العبادة فحسب .. بل كان التدرج في الكلية نفسها، أي: كان التدرج في التوحيد نفسه، وفي الصلاة نفسها.
(1) رواه مسلم، واللفظ له، كتاب الطهارة رقم (223)، وأحمد (5/ 343).
(2)
رواه البخاري (4347) واللفظ له، ومسلم (19).
فأول ما حُرم الشرك الأكبر، ولم ينههم الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشرك الأصغر إلا في المدينة.
فعن ابن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب، وهو يسير في ركب يحلف بأبيه، فقال:((ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)) (1).
ففي هذا الحديث وغيره، دلالةٌ على أن الصحابة كانوا يحلفون في المدينة بآبائهم، فلو كان شركاً أكبر، وقد نهوا عنه أول الأمر، لما وقعوا فيه بعد الهجرة، وبخاصة من أمثال عمر رضي الله عنه.
وأصرح من هذا؛ قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم كنتم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها، قال: ((لا تقولوا ما شاء الله، وما شاء محمد)) (2)
وأول ما شرعت الصلاة ركعتين ركعتين في مكة، ودون النوافل، ثم زيدت في الحضر، ثم شرعت النوافل.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعاً، وتركت صلاة السفر على الأولى)) (3)
ولم تكن الصلاة أول ما شرعت على هيئتها آخر الأمر، فكان المسلمون يتكلمون في صلاتهم، ثم أمروا بالإمساك عنه، بقوله تعالى:{وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].
(1) رواه البخاري (6646)، ومسلم (1646).
(2)
رواه أحمد (5/ 72) رقم 20713، وابن ماجة (2118 م)، والطبراني في الكبير (8/ 324)، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (874)، وصححه الألباني في (الصحيحة 136، 137).
(3)
رواه البخاري (350، 3935)، ومسلم (685).
قال ابن كثير: ((وهذا الأمر مستلزم ترك الكلام في الصلاة لمنافاته إياها، فعن زيد بن أرقم قال: كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في الحاجة في الصلاة حتى نزلت هذه الآية {وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأمرنا بالسكوت)) (1)
وكذلك الصيام نقل فيه المسلمون من حال إلى حال.
فعن معاذ بن جبل قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال
…
وقال في الصوم: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ويصوم يوم عاشوراء، فأنزل الله تعالى {يَأَيّهَا الّذِينَءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} ، إلى قوله:{طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 183، 184]، فمن شاء أن يصوم صام، ومن شاء أن يفطر فطر، ويطعم كل يوم مسكينا أجزأه ذلك، وهو حول فأنزل الله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِيَ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} ، إلى قوله {أَيّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] فثبت الصيام على من شهد الشهر، وعلى المسافر أن يقضي، وثبت الطعام للشيخ الكبير والعجوز، اللذين لا يستطيعان الصوم، وساق الحديث (2).
(1) تفسير ابن كثير (1/ 302)، والحديث رواه أحمد (4/ 368) واللفظ له، والبخاري (1200، 4534)، ومسلم (539).
(2)
رواه أحمد (5/ 246)، وأبو داوود (507)، والحاكم (2/ 274)، وصححه ووافقه الذهبي، واقتصر على ذكر أحوال الصيام، ولم يذكر أحوال الصلاة، وذكره الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (479) وقال: صحيح.