الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زمان ومكان، ومع كل مدعو ومدعوين، دون النظر إلى ما عليه المدعو من الأحوال الإيمانية .. والعدوانية .. والخلقية، ومهما تصرف من تصرف حيال الدعوة، أو الداعي .. لأن حسن الأسلوب أمر شرعي، مفروض على الداعية، لا يتغير بتغير حال المدعو وتصرفاته.
فلا يجوز التصرف في الدعوة، إلا رفقاً بالأفعال، ورقة في التعبير، وعطفاً في التصرف.
المطلب الثاني: القاعدة الثانية: الرفق واللين والتيسير، لا القساوة والغلظة والتعسير
إن من أعظم ميزات الأسلوب الحسن ومعالمه هو: الرفق في المعاملة، والكلمات الطيبة، والعبارات اللينة، والبشاشة حين اللقاء، والبعد عن الجفاء، والتجافي عن الفظاظة، والترفع عن الرد.
وقد مر سابقاً من النصوص ما يغني عن إعادتها من أهمها ما أمر الله به موسى وهارون {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا .. } الآية [طه: 44]
قال تعالى: {وَعِبَادُ الرّحْمَنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان: 63]
وقال سبحانه: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السّيّئَةُ ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)) (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من يحرم الرفق يحرم الخير كله)) (2).
(1) رواه البخاري (6024، 6256، 6395، 6927)، ومسلم (2165).
(2)
رواه مسلم (2592).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار: على كل قريب هَيِنٍ سَهْلٍ)) (1).
فإذا كان هذا هو الواجب في أسلوب المسلم في حياته العامة، فمن باب أولى أن يتأكد هذا في أسلوب الدعاة .. لما سبق من بيان أهمية الأسلوب في الدعوة إلى الله تعالى.
ولذلك جاءت النصوص مؤكدة على ذلك:
قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ .. } الآية [آل عمران: 159]
قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
…
} الآية [النحل: 125]
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا عائشة: إن الله رفيق يُحب الرفق، ويُعطي على الرفق مالا يُعطي على العنف، ومالا يُعطي على ما سواه)) (2)
وفي رواية: قالت: كنت على بعير صعب، فَجَعَلْتُ أضربه .. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:((عليك بالرفق .. )) الحديث (3).
(1) رواه أحمد (1/ 415)، والترمذي (2488) واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وأورده الألباني في الصحيحة (938).
(2)
أخرجه مسلم (2593).
(3)
أخرجه أحمد (6/ 125) وأصله في مسلم (2594).
وبتعبير تأصيلي بديع، وذكرٍ للسر في ذلك، يقول عليه الصلاة والسلام:((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)) (1).
زانه أي: إذا كان الرفق في شيء جعله جميلاً، ومحبوباً، ويكون ذلك؛ بالمعاملة الحسنة، والكلمة الطيبة، والصفح الجميل، وهذا هو الذي يُصلح الأسلوب، ويجعله مقبولاً لدى المدعوين.
شانه: جعله مقبوحاً، ومكروهاً، ويكون بالألفاظ القاسية، والأسلوب الجاف، والتجهم بالوجه، والتأفف من المدعو وأفعاله، مما يؤدي إلى إفساده، وإفساد الدعوة، ونفور المدعوين.
وإذا عوتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عبس في وجه أحد المدعوين - الأعمى عبدالله بن أم مكتوم - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك مجتهداً مُقدِّماً مصلحة دعوة صناديد قريش على دعوة عبدالله بن أم مكتوم الأعمى (2) .. فإذا عوتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فما حال بعض الدعاة الذين يتجهمون في وجوه الناس .. ويرغون ويزبدون .. وكأن بينهم وبين المدعوين حرباً ضروساً، وعداءاً مستحكماً.
فحريّ بالداعية؛ أن يراجع أسلوبه، فهو نصف النجاح، إن لم يكن معظمه.
(1) مسلم (2594)
(2)
رواه الترمذي (3331)، والحاكم (2/ 514)، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2651).