الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي عشر من الأسلوب الحسن، استقبال الداعية بوجهه المدعوين، والحركة المعتدلة المعبّرة، وتفاعله مع خطابه
.
خلق الله عز وجل العين لتبصر، والأذن لتسمع، والعقل ليفكر، والقلب ليقرر، وكلما أُشركت هذه الحواس جميعاً في الخطاب، وتفاعلت مع الحدث، كان تأثرها أبلغ، وقرارها أصوب.
لذلك؛ على الداعية أن لا يكون جامداً في خطابه، ثابتاً في صوته وفي حركة يديه، في كل مقام، سواء كان المقام مهماً خطيراً، أو كان غير مهم.
والداعية الحكيم هو: الذي يحرك بخطابه حواس المدعوين كلها.
فيكون صوته معتدلاً ومسموعاً، لا هو بالضعيف الذي لا يُسمع، ولا بالقوي الذي يزعج، فيخفضه ويرفعه حين يلزم ذلك حسب متطلبات المعنى، وسياق الخطاب، وفي كل الأحوال ينبغي أن لا يتجاوز صوته الحد المعقول.
فعن جابر رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته .. واشتد غضبه .. )) الحديث. وسيأتي بعد قليل بتمامه.
ويكون مُقبلاً بوجهه على الناس، فلا يطرق رأسه في الأرض خجلاً بغير لزوم، أو يُثبّت بصره في اتجاه واحد، بل يوزع بصره على الحضور جميعاً، حتى يستشعر كل مدعو أنه يراه، ويشاركه.
فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء (أي: مطر) كانت من الليل،
فلما انصرف أقبل على الناس بوجهه، فقال: ((هل تدرون، ماذا قال ربكم؟
…
)) الحديث (1)
كما ينبغي أن تكون حركته حسب الدواعي المطلوبة، لأن الحركة المعبرة لها أثر في الفهم، وشدٌ للانتباه، ومشاركة في الخطاب.
وكثرة الحركة تشغل عن المعنى، وقلتها نوع من الجمود.
ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعمل الإشارة بقدر الحاجة المعبرة عما يريد.
فعن علي رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فجعل يَنْكُتُ الأرض بعود، فقال:((ليس منكم من أحد إلا وقد فُرِغَ من مقعده من الجنة والنار .. )) الحديث (2).
وعن ابن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة - ثم أشار بيده على أنفه - .. )) (3) الحديث.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رقى المنبر، فأشار بيديه قِبَل قبلة المسجد، ثم قال:((لقد رأيت الآن - منذ صليت لكم الصلاة - الجنة والنار، ممثلتين في قبلة هذا الجدار، فلم أر كاليوم في الخير والشر .. )) (4) الحديث.
(1) رواه البخاري (846، 1038)، ومسلم (71)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 188) واللفظ له.
(2)
رواه البخاري (6217)، ومسلم (2647).
(3)
رواه البخاري (812)، ومسلم (490).
(4)
رواه البخاري (749)، واللفظ له، ومسلم (2359).
ولما خطب صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان في آخر الخطبة يرفع أصبعه السبابة إلى السماء ويَنْكُتُها إلى الناس، ويقول:((اللهم اشهد .. اللهم اشهد .. اللهم اشهد)) (1).
والأحاديث في هذا كثيرة جداً، واللبيب تكفيه الإشارة.
(1) - أخرجه مسلم (1218) بهذا اللفظ، وأصله في البخاري.
والنَكْت: هاهنا توجيه الإشارة إلى المخاطب.
قال أبو العباس القرطبي في المفهم (1094)((وقد رُويت ينكُبُها: ومعناه يقلبها)) وهذه اللفظة قريبة من معنى اللفظة المذكورة.