الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول حاجة البشرية إلى الدعوة:
مضت سنة الله في خلقه، بوجود الكفر وأهله، ووجود الإيمان وأهله.
{هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مّؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [التغابن: 2]
وكذلك مضت سنة الله في تناقص إيمان بعض المؤمنين، وقساوة قلوبهم، وفي الجهل في الدين، والانحراف عن الصراط المستقيم، كلما ابتعد الناس عن معين الوحي، وطال بهم العهد عن منبع الرسالة.
واقتضت حكمة الله إزالة الكفر، ورد الكافرين الى أصل الفطرة، وحظيرة الإيمان، وبيان المحجة لهم.
وكذلك اقتضت تجديد إيمان المؤمنين، وجلاء قلوبهم، وإعادة وصلها بالله، كيما يقوى الإيمان، وتستقيم النفوس على طريق الهداية، وتبقى القلوب موصولة بالله تعالى.
وسبقت رحمة الله أن تكون وسيلة الإسلام إلى هداية الكافرين، وإلى تجديد إيمان المؤمنين، وإصلاح ما فسد هي: الدعوة إلى الله تعالى، بشروطها، وأسلوبها المقرر، {وَيَقَوْمِ مَا لِى أَدْعُوكُمْ إِلَى النّجَاةِ وَتَدْعُونَنِى إِلَى النّارِ} [غافر: 41]
فكلما كانت الدعوة قائمة بشروطها، فعّالة بأسلوبها المشروع، كان الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعدَ عن الفساد.
وكلما كانت الدعوة ضعيفة في أدائها، أو منحرفة في منهجها، كان الناسُ أقربَ إلى الشر والسوء، وأبعدَ عن الخير والاستقامة.
ولا أدل على ذلك من التفاوت في التدين بين الشعوب، فترى بعضها أحسنَ الناس عقيدة، وأفضلهم اتباعاً، وأقلهم فساداً وانحرافا، ذلك لما كان قائمًا بينهم من دعوة صحيحة، ذات جذور قوية.
وترى آخرين قد اختلت عقائدهم، وكثرت بدعهم، وظهر الفساد والانحراف في مجتمعهم .. وذلك للتقصير الدعوي فيهم.
وكل ما ظهر من الفساد العقائدي، والانحراف المنهجي، والسوء الخُلقي، والتطرف الفكري، ثم العملي الذي تفشى بين كثير من المسلمين، كان من التقصير في الدعوة إلى الله عز وجل، أو من الانحراف بها عن مقاصدها النبيلة التي رسمها لها الإسلام، أو لغياب منهجية الاعتدال فيها.
لذا بات من الضروري لهداية من ضل، ولإصلاح ما فسد، واستقامة ما انحرف، ولتقوية إيمان من ضعف، إحياء الدعوة إلى الله عز وجل على أسس سليمة، ومنهجية معتدلة، وأساليب متجددة مباحة، كي يعم الصلاح، وينقطع الفساد.
وهكذا كانت سنة الله تعالى في خلقه، كلما انحرف الناس، وانتشر الشر، أرسل الله فيهم رسولاً، أو بعث فيهم نبياً.
قال ابن كثير - - عند هذه الآية (
…
وأن الناس كلهم كانوا على دين واحد، وهو الإسلام، قال ابن عباس:((ثم وقع الاختلاف بين الناس، وعُبدت الأصنام، والأنداد، والأوثان، فبعث الله الرسل بآياته، وبيناته وحججه البالغة، وبراهينه الدامغة، {لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىّ عَن بَيّنَةٍ .. })) (1). [الأنفال: 42]
وهكذا كان منهج الأنبياء في دعوتهم {إِنْ أُرِيدُ إِلاّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88]
ولما لم يكن نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وُكِّلَت الدعوة إلى العلماء والدعاة من أمته، يعلِّمون الناس ما جهلوا، ويذكرونهم ما نسوا، ويهدونهم إلى صراط الله المستقيم، ومن هنا جاءت أهمية الدعوة، وأهمية تأصيلها، وجاءت أهمية دور الدعاة، وأهمية إعدادهم.
(1) - تفسير ابن كثير (2/ 426)