الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكفى بهذا دليلاً على ذلك.
الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: ((الخيل لثلاثة؛ لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر .. )) الحديث (1).
ولا شك؛ أن الخيل ليست طريقة - حسب التعريف السابق - ولا غاية، بل هي وسيلة من الوسائل، وقد علق الحديث حكمها بنية صاحبها وغايته، مما يدل على أن الأصل فيها الإباحة، وأن حكم الوسائل حكم غاياتها، كما قعده الفقهاء، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.
المطلب الرابع: ضوابط استخدام الوسيلة الشرعية:
لكي تبقى الوسيلة مباحة على الأصل، لابد من ذكر ضوابط لها، حتى لا يُتجاوز في استعمالها، فتصبح محرمة.
الأول: الأصل جواز استعمال الوسائل، وعدم منعها، إلا إذا ورد نهي عنها، أو ترتب على استعمالها مفسدة، وقد سبق الاستدلال على ذلك.
الثاني: يتأكد استعمال الوسيلة عند ورود نص بالحث عليها، أو عندما يُفوّت بتركها مصلحة، أو يجلب مفسدة، فحينئذ لا ينبغي التخلف عنها.
كإعداد القوة للقتال، ووجود الكهرباء في المسجد.
فأما الأول: فقد ورد فيه النص، وأما الثاني: فتتحقق باستعمالها مصالح، ولا يترتب على ذلك أدنى مفسدة.
(1) رواه البخاري (3646)، ومسلم (987)، وسيأتي تمام الحديث في المبحث الثالث من هذا الفصل.
الثالث: أن لا يُتجاوز في الوسيلة مهمتها، حتى لا تصبح الوسيلة غاية في ذاتها، إذ غايتها إعانة الناس.
فالمنارة - مثلاً - وسيلة، مهمتها توسيع رقعة الأذان، ويمكن أن تكون وسيلة للدلالة على المسجد، فلا يجوز بناؤها بحجم كبير، وزخرفتها زخرفة بالغة، تخرج بذلك عن كونها وسيلة لرفع الأذان، أو للدلالة على المسجد، فتصبح غاية في نفسها، يتباهى بها أصحابها .. حتى وجد من ينكر وجود مسجد بلا منارة كبيرة، أو منبر غير مرتفع، أو غير مزخرف.
ودليل ذلك: أنه يخشى من تجاوز الحد في الوسيلة مع الزمن أن تصبح طريقة تعبدية، فتكون بدعة .. وتحريم البدع معلوم من الدين بالضرورة، أو لما يكون فيها من الإسراف، وضياع الجهد والمال فيما لا طائل وراءه.
الرابع: أن لا يكون لها أثر في المادة الدعوية - أو الأمر الديني نفسه.
أي: لأجل التمثيلية، تُغير بعض عبارات الممثل عنهم، أو لأجل طول المنبر وعظمه تقطع الصفوف، وما شابه ذلك، فتكون هناك مخالفات شرعية واضحة.
الخامس: جواز استعمال الوسيلة التي حرمت سداً للذريعة، عند تحقق المصلحة، وعلى قدر الحاجة، وأن لا يترتب عليها المفسدة التي حرمت لأجلها.
ثمة وسائل جاء النص من الكتاب والسنة بتحريمها، كاستعمال الناقوس، والتصوير، والمعازف، والنظر إلى النساء.
غير أن التحريم - كما هو معلوم - إما أن يكون لذات الشيء كالزنى، والخمر ..
وإما أن يكون سداً للذريعة؛ كالتصوير سداً لذريعة الشرك، والمضاهاة، وكالنظر إلى النساء سداً لذريعة الفاحشة.
فما كان سداً لباب ذريعة، أبيح عند تحقق المصلحة الراجحة، بشرط أن لا يترتب على العمل به تلك المفسدة التي حُرِّم لأجلها.
فمثلاً: النظر إلى النساء محرم سداً لباب ذريعة الفاحشة، ومع ذلك فقد أباح الشرع النظر إلى المخطوبة، لتحقق مصلحة راجحة، ولانتفاء تحصيل مفسدة الفاحشة.
قال ابن تيمية: ((النهي إذا كان لسد الذريعة، أبيح للمصلحة الراجحة)) (1).
السادس: أن لا يكون أصل الوسيلة شعاراً للكافرين، كبناء المساجد على شكل كنائس النصارى، كما هو الحال في بعض البلدان، أو استعمال الناقوس أو الجرس، للتنبيه على بدء أمر شرعي كالأذان، أو الصلاة.
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم)) (2).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من عمل بسنة غيرنا)) (3).
(1) مجموع الفتاوى (1/ 164)، وكذلك قال غير واحد من علماء الأصول.
(2)
أخرجه أبو داود (4031).
(3)
أخرجه الطبراني (ج 11 رقم 11335)، والديلمي في مسنده رقم (5309)، وحسنه الألباني، في صحيح الجامع (5439).