الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السابع: التدرج في حالات خاصة:
المقصود من هذا المطلب: جواز التدرج مع أقوام دون أقوام، وأفراد دون أفراد، لظرف طارئ، أو لحالة خاصة، كما هو الحال مع المسلمين الذين كانوا يخضعون للحكم الشيوعي، وغيرهم ممن جهلوا دينهم، ودب فيهم ما دب من الشركيات، وانتشر ما انتشر فيهم من البدع، والمحرمات.
ومثل هذه المجتمعات، لم تنعدم عبر التاريخ، حتى في عصرنا، فقد وُجد في مثل هذه المجتمعات مسلمون، لا يعرفون أركان الإسلام، فكيف بأدائها وأحكامها (1).
فليس من الحكمة؛ نقلُ مثلِ هؤلاء إلى الإسلام بجملته، بدعوى أنهم مسلمون، وأن الشريعة كملت، بل لا بد من أخذهم بقاعدة التدرج .. التوحيد .. فالعبادات، واحدة بعد الأخرى .. والنهي عن المحرمات .. الأعظم فالأعظم حسب أحوال العباد.
وكذلك حُكمُ من أراد دخول الإسلام، فلا تلقى عليه العبادات، والمنهيات دفعة واحدة.
وقد سبق ذكر حديث معاذ لما أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقد أمره بالتدرج بعد ثبوت الأحكام.
ومن أروع ما يستدل به على تقدير ظروف بعض المدعوين حدثان في عهد النبوة.
(1) ووجد منهم من لا يعرف من الإسلام إلا أنه يحرم أكل الخنزير، ولا يعلم توحيداً، ولا عبادة فضلاً عن حلال وحرام.
بل سألتُ أحدَهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما عرف عنه شيئاً، سوى أنه مسلم، وأنه معه على دينه.
الأول: (حديث وفد ثقيف)، عن وهب قال: سألت جابراً عن شأن ثقيف إذ بايعت، قال: اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول:((سيتصدقون، ويجاهدون إذا أسلموا)). (1)
وعن نصر بن عاصم عن رجل منهم: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم على أنه لا يصلي إلا صلاتين فقبل ذلك منه (2).
الثاني: كان أبو حذيفة رضي الله عنه قد تبنى سالماً قبل تحريم التبني، فلما نزلت آية الحجاب كبر على أبي حذيفة دخوله على زوجته، وصعب عليه مفارقته، فأفتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم بإرضاعه.
فعن عائشة رضي الله عنهما قالت: جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم، (وهو حليفه) فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((أرضعيه)) قالت: وكيف أرضعه؟ وهو رجل كبير، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:((قد علمت أنه رجل كبير)) (3).
ففي هذين الحدثين، دليل واضح على بقاء حكم التدرج، لمن دخل في الإسلام، وبعد ثبوت الأحكام في الدين، فإن المسألة لا تتعلق بأصل
(1) رواه أحمد (3/ 341)، وأبو داود (3025)، والبيهقي في دلائل النبوة (5/ 306)، وانظر الصحيحة للشيخ الألباني رحمه الله (1888).
(2)
رواه أحمد (5/ 24، 25، 363)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (941)، وأبو نعيم كما في أسد الغابة (6/ 446) قلت: واسناده صحيح، رجاله ثقات، والرجل المبهم شيخ نصر صحابي، وجهالة الصحابي لا تضر.
(3)
رواه مسلم (1453)