الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: هو تواطؤ الفاصلتين من النثر على حرف واحد في الآخر (1).
المطلب الثاني: موقف السنة من هذه الأمور:
ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا كله، عن الإطالة، والتشدق، والتشقيق .. إلخ، وكان يحب جوامع الكلم
قال عليه الصلاة والسلام: ((أوتيت جوامع الكلم)) (2).
والجوامع: هي العبارات الموجزة البليغة، ذوات المعاني الواسعة (3).
وقالت العرب: ((خير الكلام ما قل ودل، ولم يَطُل فيُمل)).
فالداعية الحكيم: هو الذي: قلّ كلامه، وعظم تأثيره.
قال عليه الصلاة والسلام: ((إن طول صلاة الرجل، وقِصَرَ خطبته، مَئِنَّة (4) من فقهه)) (5).
أي: كلما قصرت الخطبة، وعظم معناها، وأُبلغ في تأثيرها، كان ذلك دلالة على فقه الداعية ووعيه.
فالتطويل، والتشقيق، والتشدق، والتفيهق، كلُّ ذلك كان في الخطاب مكروهاً.
(1) انظر القاموس المحيط، ولسان العرب (8/ 150) مادة (سجع)، والتعريفات للجرجاني (ص 117).
والمقصود بالسجع أن تنتهي الجمل بحروف متشابهة حتى تكون أوقع في السمع كقول القائل: اللهم ارزقنا الجنان، ونجنا من النيران .. واحفظنا من الشيطان، وهكذا.
(2)
سبق تخريجه ص (274).
(3)
وقال في اللسان في مادة (جمع): جوامع الكلم: ما كان كثير المعاني قليل الألفاظ.
(4)
مئنة من فقهه: علامة ودليل على فهمه وحكمته، انظر النهاية في غريب الحديث، مادة:(مأن).
(5)
رواه مسلم (869)
فقد قام أحد الصحابة يخطب بين يدي رسول الله، فشقق في الخطبة (1)، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:((اسكت أو اجلس)).
وقام ابن مسعود رضي الله عنه فأوجز، وأبلغ، وأفاد.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أصاب ابن أم عبد، أصاب ابن أم عبد، وصدق، رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد)) (2).
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي، وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة؛ الثرثارون والمتشدِّقون والمُتفْيْهقون))، قالوا: يا رسول الله: قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ ، قال:((المتكبرون)) (3).
وأما تعمد السجع، والغوصُ في الكتب القديمة، لاستخراج خطب مسجوعة، ومواعظ منمقة، لا يفقه منها المدعوون، سوى نغمات تُردّد، وعبارات مسجوعة في الأذن ترجّع (4)، فليس هذا من الحكمة في شيء.
فعن ابن عباس قال: (( .. حدّث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين
…
فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك)) (5)، يعني: لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب.
(1) شقق أطال وكرر، انظر المعجم الوسيط (1/ 489)، مادة (شقَّ).
(2)
أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 290)، وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات إلا أن عبيد الله بن عثمان بن خثيم لم يسمع من أبي الدرداء، والله أعلم، وانظر الصحيحة (1225).
(3)
أخرجه الترمذي (2018)، وأورده الألباني في الصحيحة (791)
(4)
الترجيع: ترديد الصوت على سبيل الترنيم. اللسان (8/ 117)، والمعجم الوسيط مادة: ر ج ع.
(5)
رواه البخاري (6337)
والنهي المذكور عن التشقيق والسجع و .. : إنما هو المتكلف منه، والمتفيهق فيه على حساب المعنى، وبساطة التعبير، وفهم المدعوين.
وأما إذا كان سلساً غير مُتكلفٍ فيه، لا يُعقِّد الجمل، ولا يُعسِّر الفهم، فلا بأس به، فهو- والحال هذه - من مزينات الكلام، وقد استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج بأبدع ما يمكن، فمن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، ومجري السحاب .. )) (1) الحديث.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن علم لا ينفع، ومن دعاء لا يُسمع، ومن نفس لا تشبع .. )) (2) الحديث.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده)) (3) الحديث.
(1) رواه البخاري (2933)، ومسلم (1742)، والزيادة له.
(2)
رواه البخاري (2966، 4115) واللفظ له، ومسلم (1742).
(3)
رواه البخاري (6406).