الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العاشر الدعابة تكون في الأسلوب:
الدعابة فن من فنون الكلام، يحلّى بها الأسلوب .. ويلطّف بها الخطاب .. وتُحبّبُ صاحبَها للمدعوين .. انعدامها جفاء، وكثرتها تمييع.
فهي كالسكر للشراب، أو الملح للطعام .. قلته تجعل الطعام ممجوجاً .. وكثرته تجعله مكروهاً.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا دعابة طيبة .. ولم تكن بالكثيرة التي تذهب الهيبة، وتفقد الخطاب علميته وحجيته .. ولا بالمنعدمة التي توحي بالجفوة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله، إنك تداعبنا قال:((إني لا أقول إلا حقاً)). (1).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رجلاً استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم - طلب أن يُركبه على دابة - فقال:((إني حاملك على ولد الناقة)). فقال: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟ فقال صلى الله عليه وسلم:((وهل تلد الإبل إلا النوق)). (2).
(1) أخرجه أحمد (2/ 360)، والترمذي في السنن (1990)، وفي الشمائل (238)، والطبراني في الأوسط
(8706)
، والبيهقي في السنن (10/ 248)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 17): رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن.
(2)
أخرجه أحمد (3/ 267)، والبخاري في الأدب المفرد (268)، وأبو داود (4988)، والترمذي في السنن (1991)، وفي الشمائل (239)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 248) وصححه الألباني في مختصر الشمائل المحمدية (203).
وعن الحسن رضي الله عنه قال: أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال:((يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز)) قال: فولت تبكي، فقال:((أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، فإن الله تعالى يقول: {{إِنّآ أَنشَأْنَاهُنّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً} (1). [الواقعة: 35 - 37]
وقد يستهين بعضهم بالإتيان بالدعابة .. بل يمجها، وربما ازدرى من أتى بها، لذلك لا تجد للمداعبة أثراً في خطابه، وذلك جفوة في الطبع، وجهلاً بالسنة.
وقد يُكثر من الدعابة آخرون، فيُذهبون بذلك هيبتهم، ويميعون أسلوبهم، إلى درجة عدم الثقة بطرحهم.
والحق في ذلك الوسط، وما ورد في السنة من الاعتدال .. وفي اتباع السنة بركة، وفي الدعابة والبشاشة رفق، والله الموفق.
(1) أخرجه الترمذي في الشمائل (241)، والطبراني في الأوسط (5545). قلت: فهو حسن لغيره.