الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثالث: ما اعتادوه من الأخلاق الفاضلة، مما حث عليه الشرع حثاً عاماً، دون تقييد أو تخصيص، كالكرم والمروءة، وإغاثة الملهوف، والتعاون في حاجات المجتمع، وما شابه ذلك.
ولا بد للداعية قبل أن يخوض غمار الدعوة إلى الله تعالى؛ أن يكون على إدراك واقعي، وعلم شرعي، وحكمة دعوية في هذه العادات، حتى يضع الأمور في مواضعها، وينزل الأحكام على وقائعها، وحتى لا يتعرض لِمَا يُوقِف دعوته، ويُعرقل مسيرته.
لأن التعرض لعادات الناس دون حكمة، مُفْضٍ في كثير من الأوقات إلى الفتنِ، واتهامِ الداعية، ومؤذنٌ بعزله عن المجتمع، وتوقفه عن دعوته.
ذلك لأن تخليَ الناس عن عاداتهم -ولو كانت محرمة- ليس بالأمر الهين، فمن الصعوبة بمكان أن يستجيبوا بموعظة أو موعظتين.
المطلب الثالث: أحكام هذه العادات:
فأما عادات الناس التي حث عليها الشرع، فيُثني الداعية على الناس فيها خيراً، ويُشجعهم على الاستمرار عليها، ويَذْكُر لهم ما فيها من الخير والنفع، وما يترتب عليها عند الله من الأجر والعطاء، كي يستمروا عليها، ولا يتخلوا عنها.
وقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة بالثناء على العادات الحميدة، ولو فعلها الجاهلون.
قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاّ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ
…
} الآية [آل عمران: 74]
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أفعال الجاهلية، من ذلك: التحالف الذي كانوا يفعلونه على عمل الصالحات، كحلف المطيَّبين (1)، وحلف الفَضول (2)، وقال صلى الله عليه وسلم:((شهدت حلف المطيَّبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي حُمْرَ النَّعَمِ، وأني أنكثه)) (3).
والمقصود؛ جواز شكر غير المسلمين على مايفعلونه من أعمال خيرية.
وأما عاداتهم الدنيوية: التي سكت عنها الشرع، فلا يتعرض لها الداعية، من قريب أو بعيد، سلباً ولا إيجاباً.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم، لَمَّا تعرض لعادتهم في تأبير النخل، أفادهم بعد ذلك: أنه رأيٌ رآه، وليس أمرًا دينيًا أمر به، فقال صلى الله عليه وسلم:((أنتم أعلم بأمر دنياكم)). (4)
وأما عاداتهم التي حرمها الشرع، واسْتَمْرَأَتْها أنفسهم، واعتادت عليها طباعهم، وانتشرت في مجتمعهم، فيراعي في النهي عنها ثلاث:
(1) حلف المطيبين: وهو حلف عقد في أيام الجاهلية، وسمّي بهذا لأن المتحالفين طيّبوا الكعبة، وطيّبوا بعضهم، السيرة لابن هشام (1/ 150)
(2)
الفضول: هو حلف عقد في الجاهلية، وقيل: سمّي بذلك لأن معظم المتحالفين كانت أسماؤهم (الفضل) السيرة لابن هشام (1/ 153)
(3)
رواه أحمد (1/ 190)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 366)، وصححه الحاكم (2/ 219 - 220)، ووافقه الذهبي.
(4)
رواه مسلم (2363).