الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيها- أمة واحدة، ذات ثقافة واحدة، تكاد تتحدث بلسان واحد، قد تآلفت قلوبها .. وتوحدت صفوفها، قبل هذا التمزق المتأخر.
مصداقًا لقوله تعالى: {وَإِنّ هَذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبّكُمْ فَاتّقُونِ} . [المؤمنون: 52]
الأثر السادس من آثار الدعوة إلى الله: سعادة العباد في الدارين:
إن اهتداء الخلق إلى طريق الحق، يُعرفُّهم بحقوقهم وواجباتهم، تجاه ربهم، وتجاه من يتعايشون معهم؛ من أهل وأقرباء، وأصحاب، وأصحاب جنب .. ومن عرف حقوقه وواجباته، وصدق في أدائها، أمن الناس وأمنوا منه، ونال حقه، ونالوا حقوقهم، وإذا حصل ذلك، عاش الناس جميعاً عيشة السعداء، فلا خوف يهددهم، ولا فساد ينغصهم.
وسعادة الإنسان في ثلاثة:
-سعادته في قلبه ونفسه ..
-سعادته في حياته ومعيشته ..
-سعادته في مصيره وآخرته ..
وإن من أهم آثار الاستجابة لدعوة الله تعالى، تحقيق هذه السعادات كلِّها، للخلق كلِّهم.
فمن عرف ربه، واستجاب لخالقه، وتوكل عليه، ورضي بقضائه وقدره، وأيقن أن كل شي بيده، وأن كل شيء ماض عليه حكمه، عدل فيه قضاؤه، حصل عنده يقين في القلب، وراحة في النفس، مهما كان عليه من حال، ومهما قُدِّر له من قضاء، وكان كمن يعيش في
قصور، ويرتع في جنان .. فهذه سعادة القلب والنفس {الّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ}. [الرعد: 28]
وذِكْرُ الله هاهنا أعَمُّ من كونه باللسان، لأن المقصود خشيتهُ وطاعتهُ، واتباعُ شرعه، والعملُ بقرآنه.
قال تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} [الأنبياء: 50]
وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ} . [النحل: 44]
وقال تعالى: {اللهُ نَزّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مّتَشَابِهاً مّثَانِىَ تَقْشَعِرّ مِنْهُ جُلُودُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ ثُمّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىَ ذِكْرِ اللهِ} . [الزمر: 23]
فبهذا تتحقق سعادة القلب والنفس.
ومن استجاب لدعوة الله، عرف الحلال والحرام، ووقف عند حدود الله، فأدى الأمانة، واستقام في بيعه وشرائه، ووفى بعقوده ووعوده، ولم يعتد بيد، ولا في مال، ولا عرض، فأعطى ما عليه، وأخذ ما له، وتخلق بأخلاق الإسلام العظيمة.
فهذه سعادة الحياة والمعيشة: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِى بِهِ فِى النّاسِ كَمَن مّثَلُهُ فِى الظّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا .. } الآية. [الأنعام: 122]
ومن استجاب لدعوة الله نال مرضاته، ونجا من ناره، وفاز بجنته، فهذه هي السعادة الحقيقية، والسعادة الأبدية.
{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ .. } الآية. [الأنفال: 24]
قال الإمام البخاري: (استجيبوا): أجيبوا، (لما يحييكم): لما يصلحكم (1). أي يصلح أمركم في الدنيا والآخرة.
فبهذا يتبين: أن من أعظم آثار الاستجابة لدعوة الله، أن يحيي الله المستجيبين حياة طيبة في الدارين.
ولقد تحقق هذا ظاهراً في كثير من فترات التاريخ الإسلامي، حين صدق المسلمون العمل بهذا الدين، فغمرت السعادة قلوبهم، وعم الرخاء في حياتهم ومعيشتهم، وساد الأمن والعدل في ديارهم، وسيلقون ما يوعدون عند ربهم.
{وَعَدَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ مِنْهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الفتح: 29]
(1) فتح الباري (8/ 307).
الباب الثاني
أركان الدعوة