الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: تنوع خطاب الرسول بما يتناسب وطباع المدعوين:
وتعطينا السُّنة صُوراً واقعية، وتصرفاتٍ عملية في مخاطبة المدعوين، بما يتناسب مع طباعهم الفطرية، وأحوالهم الخاصة.
ومن ذلك: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بأبي ذر من ضعف، نَصَحَهُ أن لا يقترب من الإمارة، وقال: ((يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة
…
)) (1) الحديث.
ولما رأى من خالد بن الوليد ما رأى من القوة، والمكر المحمود، جعله قائداً مقدماً في ذلك على من هم أفضل منه كأبي بكر وعمر وغيرهما رضي الله عنهم أجمعين.
ولما أخطأ خالد رضي الله عنه في قتل بني خزيمة، قال عليه الصلاة والسلام على الملأ:((اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)) (2) ولم يعزله، رغم فعله هذا، لما رأى فيه من القوة على الأعداء، الأمر الذي يحتمل منه مثل هذا الخطأ.
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر من القوة الإيمانية، والعدل بين الناس، والقدرة القيادية، مهّد له بالخلافة، وقدمه لها.
(1) رواه مسلم (1825).
(2)
رواه البخاري (4339، 7189).
فقال عليه الصلاة والسلام: ((يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)). (1)
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزحام على تقبيل الحجر قال لعمر: ((يا عمر، إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله، فهلل وكبر)). (2)
وفي الوقت الذي أمر فيه زيد بن ثابت أن يتعلم السريانية (3)، لم يستطع بنفسه عليه الصلاة والسلام أن يُعَلِّم أحد الصحابة الفاتحة، فأمره أن يقول بدلها:((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله)). (4)
فأي مراعاة لأحوال المدعوين بعد هذا .. ؟ ! رجل يُؤمر بتعلم لغة غير لغته، وذلك لِما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفظه وفطنته، ورجل يأمره بالتسبيح بدل الفاتحة، لِمَا رأى من ضعف ذاكرته .. إنها مراعاة لطباع المدعوين الشخصية، التي فقدها بعض الدعاة والمربين.
وهكذا ينبغي على الداعية أن يكون فطناً لطبيعة المدعو، مدركاً لما ينفعه في تلك الصفة التي يتصف بها، فيؤخر النصيحة، ويرجيء الأمر، ويعجل البيان، ويمسك عن الجواب، كل ذلك وما
(1) رواه البخاري (5666، 7217)، ومسلم (2387) واللفظ له.
(2)
رواه أحمد (1/ 28)، واللفظ له، والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 80).
(3)
رواه أحمد (5/ 182)، والطبراني في الكبير (5/ 155، 156)، والحاكم (3/ 422) وقال: صحيح إن كان ثابت بن عبيد سمعه من زيد بن ثابت ولم يخرجاه.
(4)
رواه أحمد (4/ 353)، وأبو داود (832)، والنسائي (2/ 143)، والحاكم (1/ 241) وصححه ووافقه الذهبي.